على الرغم من وجود عدة محاولات سابقة لانفصال إقليم كردستان عن العراق، فإن المحاولة الأخيرة التي قام بها رئيس الإقليم مسعود بارزاني، عبر الاستفتاء الشعبي تعد الأخطر والأكثر تأثيرا، كونها تتماهى مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتقسيم المنطقة، إذ ترى إسرائيل أن تنفيذ المشروع سيدعم شرعية وجودها في المنطقة، باعتبار ما يوجه لها من اتهامات بوصفها كيانا غريبًا في المنطقة من حيث اللغة والقومية، ومن ثم فوجود دولة كردية في المنطقة لا تنتمي للمحيط العربي سيبرر لتل أبيب وجودها في هذه البيئة هي الأخرى. لم يكن غريبا إذًا أن إسرائيل تكاد تكون الدولة الوحيدة التي دعمت انفصال الأكراد عن العراق، وفي جميع الأحوال فإن التركيز على مناطق تواجد الأكراد في سورياوالعراق يشير بوضوح إلى أن كلًا من واشنطن وتل أبيب كانتا تعدان العدة لتمرير مخططاتهما من خلال الوسيط الكردي، وقد استطاع الكيان الصهيوني اللعب على الطموح الكردي بالحصول على دولة لتحقيق مصالحه، في المقابل حاول مسعود بارزاني، انتهاز الفرصة فقوى علاقاته مع تل أبيب لدرجة باتت فيها إسرائيل تعتمد بشكل كلي على النفط من إقليم كردستان. ليس النفط فقط هو ما تستطيع إسرائيل الحصول عليه من إقليم كردستان، فموقع الإقليم القريب من الحدود العراقية التركية الإيرانية السورية يخدم الأهداف الإسرائيلية، ووجود دولة كردية حليفة لإسرائيل في هذه المنطقة سيساعدها في محاولاتها المستمرة لتعطيل محور المقاومة الذي بدأ يزداد قوة من طهران لبغداد ودمشق وبيروت، خاصة بعد أن بسطت القوات العراقية سيطرتها على العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات البشمركة الكردية في عدد من المحافظات، وبعض هذه المناطق كانت تحت نفوذ الأكراد منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003، وأخرى استولت عليها قوات البشمركة من تنظيم داعش في عام 2014، وأبرز المناطق التي انسحبت منها قوات البشمركة لصالح القوات العراقية، أمس، هي قضاء سنجار الواقع غربي الموصل، وقضاء مخور وناحية الكوير التابعة له جنوب شرقي الموصل وناحية بعشيقة شرقي الموصل، كما توجهت قوات عراقية إلى ناحية ربيعة الحدودية مع سوريا في شمال شرقي الموصل لاستعادتها من البشمركة، وعلى الحدود مع إيران انسحبت قوات البشمركة من منطقة خانقين التي يقطنها أكراد وتحوي حقل خانة النفطية. تأجيل الاستفتاء وليس إلغاءه كان هو الموقف الأمريكي من انفصال كردستان، وهو ما طلبته واشنطن من أربيل. ورغم ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس، من أن أمريكا لا تنحاز إلى أي طرف في الاشتباكات المندلعة في محافظة "كركوك" بين القوات العراقية والبشمركة، فإن انحيازات ترامب إلى الأكراد كانت واضحة منذ بداية الأزمة في العراقوسوريا، بدليل ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، أمس، من أن سيطرتها على الرقة إنجاز ما كان ليتم لولا الدعم الأمريكي، كما أن انحياز واشنطن للأكراد بدا واضحًا من خلال توتر علاقاتها مع أنقرة التي خيّرت الولاياتالمتحدة بين التحالف معها أو التحالف مع الأكراد، واختارت واشنطن دعم الأكراد في قتال داعش في الرقة، وحينها قررت تركيا تكثيف وجودها في إدلب السورية خشية قيام كيان كردي مدعوم أمريكيًا على حدودها. ميدانيا، استطاعت الحكومة العراقية، قبل يومين، بسط سيطرتها على كركوك، التي يكمن فيها بيت القصيد، فمن شبه المستحيل قيام دولة كردية مستقلة بمواردها المالية من دون نفط كركوك، وبالتالي استطاعت الحكومة الاتحادية إحباط مشروع بارزاني، الذي اتهم أطرافا كردية بخيانته. فشل المشروع البارزاني كانت له انعكاسات سلبية في الأروقة الأمريكية، حيث عبّر السيناتور الأمريكي جون ماكين، عن قلقه من أنباء تقدم قوات الحكومة العراقية باتجاه مواقع تابعة للأكراد قرب كركوك، وقال: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية قدمت معدات وتدريبا للحكومة العراقية لقتال داعش وحماية نفسها من المخاطر الخارجية وليس لقتال عناصر مهمة في الحكومات الإقليمية تعتبر شريكا مهما لأمريكا.. ستكون هناك عواقب وخيمة إذا استمرينا برؤية المعدات الأمريكية تستخدم بصورة خاطئة كهذا. لا يبتعد قلق السيناتور الأمريكي عن ما يقلق تل أبيب من أحداث كركوك، حيث قال ماكين "أنا قلق بصورة خاصة حيال تقارير تفيد بأن الإيرانيين والقوات المدعومة من قبل إيران جزء من هذا الهجوم.. على القوات العراقية نزع فتيل التصعيد ووقف التقدم". ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى بكل الطرق لتقويض التحركات الإيرانية التي باتت تشكل، بالإضافة إلى حزب الله، الخطر الأول على كيانها كما تشير أحدث الدراسات العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي دعمت انفصال الإقليم الكردي، ومن جهة أخرى لن تمانع إسرائيل في تقسيم العراق أو أي بلد عربي آخر يجعل منها القوة المتماسكة والأقوى في المنطقة في حين تتفت الدول العربية إلى دويلات صغيرة. يذكر أن الأكراد كانوا ولا زالوا يسعون لتشكيل دولة كردية بدءًا من جمهورية مهاباد في إيران عام 1947، ومرورًا بحركة الملا مصطفى البارزاني، التي انهارت عام 1975، فيما وصف بمؤامرة اتفاق الجزائر، حين حامت الشبهات حول الملا البارزاني وعلاقته مع الكيان الصهيوني، ووفقًا للكاتب الصهيوني شلومو نكديمون، فإن الملا مصطفى البارزاني ذبح "كبشا كبيرا" فرحا بانتصار إسرائيل على العرب في 67، كما قام بزيارات عديدة إلى إسرائيل والتقى مسؤولين بارزين، ومنحته إسرائيل رتبة "لواء" تقديرا لجهوده في تسفير اليهود العراقيين إلى فلسطينالمحتلة.