الهجرة تتلقى ردًا من التعليم العالي بشأن توثيق الأوراق الرسمية لعدد من الطلاب العائدين من روسيا    عاجل.. تراجع سعر الدولار الآن في عدد من البنوك.. إليك آخر تحديث للعملة    «معلومات الوزراء»: لندن تتصدر مؤشر التمويل الأخضر عالميا    بلينكن: تخفيف الوضع الإنساني في غزة رهين وقف إطلاق النار    الرئيس السيسي يستقبل رئيس جمهورية البوسنة والهرسك بقصر الاتحادية    دوري أبطال أوروبا.. بايرن ميونخ ينشد الفوز أمام ريال مدريد    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    عاجل| مصدر بالأهلي ل "الفجر الرياضي": هذا هو حارس نهائي إفريقيا أمام الترجي التونسي    الأرصاد: درجات الحرارة تعود لطبيعتها بعد ارتفاع الأسبوع الماضي    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني باسم الخندقي على فوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)    قافلة طبية مجانية بالتعاون مع المستشفى الجامعي بالفيوم    تفتيش 70 ألف منشأة.. وزير العمل: السلامة والصحة المهنية أولوية قصوى    بقيمة 30 مليون جنيه.. «تنمية المشروعات» يوقع عقدا لتمويل المشاريع متناهية الصغر    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو أخر موعد لتلقي طلبات استثناء المطاعم السياحية من تطبيق الحد الأدنى للأجور    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    مرصد الأزهر يستقبل سفير سنغافورا بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب    وزارة العمل تنظم ورشة لمناقشة أحكام قانون العمل بأسوان    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    بنزيمة يغيب عن الكلاسيكو ضد الهلال    رئيس أكاديمية الشرطة: نطبق آليات لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    طارق الشناوي ينعى عصام الشماع: "وداعا صديقي العزيز"    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    بحث التعاون بين مصر وإندونيسيا في صناعة السيارات الكهربائية والوقود الاخضر    «كلبة» سوداء تتحول إلى اللون الأبيض بسبب «البهاق»    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    رئيس كوريا الجنوبية يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    مفاوضات الاستعداد للجوائح العالمية تدخل المرحلة الأخيرة    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فالتقمه الحوت فهو مليم
نشر في البديل يوم 25 - 07 - 2017

مواقف متتالية مررت بها في يوم واحد، لم تكن معدة مسبقا وفقا لنظرتنا الظاهرية للأحداث، لكن الحقيقة أنها كانت مرتبة بشكل ترك أثرا كبيرا في داخلي.
(1)
بدأ اليوم كالمعتاد بالسيارة وفحصها السريع قبل التحرك للعمل، لكن على غير المعتاد قررت ألا أسمع ما اعتدت سماعه صباحا من جهازي المحمول، وأدرت مؤشر الراديو رغم أنها ليست عادتي الصباحية، وكانت المحطة تذيع أغاني وطنية متنوعة فتركتها كوني من محبي سماع الأغاني الوطنية عموما، وأدعي أنها من الأشياء التي تعطيني حماسا وقدرة على مواصلة يومي، ووسط فقرات الأغنية الواحدة وُضعت مقتطفات من خطاب الرئيس، وكان المقطع الأكثر تكرارا هو مقطع «وجبات الشعب المصري الثلاثة» وهل تستطيع الدول التي تتدخل في شئونه أن تطعمه و« تقدر على مصروفه».
شعرت بالصدمة وبضيق في التنفس، فالمقطع الذي أثار حفيظتي وجعل العبرة تختنق داخلي من شدة الضيق حين سمعته أول مرة بات مدعاة للفخر في محطات الإذاعة ليوضع وسط الأغاني الوطنية.
شككت في قدراتي العقلية لوهلة، وشعرت للحظة أنه ربما أكون أنا من يعاني من مشكلة في الفهم، لكن سرعان ما ذهب الشك واستعدت عافيتي العقلية وإن أصابني الإحباط الشديد الذي بلغ حد عدم قدرتي على إغلاق الراديو من شدة الوهن والإحساس بالضعف واليأس.
(2)
في نفس اليوم كنت قد كتبت تدوينة صغيرة على صفحتي الشخصية عن رفضي لرأي بعض الذين يتعاطفون مع «المستوطنين الصهاينة» ويرون أنهم "مدنيين" وأن قتلهم عمل «غير إنساني»، وكتبت ذلك وأنا أراه بديهيا.
وجدت ردودا من البعض تؤكد نفس النظرة التي أرفضها وأرى رفضها بديهيا عند أي حر، فقالوا أني مخطئ في تقديري، واكتشفت أن قتل «المستوطنين الصهاينة» لم يعد عملا عظيما عند الكثيرين الذين بدأوا يتحدثون عن رفضهم للعمليات الاستشهادية الفلسطينية ويضعون أسسا ممنطقة ومرتبة ومطعمة بكلمات معسولة.
شعرت بضيق شديد وإحساس أكبر بالغربة، هل من المعقول أن مثلي أصبح شاذا لهذه الدرجة، هل أعاني من خلل في طريقة تفكيري، لكن سرعان ما استفاق عقلي واستعاد قواه بمنطق وحكمة وثبات، لكن قلبي ظل في كمده وضيقه وغربته.
(3)
أثناء عودتي كان شغلي الشاغل هو لماذا أنا هنا؟ ولماذا على أن أشعر بأي أمل وسط هذا الذي أعيشه من كمد؟ هل عليّ أن أتعايش مع كثير من الناس انتكست فطرتهم لهذه الدرجة وباتت برهنة البديهيات هي عماد الحوار معهم؟
تحولت لمدة ساعة من الزمن لشخص ناقم على كل شيء حولي، شريط من الذكريات القريبة لأحداث وأمور تدمي القلب وأصوات مناقشات في البديهيات على مدار 5 أعوام تتردد في أذني ومشاهد بالقنوات الفضائية وبرامج التوك شو تتمثل أمامي في زجاج السيارة.
«أريد الرحيل» كانت الكلمة التي تصاحبني طوال فترة قيادة السيارة، لا أعرف كيف وصلت؟ وكيف لم أتعرض لحادث وأنا في هذه الحالة من الانشغال والتفكير.
(4)
قابلت بعد عودتي ومع اقتراب انتهاء يومي أحد الأقارب، سألته عن حاله، فقال لي أنه سيقوم بتطليق زوجته، وأنه لن يستطع إكمال حياته معها، فوجدتني وبحماس عجيب ألومه لوما شديدا، خصوصا حين قال لي «أنا عملت اللي عليّ معاها وزيادة وهي ما بتتغيرش»، قلت له وما يدريك أنك قمت بكل ما ينبغي أن تقوم به، هل قمت بما ينبغي عليك من إصلاحها ونصحها بصدق وعزيمة أم قمت بما ينبغي عليك فقط من نقدها وإثبات جهلها والتقليل من شأنها؟
كان حديث طويل شعرت بسعادة في نهايته حين بدت على وجه قريبي علامات الاقتناع والتفكير فيما أقول.
انتهى اليوم ..
إن يونس كان من أنبياء الله العظام وخرج مغاضبا، لم يكن عليه السلام غاضبا لنفسه أو دنياه بل كان غاضبا للحق والعدل، خرج وظنه بالله كله خير أنه لن يقدر عليه «أي أنه لن يضيق عليه هذه الدنيا الواسعة»، خرج ليبحث عن شعوب فطرتها سليمة، فالتقمه الحوت وغاب عن الذكر في الظلمات حتى أناب.
فكرت مليا وقلت هل حين ينتظر الإنسان الذي يريد إصلاحا ثمرة عمله ليحكم بها على نجاحه أو فشله في تغيير الناس يكون حقا مخلصا؟ أم في حقيقته محبا لنفسه؟
هو يريد أن يشعر بالفخر لنفسه عبر ثمرة عمله ليأكلها هو، بينما قد لا تؤتي شجرة جهوده ثمرها إلا بعد حين وربما بعد وفاته، فهل حين يصر على رؤية الثمر عاجلا فيرحل ويترك الشجرة يكون منصفا؟ أم يكون أنانيا يحرم الناس من الثمرة حبا لنفسه ولرؤية إنجازه؟
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُوم
لقد نادى يونس وهو مكظوم، غاضبا من أجل الحق لا من أجل مال أو فقر أو ضيق معيشة أو ظلم شخصي وقع عليه، إنما غاضبا للحق رافضا للظلم لكنه «لم يصبر لحكم ربه»، وذهب يبحث عن الثمار في مكان آخر فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ.
وحضرني ختاما ذلك المشهد العجيب الذي لم يدون التاريخ مثيلا له في عظمته وهيبته لذلك الثائر المصلح الذي وقف وقدماه داميتين على أبواب الطائف يرميه الناس بالحجارة ويتهمونه بالجنون ليقول «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي»، وقف يلتقط أنفاسه وكله أمل أن هؤلاء سيخرج من أصلابهم الثائرون المصلحون يوما ما، وقد كان.
إننا حين نشعر باليأس من الناس علينا ألا ندعي أننا الواعون العارفون المصلحون، بل نحن في هذه اللحظة أكثر بؤسا منهم وجهلا، فإذا رحلنا سنرحل غير مأسوف علينا، وسيأتي غيرنا بكل تأكيد ليزرع ثم يأتي الحصاد حتما. نحن الخاسرون وحدنا إذا رحلنا أو انزوينا لأننا أردنا الحصاد لأنفسنا لا للناس الذين ندعي زورا أننا نريد مصلحتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.