أثار النبأ الذي انفردت به وكالة "رويترز" والذي نقلت فيه عن مصدران مطلعان إن الولاياتالمتحدة قررت حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى "لعدم إحرازها تقدما على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية"، تساؤلات حول انتهاء شهر العسل بين سلطة الانقلاب وإدارة ترامب. ولكن الحقيقة أن الامر ليس له علاقة كبيرة بحقوق الانسان في مصر واو أي دولة عربية أو إسلامية، وإنما هي حجة للضغط علي قائدالانقلاب عبد الفتاح السيسي للاستجابة لمزيد من الطلبات الامريكية والإسرائيلية، وفي الوقت نفسه محاولة الظهور أمام الكونجرس والمنظمات الحقوقية الامريكية بأن الإدارة تهتم بانتقاداتهم لسلطة الانقلاب وتعاقب القاهرة.
الدليل علي هذا ينبع من عدة نقاط: (أولها) أن الإدارات الامريكية تتعامل مع العرب والمسلمين بمنطق براجماتي (مصالح) فقط)،
و(ثانيها) أن الخارجية الامريكية لديها حق باستثناء أي دولة من ربط المعونة بحقوق الانسان بدعاوي "الامن القومي الأمريكي"، و"ثالثها" أن ما يهم أمريكا هو قناة السويس وحماية القاهرة أمن الدولة الصهيونية وهو ما ينفذه بالحرف قائد الانقلاب.
أيضا يرجح مراقبون أن يكون حرمان نظامقائد الانقلاب من جزء من المعونة تعبير عن خلافات وانتهاء شهر العسل بينهما، أو سلاح أمريكي للضغط علي السيسي ليتخلى عن علاقته مع روسيا ضمن صراع القوي الكبرى، بدعاوي حقوق الانسان، أو محاولة للتخلص من انتقادات امريكان لحكومتهم بتغليب مصالحها على قمع المصريين.
الاغرب أن النبأ الذي نقلته رويترز عن مسئولان في الإدارة الامريكية عن عقاب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسى يقول بوضوح وصراحة أن "تعزيز التعاون الأمني مع مصر مهم للأمن القومي الأمريكي" وأن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يشعر أن "من مصلحة الولاياتالمتحدة اللجوء إلى الاستثناء" من القانون، أي عدم منع الأموال عن مصر!.
وبموجب القانون الأمريكي مطلوب من الإدارة تجميد 15% أو 195 مليون دولار من مجمل 1.3 مليار دولار تحصل عليها مصر سنويا كمساعدات مالية عسكرية إلا إذا استطاعت إثبات أن القاهرة تحرز تقدما في ملفي حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن الإدارة يمكنها إصدار استثناء بموجب "اعتبارات الأمن القومي" يسمح بصرف الأموال.
وكان من الملفت توضيح صحيفة (ذا أتلانتك) أنه لا يوجد اختلاف حقيقي بين إدارتي ترامب وأوباما فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان بمصر، وأن الفرق يكمن في تصريحات أوباما العلنية، وأنه على خلاف التصور العام في مصر وأمريكا، فإن إدارة أوباما استمرت في تقديم 92% من المعونة إلى مصر، كما أن أوباما لم يجعل مطلقا ملف حقوق الإنسان أحد شروط الحصول على المعونة!؟.
وقال "روبرت كاجان" و"ميشيل دن" بصحيفة واشنطن بوست، أن "عدم ربط منح المعونة للدول بقضايا حقوق الإنسان هو بروتوكول متفق عليه".
ووصفت "دن" في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الأمريكية، الزيارة بأنها "اجتماع لفكر اثنين من القادة المستبدين". حجم قمع السيسي أحرج صديقة ترامب.
وتقول رويترز نقلا عن المصادر الامريكية أن المسؤولين الأمريكيين "يشعرون بالاستياء لسماح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مايو بالتصديق على قانون الجمعيات الأهلية الذي تقول جماعات ونشطاء يدافعون عن حقوق الإنسان إنه يحظر عملهم فعليا ويعرقل عمل المنظمات الخيرية.
وهو ما يعني أن قائد الانقلاب بات يحرج إدارة ترامب امام الكونجرس والمنظمات الحقوقية بعدما فاحت رائحة التعذيب والقتل والاختفاء القسري وغلق افواه الصحفيين ما تسبب في حرج لهم فاضطروا لإصدار بيان ولكن لن يؤثر على إيقاف المعونة وسوف تستمر كما هي.
فقد شن مجلس الشيوخ الأمريكي هجوما شديدا على قاد الانقلاب عقب إقراره قانون الجمعيات الأهلية نهاية مايو الماضي، واعترضت عليه أيضا جماعات حقوق الإنسان الدولية والنشطاء الحقوقيين واعتبروه قانون قمعي.
ويوم 25 أبريل الماضي استضاف الكونجرس لجنة خبراء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجهت انتقادات لاذعة لمصر باعتبارها دولة مستبدّة مضطربة، وحثّوا الكونغرس على إعادة التّفكير بحزمة مساعدته السّنويّة البالغة 1.5 مليار دولار، بحسب صحيفة "المونيتور" الامريكية.
وصرح مسؤولون أمريكيون في يونيو الماضي بأنهم يبحثون قطع جزء من المعونة الأمريكية عن مصر احتجاجا على إقرار قانون الجمعيات الأهلية.
ونصحت مديرة برنامج الشرق الاوسط بمعهد كارنيجي للسلام الولاياتالمتحدة ب "ألا تقدم معونة نقدية للجيش مطلقًا، فالمصريون يعيشون أسوأ عصور القمع".
وقالت مصادر لرويترز إن القرار يعبر عن رغبة واشنطن في مواصلة التعاون الأمني ولكنه "يعكس في الوقت نفسه الإحباط من موقف القاهرة بخصوص الحريات المدنية خاصة قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه جزء من حملة متزايدة على المعارضة".
أبرز مكاسب ترامب
وسبق أن تحدث الكاتب إريك تراجر في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال عن المكاسب التي تجنيها واشنطن من العلاقات الدافئة مع سلطة الانقلاب مشيرا الي: تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الاستراتيجي.
وقال "ربما دعم واشنطن للسيسي قد يخفف من معاداة وسائل الإعلام المصرية لأمريكا، وإجبار مصر على تقديم تنازلات بشأن تعميق علاقاتها مع الروس، وتحسين حقوق الانسان، وأولويات (تخصيص) المساعدات".
وبرغم الحديث عن أن ملف حقوق الإنسان في مصر لن يكون حاضرا بقوة في لقاءات ترامب والسيسي، إلا أن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية صرح أن "حقوق الإنسان دائما ما تشغل الولاياتالمتحدة، وهي دائما ما تأتي ضمن أولوياتنا، وقبل أي شيء في مناقشاتنا".
وكشف أن "نهجنا هو التعامل مع هذه الأنواع من القضايا الحساسة بطريقة خاصة وأكثر سرية، ونعتقد أنها الطريقة الأكثر فاعلية للوصول إلى نتيجة مرضية في هذه القضايا"، ما يعني انها أمور تستغل للضغط علي السيسي سرا لتقديم تنازلات لا من اجل القناعة الامريكية بالحريات او حقوق الانسان.
كي نفهم ما هي المساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر، علينا أولا ان نشير لنوعين من المساعدات بدأت أمريكا تقدمهما لمصر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1977، الأول عسكرية وتصل الي 1.3 مليار دولار سنويا، والثانية اقتصادية أو مدنية، وكانت تبلغ 900 مليون دولار.
حاليا المساعدات العسكرية مستمرة كما هي، ولكن في صورة سلع أمريكية وتكاليف صيانة وخبراء، لا أموال، ويشكو الامريكان من تكديس مصر الدبابات والطائرات دون ان يحاربوا بها حتى تصدأ ويطالبون القاهرة بأخذ اسلحة لمحاربة (العدو الداخلي)، أي الارهاب، طالما لا يوجد عدو خارجي وتغيير عقيدة الجيش القتالية.
وتلتزم الولاياتالأمريكيةالمتحدة بمساعدة مصر وإسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد، ولكن تم التلويح من قبل بوقف المساعدات الأمريكية لمصر أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
ولأن المساعدة التي تقدمها الولاياتالمتحدة لبعض الدول تتمحور حول مكافحة الإرهاب، وفقا لوكالة بلومبرج، وهو أمر تتبناه مصر، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي ترامب للإشادة بسياسة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، فالاحتمال الارجح هو استمرار هذه المساعدات خصوصا الجانب العسكري الاكبر والأهم.
وتزامن حجب المساعدات مع قيام الناشطة آية حجازي المصرية الامريكية الجنسية التي اعتقلتها السلطات المصرية 3 سنوات، بنشر مقالاً في صحيفة واشنطن بوست الأميركية طالبت فيه السلطات الامريكية باتخاذ موقف حازم اتجاه ممارسات السلطات المصرية اتجاه منظمات المجتمع المدني، وربط المساعدات لمصر بأوضاع حقوق الانسان.
وفي مقالها قالت الناشطة الأميركية ذات الأصول المصرية، آية حجازي، إن مصر لا يوجد بها عدالة ولا حقوق إنسان، وأنّ الحكومة تحتكر التمويل الأجنبي، وكي تحقق ذلك، تُشوّه سمعة أي شخص يستخدم هذا التمويل أو يرتبط بعلاقات بجهات خارجية.
وقالت حجازي في مقالها: "هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة القيام به من أجل المساعدة فيجب عليها أن تُقدِّم معونة متعلقة بحقوق الإنسان إلى الحكومة المصرية فقط إذا حقَّق النظام المصري تقدُّماً في مجال حقوق الإنسان وتوقف عن قمعها، وإلّا فإنَّها يجب أن تحجب تلك المعونة".