"سوا سوا والرجعي لوحده/ سوا سوا والكل اتحدوا/ ... كل العروبة سوا/ وحدة غَلُوبة سوا/ سوا سوا آدي مصر وسوريا/ سوا سوا وبغدادنا أهية/ سوا سوا وجزايرنا معانا/ سوا سوا وصنعاء ويَّانا/ وبُكرا جاية سوا عمَّان وجدَّة سوا.. "كانت هذه الكلمات المفعمة بالأمل العروبي النابض؛ هي التي تغنَّت بها "الصبوحة"؛ في مواكبة محادثات الوحدة الثلاثية في العام 1963؛التي أنعش نداها يباس الأرواح التي أجدبها انفصال 1961؛ بعدما كانت قد أخبرتنا "الصبوحة"؛ ذات صباح؛ سابق أنها على طول الطريق "من الموسكي لسوق الحميدية؛ أنا عارفة السِكّة لوحدِيّة". فيما ارتأى الراحل كامل الشناوي؛ أن يواكب "حلمنا" البازغ في قصيدته "أغنية عربية" بوصفه:" كان وهماً وأماني وحُلماً؛ كان طيفاً"؛ واضُطر؛ بعزم الرجال؛ من طراز القائد المعلِّم؛ جمال عبد الناصر؛ أن يخلع عنه ثوب الوهم ويرتدي ثوب الحقيقة الناصعة؛ التي عبَّر عنها؛ عبد الناصر في مثل هذا اليوم؛ قبل خمس وخمسين عاماً؛ كاملة؛ يوم زفَّ إلى أبناء عروبتنا في مشارقها ومغاربها؛ من منبر مجلس الأمة؛ النبأ العظيم؛ بقيام الجمهورية العربية المتحدة حيث "بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث في قلبه، لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتطيق". فما أتعس أن تحِل علينا؛ اليوم؛ الذكرى المجيدة بقيام "دولة الوحدة"؛ وحال إقليميها الشمالي ( السوري) والجنوبي( المصري)؛ كما نرى؛ لا يسُر سوى أعدائهما؛ المتربصين؛ في الجِوار. حيث وحدة سوريا الترابية على المِحك؛ مُجدداً؛ كما كانت في أواخر العام 1957؛ يوم لاذت سوريا بحُضن مصر؛ التي آوت ونصرت؛ كما يليق بها؛ ما اضطر "العثمنلي" المُتلمظ عدنان مندريس ؛رئيس الوزراء التركي؛ عامذاك؛ إلى ابتلاع غيظه فيما يُغمغم:" لقد نمتُ وعلى حدود بلادي ستة ملايين (عدد سكان سوريا؛ عامذاك)؛ وصحوتُ لأجدهم ستة وعشرين مليوناً "مُشيراً إلى عدد سكان الجمهورية المتحدة بإقليميها". لم يُكتب لجيلنا المنكوب سوى أن يقرأ في حوليات التاريخ؛فيما ينفطر قلبه؛ من هول ما يرى اليوم؛ أن مواطناً عربياً عظيماً اسمه جمال عبد الناصر؛ استقل في السابعة من صبيحة 24 فبراير/ شباط1958؛ أول طائرة حملت اسم "الجمهورية العربية المتحدة" أقلعت من مطار ألماظة العسكري؛ ثم بدأت تمرق وسط السحب في محاذاة شاطئ فلسطينالمحتلة. وفي الثامنة والثلث كان جبل الشيخ المُعمَّم بالثلوج يبدو عند الأفق، ويُطِل جمال عبد الناصر من نافذة الطائرة يُلقي أول نظرة على الأرض التى انتخبته رئيساً لجمهوريتها؛ دون أن تراه؛ ودون أن يراها. وفى الساعة التاسعة إلا الربع؛ كانت طائرته تهبط فى مطار" المَزَّة"؛ لتحتضن؛ أرض سوريا؛ خُطى عبد الناصر؛ الأولى على ترابها؛ وهو رئيساً لها. وها قد دار الزمن دورته؛ وها نحن نُعايٍن سوريا اليوم؛ تتهددها الأخطار من كل جانب؛ فتُطالعنا وسائط الإعلام؛ كل يوم؛ بأنباء المؤامرات التي لم تعُد تُحاك في الظلام؛ كما اعتادت وقائع التاريخ واعتدنا؛ فبات أصحابها يُخططون لها علانية؛ فيتحدثون؛ على رؤوس أشهاد الزور؛ عن تقسيم الجسد السوري؛ مرة أخرى؛ ونحن لم نُشفى بعدُ من قيام الدولتان الاستعماريتان القديمتان؛ بريطانيا وفرنسا؛ بتقطيع أوصال سوريا الجغرافية؛ في النصف الأول من القرن العشرين؛ إلى أربع كيانات سياسية: سوريا؛ فلسطين؛ لبنان؛ الأردن؛ تقاسمها المحتلون مُناصفة ولا مِن جمال عبد الناصر؛ اليوم؛ يقف سداً منيعاً؛ ضد أنياب "العثمنلي"؛ الذي أسال لُعابه انكفاء مصر المُخزي؛ ومخالب "تابعه قُفة"؛ القطري؛ وهوان "تابع التابع" في القاهرة! هذا ما هو كائن فيما يخص سوريا؛ والوضع القاتم لا يختلف كثيراً في الإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة؛ فليس مُستبعداً؛ والحال على هذا التردي الذي سارت به الرُكبان؛ أن يستيقظ المصريون ذات صباح كئيب؛ ليجدوا سيناء؛ قد أُقتُطِعت من جسد مصر المحزونة؛ فيما يكتفي مندوب الإخوان في القصر الجمهوري؛ بإصدار بيان صحفي يُحمِّل فيه مسئولية انفصال سيناء لجبهة الإنقاذ؛ المُعارِضة؛ هذا إذا لم يشتّط أكثر؛ فيُحمِّل المسئولية لحمدين صباحي؛ شخصياً! Comment *