حملة هجوم ضارية تشنها الصحف والمنظمات الحقوقية الأمريكية منذ عدة أيام ضد نظام وسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهى تطالب الرئيس ترامب بوقف تأييد إدارته لهذا النظام، الذي أصبح – على حد قول هذه الصحف – يشوه سمعة أمريكا، بانتهاكاته المتواصلة لحقوق الإنسان، وقمعه للمعارضة واعتقاله لعشرات الآلاف منهم، وتضييقه على حرية الصحافة والرأي والتعبير. الكاتب دوج باندو يقول فى مقال له فى مجلة "فوربس" الأمريكية أن الرئيس السيسى كان أحد الرؤساء المفضلين لدى الرئيس ترامب على الأقل حتى الأسبوع قبل الماضي، لكن الأمور لم يكن من الممكن أن تستمر على هذا النحو بعد أن تحولت مصر إلى "سجن مفتوح"، مطالبا ترامب بالتوقف عن دعم الرئيس السيسى! أما منظمة " فريدم هاوس" فقد أدانت ما اسمته " اضطهاد الحكومة المصرية بانتظام أحزاب المعارضة والحركات السياسية بما فيها القوى غير الإسلامية، حتى لم تعد توجد معارضة سياسية فاعلة على أرض الواقع بسبب الملاحقات القضائية والاعتقالات ضد الإسلاميين والليبراليين معا "! وفى نفس السياق تقول منظمة "حقوق الإنسان أولا" أن المعارضة المصرية التى تفتقد إلى التنظيم مع جنوح السلطة نحو "قمع غير مسبوق منذ عقود" ، فإن الغضب الشعبي من الممكن أن يتحول إلى "نيران لا يمكن إخمادها بسهولة" ، لأنه لم يعد أمام هذا الغضب خيارت سلمية يعبر بها عن نفسه وعن قدرته على التغيير! صحيح أن الحملة الإعلامية الأمريكية على سياسات الرئيس السيسى ليست جديدة، فقد سبقتها انتقادات لاذعة ضده خلال زيارته الرسمية الأولى كرئيس لواشنطن فى ابريل الماضى، لكن الجديد فى الأمر أن وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون بدا وكأنه يناقض رئيسه فى سياساته الخارجية تجاه بعض قضايا الشرق الأوسط، فهو الذى حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أمريكيين أنه أخبرنظيره سامح شكري هاتفيا بقراره بوقف 195 مليون دولار من المعونات العسكرية مع تخصيص معونات عسكرية إضافية تصل إلى 56.7 مليون دولار ومعونات اقتصادية قدرها 30 مليون دولار إلى دول أخرى، وهو أيضا الذى أعرب عن رفضه لحصار قطر، مؤكدا أن الدوحة قامت بكل التزاماتها المطلوبة منها، رغم العلاقات الدافئة التى تربط رئيسه بكل من الرئيس السيسى والملك سلمان! قد تكون الضغوط التى تمارسها منظمات حقوق الإنسان الأمريكية على إدارة ترامب السبب فى موقف تيلرسون، وقد تكون الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية لها دور مهم فى هذا الصدد، لكن جلسة الاستماع الذى عقدها الكونجرس لعدد من الخبراء فى الشأن المصرى، والتى انتهت بتوجيه انتقادات لاذعة لملف حقوق الانسان فى مصر، ولإدارة ترامب التى تقدم معونات لبلد لا يحترم الديمقراطية- بحسب ما جاء فى هذه الجلسة – هى السبب الرئيسى وراء قرار تيلرسون، والذى لم يستطع ترامب أن يفعل شيئا إزائه، حتى لا يستعدى المزيد من غضب الكونجرس عليه، الذى يتحين العديد من أعضائه الفرصة لإقصائه من منصبه! لا أحد يدرى إلى أى حد ستمارس إدارة ترامب ضغوطها على نظام الرئيس السيسى، وهل سيكون اقتطاع هذا الجزء من المعونة العسكرية هو نهاية المطاف أم أن هناك خطوات أخرى فى الطريق؟ وهل مارست واشنطن ضغوطا على القاهرة لتوقف هوجة التعديلات الدستورية التى تستهدف تمديد مدة الرئاسة؟ وهل فهمت القاهرة الرسالة الأمريكية الجديدة بشكل صحيح؟ وماهى قدرتها على تحمل المزيد من الضغوط الأمريكية؟ وهل هناك مجالا للمناورة يستطيع من خلاله نظام السيسى احتواء الضغوط الأمريكية بدون تقديم تنازلات جوهرية فى مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ثم هل تغامر واشنطن بالتخلى عن "صفقة القرن" التى لاتزال طى الكتمان، والتى يبدو أن الرئيس السيسى يلعب دورا مهما فيها ؟ المؤكد أن طريقة ادارة الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف تكشف توجهات نظام السيسى وكيفية تفاعله مع هذه الأسئلة، فإذا أجرى الانتخابات بالطريقة التقليدية المتوقعة والمجربة عبر أغلب الانتخابات السابقة، من خلال التضييق على مرشحى المعارضة أو بالتزوير أو بحشد الموظفين، فسوف يواجه المزيد من سهام الكونجرس المسنونة، وانتقادات المنظمات الأمريكية الحقوقية، بل وربما ستنتقده الحكومات الأوروبية بضراوة أيضا، وإذا افترضنا أنه سيجريها بحرية ونزاهة، فربما تحدث مفاجآت تأتى برئيس جديد، وهو ما لن يتحمله السيسى أو ربما لن يسمح بحدوثه بشكل أو بآخر، لا أحد يدرى كيف حتى الآن! كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، وكل المفاجآت ممكن أن تحدث، لكن الشىء المؤكد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة هى التى ستحدد ما إذا كانت العلاقات المصرية الأمريكية ستواصل شهر العسل وتتخطى الصعاب التى تعترض طريقها، أم ستضعها فوق صفيح ساخن سيحيل الكيمياء التى تربط رئيسي البلدين إلى دخان فى الهواء!