ما هي القضايا التي تتعلق بحركة قوى اليسار والقوى الراديكالية حاليا : 1- طبيعة الأزمة المجتمعية التي تواجه الأمة عميقة وبالغة الخطورة، لا تجدي معها الحلول الإصلاحية، بالإضافة إلى قيام نظام مبارك بهدم المنظومة القيمية الاجتماعية التقليدية لمؤسسات الدولة البيروقراطية، وقام بابتذال الشعارات التقليدية والأوصاف الفخمة الضخمة الرنانة مثل (جلال- شموخ- قدسية- المكانة ) التي تطلق على أركان هيكل الدولة مثل القضاء والمجالس المنتخبة والدستور، عبر منظومة فساد كانت هي ا؟لأصل في إدارة الدولة، كان ذلك تعبيرا ساطعا على نهاية قدرة البرجوازية المصرية بأجنحتها المختلفة على إدارة الدولة، وعدم قدرتها على حل الأزمة. إن الخلاص من التبعية السياسية والاقتصادية للإستعمار العالمي، وإنجاز نقلة كبرى في النمو الاقتصادي، ورفع الناتج القومي العام بما يعني رفع مستوى الدخل الفردي، والقضاء على البطالة والعجز المزمن في ميزان المدفوعات والميزانية العامة، ورفع نسبة حصة الأجور من الدخل القومي، بما يعني رفع مستوى المعيشة، كل ذلك لن يتحقق إلا بتغيير وبرنامج ثوري حقيقي، وكما ذكرت من قبل لن يحقق التغيير الثوري إلا قوة ثورية، ورغم ضعف القوى الثورية وقلة عددها (قد تصل هي والمتعاطفين معهم عدة مئات من الالوف إذا أعتبرنا أنتخابات مجلس الشعب رقما دالا) إلا أن قوة القوى الثورية لا تكمن في عددها، لم يكن ذلك ابدا عاملا حاسما في قدرتها على حشد الجماهير وقيادتها، إنما تكمن في قدرتها على صياغة شعار صحيح يلتف حوله الشعب. أن الايمان بقوة الدافع الطبقي للحراك الجماهيري والإدراك الصحيح لحركة ذلك الدافع وصياغة برنامج عمل والقدرة على إنجاز أهداف مرحلية هو القوة الحقيقية لليسار والقوى الراديكالية الحليفة. في هذه الحقيقة البسيطة يكمن تفسير كيف انتصر اليسار في الكثير من معاركه رغم قلة عدده، كيف انتصر كاسترو وبضعة افراد على باتيستا، كيف أستطاع ماوتسي تونج بشعاره (الأرض لمن يفلحها) ضم ملايين الفلاحين لثورته، وحتى في مصر كيف إستطاع عبد الناصر أن يضم لصفه ملايين الفلاحين الصغار بقوانين الإصلاح الزراعي، في تلك الحقيقة البسيطة أيضا نجد التفسير لهزيمة اليسار المصري وإنعزاله وضعفه حين استبدل شعاراته الإجتماعية والطبقية بشعارات ليبرالية، وحزب التجمع مثال للحال، تأسس بجهد ونضال جيل من كبار المثقفين اليساريين المناضلين بعضوية تناهز المائة والخمسين الف فرد، وانتهى على يد رئيسه الحالي (وعصابة الأربعة) عضوا فاعلا في قوى الثورة المضادة، بعضوية لاتتجاوز بضعة الاف، فيا للخسارة! 2- إذا كانت التحالف والوحدة مطلوبين في العلاقات بين قوى إجتماعية مختلفة، فإن تمايز اليسار عن هذه القوى وتحديد هويته السياسية والطبقية بدقة مطلوب بدرجة أشد، لا تكمن المشكلة في تحالف قوة ثورية صغيرة مع قوة كبيرة مثل الأخوان مثلا، أنما تكمن في فقدان تلك القوة لهويتها وطمس برنامجها وشعاراتها تحت راية هذا التحالف، يفعل الأخوان ذلك بحرفية عالية، أنهم لايهاجمون القوى المتحالفة معهم، ولكنهم يؤكدون دوما هويتهم تجاه بقية القوى، حتى عن السلفيين، أقرب القوى أليهم. 3- أن القوة الأكثر خطورة على هوية اليسار المصري هي القوى والأفكار الليبرالية، يرجع ذلك لعدة اسباب، أولاً أن مثقفي اليسار عادة ما ينتمون إلى الشرائح المختلفة للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة، تكوينهم هذا يجعل تأثرهم بالدعوات الليبرالية المتعلقة بالمفاهيم البرجوازية عن حقوق الأنسان قويا وسهلا وهو ما حدث للكثير من مثقفي اليسار من مناضلي السبعينيات، ثانيا أن المثقفين الثوريين في العالم الثالث مستهدفون عادة من الألة الاستخباراتية الغربية تحت راية الشعارات الليبرالية البراقة عبر العديد من مؤسسات الدعم والتمويل والإعلام والجوائز الهائلة الحجم والقدرة، انظروا ماذا يحدث الأن لبعض مناضلي ومناضلات اليمن ومصر وسوريا، انظروا لحجم التدفقات المالية الهائلة (لدعم) الديمقراطية في مصر بعد الثورة! ثالثا الضغط القوي والتواجد الخانق للقوى السلفية وإستهدافهم المستمر للنيل من حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية وميلهم المستمر لإسباغ مفاهيم شديدة التخلف على سلوكيات وحياة الناس دفع الكثير من مثقفي اليسار إلى إتخاذ مواقف رد الفعل الدفاعية إزاء ما يتعرض له المجتمع، إستطاع السلفيون جرهم لميدان معركة خاطئة! رابعا الصبغة الريفية للقوى السلفية أكسب المعركة بينهم وبين قوى المثقفين طبيعة خادعة، فأصبح الصراع يبدو وكأنه يدور ما بين مثقفي مدينة (متنورين) وسلفيي ريف (رجعيين) سقط في هذا الفخ الكثير من مثقفي اليسار والمثقفين الراديكاليين مما كرس هذا المفهوم للصراع وعزله عن طبيعته الحقيقية، كونه يدور بين نمطين مختلفين من واقعين نشئا من الطبيعة الاستبدادية لنظام قهر متخلف شديد التمركز حول نفسه في (المدينة) شديد الإهمال والإستهتار بحياة البشر الاقتصادية والاجتماعية خارج نطاقه (الريف) أنها عشوائية الأطراف بكل صورها مقابل مركزية المدينة النمطية، مما أوجد بالضرورة ذلك الانفصال المرجعي والسلوكي وبالتبعية تلاه الصدام على أرضية شكل من أشكال طبيعة نظام مبارك. 4- قوة الشعارات المنيرة لطريق المعركة رهن بالمعرفة المبدعة لبرنامج عمل، وهو الدافع لروح المبادرة الهجومية لدى قوى التغيير، كانت تلك ملاحظة قيمة من الصديق د. احمد الخميسي على مقالي السابق. إن مسألة مهمة مثل البحث عن تفسير تقاعس فقراء الفلاحين عن مساندة الثورة بل والأنكى مساندتهم الثورة المضادة لم يولها الكثير من قوى اليسار الاهمية اللازمة، بحثت كثيرا عن دراسة قريبة زمنيا لواقع الريف المصري فلم أجد، حتى ارسل لي الصديق الباحث الاقتصادي الجاد "الهامي الميرغني" دراسات ميدانية قيمة للباحث "حسنين كشك"التي بذل فيها جهدا كبيرا وكانت تمتد لفترة قريبة لأحوال ومطالب فقراء الفلاحين في بعض قرى الوجهين القبلي والبحري، استفدت من تلك الدراسات كثيرا، القت الضوء على معاناة أهلنا من فقراء الريف ومعدميه. وكذلك الدراسات للباحث "بشير صقر" كان لها عندي فضل كبير في اطلاعي على حركة النضال المستمر لفلاحي مصر ضد الإستيلاء الممنهج على أراضيهم بفعل قوانين مبارك، إن دراسات مثل هذه وباحثين جادين مثل هؤلاء كفيلين بالوصول لشعارات تستهدف صالح ملايين الفقراء من فلاحي مصر، أنها قادرة بصدق التوجه وموضوعيته، أن تخاطب الحس الطبقي لديهم، أن تدير وعيهم الوجهة الصحيحة، أن تضم لقوى الثورة قوة حقيقية فاعلة تحسم التغيير، أن تجرد سلطة نظام مبارك والعسكر من سلاحها الضارب الأساسي. أنها شعارات بسيطة مثل عودة بنوك التسليف إلى إعطاء الفلاحين الفقراء قروض بفوائد بسيطة وتحديد أقل مدة لإيجار الأرض الزراعية بخمس سنوات ( كما ورد في برنامج الحزب الاشتراكي المصري) والدعم الحقيقي لاستصلاح الأراضي بقروض مباشرة للفلاح مادية وعينية مثل التقاوي والسماد والمبيدات، ورفع يد الجهاز البيروقراطي الحكومي عن إصدار قرارات ادارية لصالح كبار الفلاحين أو لصالح المستوردين بضرب صنف زراعي، وشل يبد القهر الأمني والشرطي ضد الفلاحين الفقراء لصالح اغنياء الفلاحين. ترى ماذا كان سيكون موقف ملايين الفلاحين الفقراء لو أدركوا أن الثورة ستقدم لهم طريقا للخروج من بؤسهم المزمن؟؟ أية قوة كان سيقدمها هؤلاء للثورة؟ 5- نقل ساحة المعركة دائما إلى الميدان الاجتماعي والطبقي يجرد اعداء الثورة من إسلحتهم التقليدية، وعدم خوض اية معارك جانبية والإصرار على شرح وكشف حقيقة المصالح الاجتماعية والطبقية وراء الأغطية البراقة المثيرة. أن السلفيين يحاججون القوى الثورية بأنهم ضد الشريعة، فيدافع الآخرون عن أنفسهم بأنهم ليسوا ضد الشريعة وأن السلفييبن إنما يسيئون إلى الاسلام..الخ الخ، أن تزييف حقيقة وطبيعة المعركة الدائرة هو أساس تزييف وعي الجماهير، أن المعركة تدور في النهاية حول الثروة، ناتج العمل وناتج الطبيعة من موارد وأرض وخلافه، أن التشكل الاجتماعي ناتج من سوء توزيع الثروة، كذلك الفقر والبؤس والمرض والدعارة والفساد، كلها عوارض ونتاج النهب المستمر والمنظم، أنها بديهيات لا اشك في معرفة الجميع بها، المدهش هو عدم قدرة قوى اليسار وبقية القوى الراديكالية في نقل المعركة إلى ساحتها الحقيقية، أن عيون الفقراء تصبح ساهمة حالمة كعيون الأطفال عندما تحدثهم عن أجر عادل وحياة كريمة، أنه حلمهم الحقيقي الذي لن يستطيع إمثال الشيخ حسان أن يمحوه من قلوبهم. 6- المعركة التي يخوضها اليسار وبقية القوى الراديكالية الأن تدور على جبهتين، الأولى مع بقايا النظام القديم ممثلا في النخبة العسكرية المهيمنة، والبيروقراطية الفاسدة والنخبة الرأسمالية المتحالفة معها، والجبهة الأخرى ممثلة في البرجوازية التجارية والمالية القادمة تحت عباءة الاسلام السياسي، في الأولى فإن التظاهرات والعمل الميداني والأضرابات وكل أشكال الاحتجاج على (النت) وبالرسم أو بالغناء أو بالمعارض والمؤتمرات الجماهيرية التي تستهدف كشف الوجه القبيح للعسكر وعدم الاستكانة لسلطتهم هو الطريق المفضي إلى إزاحتهم عن السلطة، فهم غاصبون للسلطة، وهم في طريقهم إلى الزوال خلال فترة قريبة، المعركة الآخرى التي تدور مع قوى الاسلام السياسي تستند في جوهرها إلى إدراك أن ما يجمع مليارديرات الأخوان والسلفيين مع فقراء المدن والريف لا يصمد أمام خطاب ثوري يستهدف العدل الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة، لا يملك هذا الخطاب إلا قوى اليسار والعمل على إيصاله ونشره بين الجماهير واجب ثوري ونضالي. 7- يجب مواجهه التشتت الواسع لقوى المثقفين الراديكاليين الراغبين في المساهمة بجهد دراسي أو ميداني، والعمل على جمع أعمالهم وتوجيه جهودهم لدعم العمل المبذول لخلق برنامج عمل ثوري عميق الرؤية، وإلاجابة على الأسئلة الحائرة لدى شباب الثورة: كيف يمكن الوصول إلى شعارات تستهدف حشد الجماهير الغفيرة حول رايات الثورة؟ كيف يمكن تدبير التمويلات اللازمة للتنمية ولرفع الاجور وسداد العجز في الميزانية؟ ماهي الرؤية الحقيقية لخريطة الواقع الأجتماعي والطبقي في مصر؟ ماهي قوى الثورة والقوى الحليفة والقوى المضادة؟ وما هى الأمكانية في تحرر مصر أو اية دولة تابعة من هيمنة نظام السوق العالمي، وعمل تنمية مستقلة، هل ستسمح لنا اسرائيل والولايات المتحدة بذلك؟ ماهي خريطة التحالفات السياسية العربية المحركة للآحداث في المنطقة، وماهو حقيقة الوضع في سوريا وليبيا وغيرهما؟ وعشرات الأسئلة المماثلة، أن وجود مكتب دراسات قضايا الثورة الذي يضم العديد من المثقفين مثل أصحاب المساهمات المنشورة السابق الإشارة إليها قد يكون جهد (تعويضي) يقدمه الجيل المنقضي الذي يتهم بتقصيره للجيل الجديد حامل اللواء. Comment *