جلست على القهوة صباحاً احتسى الشاى بشارع الظاهر، ووجدت استاذ نظمى مدرس التاريخ السابق بمدرستى الثانويه يجلس بجانبى وهو الان متقاعد لا يجد ما يفعله سوى ان يجلس على القهوة كل صباح حتى الظهيره و من ثم يتجه الى منزله الكائن بشارع الظاهر ، و دار بيننا هذا الحديث. انا : صباح الفل يا استاذ نظمى . نظمى : ازيك يا واد يا شقى ، عامل ايه . انا : مش ولا بد يا استاذ نظمى ، شركه السياحه اللى انا فيها قفلت و مشتنا . نظمى : بكره تتعدل . انا: مش باين يا استاذ . نظمى : اوعى تقول كده يا واد ، يا ما دقت على الراس طبول ، مش هتيجى الايام ديه اوحش من ايام النكسه . انا : بس النكسه كان فى عدو ظاهر ، لكن دلوقتى العدو مين ؟ نظمى : الجهل ، عدونا هو الجهل ، و ان شاء الله هنقضى عليه . انا : جهل ايه يا استاذ ، ما تقريباً اغلبنا متعلمين . نظمى : جهل العلم شئ و جهل الحياه شئ تانى . انا : مش فاهم . نظمى : انت ممكن تكون وصلت لاعلى الرتب و حصلت على اعلى الشهادات لكن للاسف متعرفش تنظم حياتك و حياه اللى حواليك ، يبقى كده جاهل حياه . انا : و فى حل على كده ؟؟؟ و لا طريقك مسدوداً مسدوداً يا ولدى . نظمى : صلاح الدين ، قال كده برضه ، لكن اتحدى الواقع و حارب الصليبيين بشعب مصر ، و من زمان احمس عملها و قضى على خوفه و خوف الشعب و قدر يقف قدام الهكسوس و يغلبهم . انا: بس احنا مش شعب صلاح الدين و لا احمس موجود وسطنا . نظمى : التاريخ مبيكذبش ، الحاجه الوحيده اللى تقدر تشوف فيها حقيقتك هى التاريخ و على راى اللى قال انظر فى مراءه ماضيك ترى جزء من حاضرك و يمكن ان تتوقع مستقبلك ، الماضى مجيد يا واد بس اوعى من الخوف ، الخوف يهد بلاد . انا : احنا كسرنا حاجز الخوف يا عم نظمى لما قومنا بثوره . نظمى : و ده اكبر مكسب للشعب المصرى ، و التاريخ مش هينسى ده . انا : طب و هنقدر نتحد تانى . نظمى : طول ما فى امل ، طول ما الحلم ممكن يتحقق ، و سيبها على الله . انا : استاذ نظمى ، تفتكر ممكن الزمن يحولنا ؟ نظمى : كان غيرك اشطر ، شارع الظاهر هيفضل زى ما هو قدامك ، الناس هى اللى بتتحول ، الزمن غلبان معانا ، انا دخلت الشارع ده لما كان كله شوام و ارمن و يهود و طليان و مصريين ، و النهارده اهوه قدامك مصريين ، فى منهم اللى لسه محافظ على المكان و فاهم قيمته و فى اللى مش فارق معاه ، و هى ديه الدنيا . انا : احكيلى عن الايام ديه شويه خلينا نغير جو . نظمى : احكيلك عن ايه و الا ايه .... كانت الناس مش هى الناس و كانت مصر مش هى مصر ، السماء كان لونها ازرق و الشمس برتقالى ... انا : شمس ايه و سماء ايه يا استاذ يعنى دلوقتى اللى بقى لونها بنفسج . ابتسم نظمى قائلاً: النهاردة مبقاش ليها لون، كانت كل حاجه حلوه وكان فى خير والاهم الناس كانت راضيه بحالها وبتحب بعض وتود بعض، مفيش فرق ما بين حد، المليان يكب على الفاضى . انا : تمام ، حلوه حته المليان يكب على الفاضى ديه، هتحاسب انت على الشاى بتاعى النهارده. نظر الى نظمى مبتسماً مكملاً : كانت الدنيا بسيطه مش معقده ، و اللى عايز حاجه بيعملها بدون ما يجرح احساس اللى حواليه او يضر حد ، ده كان شارع الظاهر و ديه كانت مصر . انا : حلو الجو ده ، و فى حاجه اتغيرت فى الشارع . نظمى : غير الناس اللى اتغيرت ، راح التروماى ، و راحت الخواجات ، و راحت الفرحه ، و راح الرضا ، لكن لسه المعالم موجوده ، الدلاسال ، كنيسه الارمن ، جامع الظاهر بيبرس ، انا افتكر الارمن كانوا فى راس السنه يعملوا زفه و يمشوا فى شارع الظاهر رافعين صورة العذراء عليها السلام ، و يباركوا الشارع و يوزعوا حلويات على الاطفال الصغيره و كل الناس ، ايام مش ممكن ترجع ... صمت نظمى برهه و لم اشاء ان اقاطعه لانه يبدو شرد بذهنه الى ذلك الزمان و انا احاول ان اتخيله و لكنى لا استطيع ، فاقحمت نفسى عليه لارى ما فى خياله قائلاً : ايه اللى اخدك منى دلوقتى ، ما انت لسه قاعد جنبى . نظمى : افتكرت اول حب لى ... ابتسمت و انا انظر اليه بشغف لكى اعرف من هو اول حب له ، بعد ان لمعت عيناه . انا : مين يا استاذ نظمى دوان جوان . نظمى : اتحشم يا واد ، اول حب لى كان ريتا اليونانيه ، جارتنا فى البيت القديم ، لما كانت كل حاجه قديمه و حلوة . انا : و متجوزتهاش ليه يا استاذ . نظمى : امى بقى الله يسامحها ، افتكرت انها هتاخدنى و تسافر على بلدها . انا: و تبقى الخواجه نظمى كلاماتا . نظمى : اهوه بقيت نظمى هيستورى و قاعد جنبك ، حلو كده . انا : و مشفتهاش تانى يا استاذ . نظمى : تشوف كل خير دايماً ، اللى بيروح عمره ما بيرجع ، مصر كان خيرها كتير و مكفى الكل . تمعنت فى مقوله خيرها كتير و مكفى الكل و من ثم مر رجلاً يسال على شارع بين الكنائس ، فقام استاذ نظمى من مجلسه شارحاً له كيف يصل الى شارع بين الكنائس ، و انا افكر ملياً فى كل ما قاله مقارناً بين الان و الماضى فلم اجد نفسى سوى تائهاً متخبطاً قائلاً : زغردى يا اماه .... للتواصل مع الكاتب عبر فيس بوك www.facebook.com/clotbek Comment *