تحدثا في التقرير الأول من هذه السلسلة، عن حلم الأكراد في إنشاء دولة للكرد، وكيف بدأت الفكرة ومحاولاتهم للانفصال عن العراق واستعانتهم بالصهاينة للحصول على هذا الحلم، أما في هذا الجزء سنتكلم عن علاقة "الملا مصطفى البارزاني" بالصهاينة وكيف تطورت العلاقة بين الأكراد على مدار خمسين سنة وكيف مولهم الكيان الصهيوني. يعد "الملا مصطفى البارزاني" - وهو والد "مسعود البارزاني" الرئيس الحالي للاقليم- الأب الروحي لنضال الأكراد لتكوين دولة كردية هو مؤسس العلاقة بين الأكردا والصهاينة وكثيرا ما سعى الأكراد للإعلان عن تلك العلاقة -التي يزيد عمرها عن 50 سنة- بشكل رسمي وعلني؛ وكبرت شوكة الموساد الصهيوني في شمال العراق، في عهد، مصطفى البارزاني، وكثيرا ما زعم الكيان أن ذلك لدوافع إنسانية ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك. تغلغل "الصهاينة" في الإقليم كان بهدف استخدام الأكراد جسراً للعبور نحو دول الجوار، إيرانوتركيا، وإضعافاً للعراق الذي كانت ينظر إليه الكيان دوماً على أنه الخطر المزعج له، وقاد "مصطفى البارزاني" عمليات تمرد عديدة ضد الحكومات العراقية مستعيناً بالمستشارين الصهاينة الذين لم يفارقوه، أو يفارقوا معسكره، ومن أبرز هؤلاء المسؤولين "مئير عاميتلذي" رئيس الموساد آنذاك، والذي يعد مهندس العلاقات الكردية الصهيونية من البداية. ويمكن تقسيم مسار العلاقات الكردية الصهيونية إلى مراحل عدة، أولها مطلع ستينيات القرن الماضي واستمرت حتى منتصف السبعينيات، والتي فيها طلب "مصطفى البارزاني" من الصهاينة تسليح متمرديه بشكل أساسي ضد حكومة بغداد، فحصل عليه بوساطة "شاه إيران" الذي رأى في التمرد الكردي فرصة لإضعاف العراق. وفي عام 1965، زار، دافيد كمحي، وهو أحد كبار ضباط الموساد، كردستان والتقى هناك بت"مصطفى البارزاني ليعود بعدها إلى "تل أبيب" ويقدم توصية إلى القيادة الصهيونية بجدوى تقديم الدعم لأكراد العراق في إطار "استراتيجية الدائرة الثالثة التي أرساها دافيد بن غوريون، والتي تقضي بتطويق الدول العربية المحيطة بهم بتحالفات صهيونية معادية مع الدول المتاخمة لها، كإيرانوتركيا. وأكد "ضابط الموساد" أن تطبيق هذه الاستراتيجية على كردستان أمر في محله، نظراً إلى ما يمكن أن يشكله التمرد الكردي من تهديد دائم للجيش العراقي. وتوالت الاجتماعات بين الجانبين، وأفضت إلى اتفاق أولي تم على إثره فتح أبواب كردستان أمام الخبرات والأسلحة والمعونات الصهيونية المختلفة التي تدفقت عبر الحدود الإيرانية بتنسيق جهاز السافاك الإيراني. وسرعان ما ارتقت العلاقة بين الجانبين إلى المستوى السياسي، فقام البرزاني بزيارة الصهاينة عام 1966 برفقة بعض أركان حزبه حيث التقى بأركان القيادة الصهاينة وقدم لوزير الدفاع، موشيه ديان، هديتين: خنجر كردي ومخطط لمصفاة النفط العراقية في مدينة كركوك التي جرى تفجيرها لاحقاً عام 1969 بعملية تخريبية نُفّذت بالتعاون بين الموساد والجهاز الأمني التابع للبارزاني. وفي دلالة على عمق العلاقات التي نُسجت بين الجانبين، احتفل باحتلال الكيان للقدس عام 1967 فذبح كبشاً علّق في رقبته شريطاً ملوناً بالأزرق والأبيض مكتوباً عليه: هنيئاً لإسرائيل. وفي عام 1973 زار البرزاني الصهاينة للمرة ثانية، وقام بعد عودته إلى العراق بمهاجمة خط أنابيب النفط شمال العراق بناءً على طلب من تل أبيب . ودخلت العلاقات الكردية الصهيونية مرحلتها الثانية، بحلول عام 1975، والتي اتسمت بالبرودة، وصولاً إلى فك الارتباط. وجاء ذلك نتيجة "اتفاقية الجزائر" التي وقعتها إيران الشاه مع الحكومة العراقية، وتضمنت تعهداً إيرانياً بوقف كل أشكال الدعم للقوات الكردية في مقابل اعتراف العراق بالترسيم الإيراني للحدود بين البلدين في منطقة شط العرب. وعلى إثر الاتفاق، سحب كل من الكيان وإيران مستشاريهما العسكريين من شمال العراق. لكن عندما اشتعل فتيل حرب الخليج عام 1991، عادت العلاقات الدافئة مرة أخرى بين الكيان والأكراد، ففتحت الأخيرة أبوابها مرة أخرى لأشكال مختلفة من الوجود الصهيوني، في هيئة المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية. ومع حرص الكيان على إعادة العلاقات مع الاكراد، وضعت نصب أعينها على تركيا، الذي كان يعد وقتها حليفًا استراتيجيًا لتل أبيب، وهي دولة ذات وضع خاص في المسألة الكردية. ولذلك، حرص الكيان طوال فترة التسعينيات على عدم الظهور بمظهر المؤيد للاستقلال الكردي، بل إنها لم تتردد في اللعب على حبل المصالح التركية ضد الأكراد، فقامت، على سبيل المثال، بشن غارات على معسكرات لحزب العمال الكردستاني (PKK) في البقاع اللبناني خلال عدوان عناقيد الغضب عام 1996. المرحلة الثالثة جاءت مع احتلال الأمريكان للعراق عام 2003 واسقاط الرئيس الراحل "صدام حسين" ومعه استعادت العلاقات الصهيونية الكردية عصرها الذهبي، وما هو إلا عام وأخذ الحديث عن المقابلات لرموز أكراد يتداول في وسائل الإعلام العبرية، وذلك عن لقاء جمع، مسعود البرزاني، وجلال الطالباني، برئيس الوزراء الصهيوني، أرييل شارون، الذي أكد علناً أن تل أبيب تقيم علاقات وطيدة مع الأكراد في شمال العراق. وظلت العلاقات الكردية الصهيونية تتطور شيئًا فشيئًا طيلة سنوات الاحتلال وحتى بعد تمزيق العراق ورحيل الاحتلال (شكلًا ) إلى أن وصل الأمر بإعلان "مسعود بارزاني" بعقد استفتاء ، على انفصال الإقليم عن الحكومة المركزية في بغداد (عُقد في 25 سبتمبر الماضي، وخرج بأكثر من 90 % مؤيد للانفصال) ورغم معارضة كل دول العالم إلا أن الكيان الصهيوني كان هو الوحيد الذي أعلن بشكل فج عن مساندته لهذا الاستفتاء بل وتعهدت للاكراد بالضغط على واشنطن لقبول نتيجة الاستفتاء. اقرأ أيضًا فى الجزء الأول:- "الأكراد" من البداية وحتى الاستفتاء.. وعلاقتهم بالصهاينة (1-4)