استضافت العاصمة الأردنية عمّان بالأمس اجتماعًا لوزير الخارجية الأردني، خالد الصفدي، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف، اجتماعًا يأتي قبل ساعات من بدء محادثات آستانة 6، وبعد أنباء عن تقدم القوات الحكومية السورية في محافظ دير الزور. ما خرج عن المؤتمر الصحفي بين الوزيرين هو تثبيت اتفاق خفض مناطق التصعيد المعروف باسم اتفاق عمّان، فيما يبدو أنه تصميم روسي أمريكي أردني على إقامة منطقة أخرى في جنوب وجنوب شرق سوريا، الهدف وبحسب المسؤولين هو خفض التصعيد في كامل الأرضي السورية، ولكن هذا الحديث عن التنسيق الروسي الأمريكي يأتي في خضم السباق الدائر في محافظة دير الزور بين قوات الجيش الحربي السوري وحلفائه من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًّا. على الورق الهدف هو عزل تنظيم داعش في الرقة ومناطق سيطرته في دير الزور، وعلى أرض الواقع يحاول كل طرف الحصول على مكاسب عسكرية على الأرض قبل دخول مناطق خفض التصعيد حيز التنفيذ. الزيارة الروسية للأردن أظهرت في طياتها العديد من التحفظات الروسية على السياسة الأمريكية المتبعة في سوريا، حيث اتهم لافروف ومن الأردن أطرافًا من التحالف الدولي بمحاولة حماية جبهة النصرة وتجنيب الضربات لها، واعتبر الوزير الروسي أن وجود القوات الأمريكية في سوريا مخالفة للقانون، إلا أنه أمر واقع يمكن الاستفادة منه في محاربة الإرهاب. تصريحات لافروف جاءت في الوقت الذي يدخل فيه الشرق السوري مرحلة جديدة وعملية عسكرية مرتقبة في مدينة دير الزور من جبهتين شمالية غربية وشرقية، بعد أن باتت المدينة واقعة بين حملتين عسكريتين، وانحسرت الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا، وتقلصت وانقطعت السبل عن بعض الجيوب التي يتحصن فيها مسلحوه. وبتمكن قوات الحكومة السورية من دخول القاعدة الجوية في دير الزور وربطها عبر حي البانوراما بالأحياء الأخرى الخاضعة لها، تمتد الرقعة المستعادة في شرق سوريا، وبقطع الطريق السريع الواصل بين مدينتي دير الزور والميادين جنوبًا، باتت مسلحو التنظيم المتشدد محاصرين في الجهة الشرقية من المدينة، وقالت وكالة سانا للأنباء إن القوات الحكومة وحلفاءها أحكموا السيطرة على سريتي جنيد والحرس الجمهوري، ومنطقتي المعامل والمقابر وشركة الكهرباء، ووسعت دائرة الأماني حول المطار دير الزور العسكري، كما شرعت قوات الهندسة بإزالة الألغام بالطريق الواصل بين المطار ومدينة دير الزور وتهيئته لوصول الامتدادات. في المقابل تضغط قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا من شمال مدينة دير الزور شرقي نهر الفرات، بعد وصولها للمنطقة الصناعية التي تبعد بضعة كيلو مترات عن مركز المدنية. حال التنافس الأمريكي الروسي في الشرق السوري، يشوبه بعض التوافقات الضمنية، حيث أكد فصيلا أسود الشرقية وأحمد العبدو المدعومان من الغرب تلقي طلبات الداعمين الغربيين والأردن والسعودية بترك المنطقة والتقهقر إلى الأردن، كما طلب منهما تسليم معداتها الثقيلة وعشرات من الصواريخ المضادة للدبابات أمريكية الصنع، واعتبر مقاتلو الفصيلين القرار تفكيكًا فعليًّا لقواتهما، ويقول دبلوماسيون إن واشنطن وعمّان تجريان مفاوضات مع موسكو لإعلان منطقة عدم تصعيد على الشريط الحدودي مع الأردن. ويرى مراقبون أن التوافقات الروسية الأمريكية تأتي بالفعل لتقويض التنظيمات الإرهابية في سوريا التي بات خطرها يطال أمريكا والعديد من الدول الأوروبية، ولكن هذه التفاهمات ليست مطلقة، وعقدة المنشار فيها ستكون إسرائيل، ومن هنا سيعتبر الكيان الصهيوني أن التصريحات الروسية بخصوص إيران مستفزة، فلافروف قال من عمّان إن جميع القوات المتواجدة بسوريا غير قانونية باستثناء القوات الروسية التي تعمل بدعوة من النظام الرسمي وكذلك ممثلي حزب الله وإيران. كلام لافروف يتعارض في المطلق مع تصريحات الدبلوماسية الإسرائيلية، فرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حاول جاهدًا من خلال زياراته المتكررة لروسيا ثنيها عن دعم الأسد وتقويض التحركات الإيرانية وحليفها حزب الله في الميدان السوري، لدرجة أن نتنياهو سعى لتعطيل الاتفاق الروسي الأمريكي في الجنوب السوري، وبالأمس عكست تصريحات وزيرة العدل الصهيونية، إياليت شاكيد، وجهة نظر الحكومة في الرئيس السوري، بشار الأسد، وحلفائه، حيث قالت "إنه على الأسد إبقاء إيران خارج سوريا إذا أراد البقاء في السلطة"، وذلك وفقًا للموقع الإلكتروني لصحيفة "جروزاليم بوست". وفي رسالة موجهة من شاكيد للولايات المتحدة على نحو مباشر قالت "تقوم إسرائيل بالضغط على القوى الكبرى في العالم؛ لعدم السماح لإيران بإقامة وجود قوي في سوريا"، مؤكدة أنه "في حال عدم استجابة القوى الكبرى فإن إسرائيل ستفعل ما يتوجب عمله". وهنا نجد أن الرسائل الإسرائيلية لها شقان على البعد الدولي، شق موجه لواشنطن، تطالبها فيه بالتحرك لتقويض النفوذ الإيراني في سوريا، وشق لموسكو، تشير فيه إلى أنها غير راضية على الدعم الروسي للأسد وحلفائه، وهنا نجد أيضًا أن المعادلة الإسرائيلية لبقاء الأسد في السلطة تتعارض مع التوجهات الروسية، فروسيا مصممة على بقاء الأسد مع السماح لقوات حزب الله ومستشاري إيران بالتواجد الفعّال في سوريا، وهو الأمر الذي لا تدركه إسرائيل جيدًا، ولكن على تل أبيب في حال قرارها المضي في تنفيذ وعيدها بأنها ستفعل ما يتوجب عمله في سوريا، أن تصطدم بالجدار الروسي، صحيح أن إسرائيل قامت قبل أيام باستهداف مقار في مصياف تابعة للحكومة السورية، ولكن بشهادة معظم الخبراء العسكريين فإن هذه الضربات لن تؤثر على نتيجة الحرب في سوريا، ولن تقلب المعادلة التي باتت تكرس واقعًا حقيقيًّا، وهو أن لروسيا اليد العليا في سوريا على حساب أمريكا، لذلك لم تجد إسرائيل رد فعل مباشرًا من روسيا على هذه الخروقات، خاصة أن معظمها يأتي من الأراضي اللبنانية، وحتى الآن تكتفي موسكو بتحسين مضادات سوريا الصاروخية، ولكن أي تصعيد إسرائيلي ضد سوريا من شأنه أن يقلب المعادلة، فموسكو لن تكون مضطرة للقبول به، خاصة أن هذه الاعتداءات قد تطال قواعد روسية العسكرية وعتادها في سوريا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعقد من أي عملية عسكرية إسرائيلية في سوريا، إذا ما أضفنا أن أعداء إسرائيل سواء إيران أو حزب الله سيكونون ضمن معادلة الحرب العسكرية في سوريا، وبالتالي تل أبيب ليست مستعدة لفتح أربع جبهات عسكرية ضدها، وهي روسيا والجيش العربي السوري وإيران وحزب الله.