تنهي الأزمة القطرية-الخليجية شهرها الأول دون أي أفق للتصعيد أو الحل. الموقف الأميركي –الأهم- أكتفى بكبح جماح الرياضوأبوظبي لأخذ الخلاف الخليجي-الخليجي لمرحلة التصعيد العسكري، لكن لم يمنح قطر طوق النجاة المرجو مقابل صفقات عسكرية باكورتها طائرات إف 15 قيمتها تقارب 12 مليار دولار، فاكتفت واشنطن برسم خطوط حمراء لحلفائها في هذه الأزمة الغير منفصلة عن ترتيبات إقليمية شاملة تتداخل فيها مفاعيل القوى الإقليمية والدولية، عنوانها العريض حتى الأن "صفقة القرن"، غير أن ملامح هذه الصفقة بخلاف جزيرتا تيران وصنافير وتنازل مصر عنهم للسعودية، التي بدورها تعجل بتطبيع علاقاتها بشكل علني بإسرائيل، لم تشير إلى حدودها ومدى تأثيرها على مستقبل الأزمات المزمنة مثل القضية لفلسطينية، أو الطارئة التي نشأت بفعل تقليص واشنطن لمركزية دورها المباشر في المنطقة، مثل حرب اليمن والحرب في سورياوالعراق، ومستمرة على نحو سلبي بالنسبة لواشنطن وحلفائها بسبب تضارب أولوياتهم وفقدان الثقة على مدار العاميين الماضيين بين دول "الاعتدال"، والذين فيما يبدو حتى كتابة هذه السطور لم تكفي تصريحات ترامب في قمم الرياض وما تلاها في توحيد بوصلتهم وأولوياتهم، حتى وإن راعوا فيها اتساقها مع الأولويات الأميركية والحفاظ على مبدأ ترامب "الإدارة الغير مباشرة اللامركزية"، والدليل على هذا جاء في الوثيقة التي سُربتها الدوحة مؤخراً، معلنة بذلك رفضها، والتي تضمنت 13 شرطاً لإنهاء الأزمة الخليجية. بالنظر إلى شروط الوثيقة المُسربة نجد أنها خرجت بصيغة "الاستسلام الغير مشروط"، وكأنها إملاءات لا تقبل التفاوض أو المساومة بعد "معركة" خسرتها قطر، والتي بدورها وجدت نفسها بين خيارين كل منهما يؤدي لنتيجة واحدة؛ فسواء وافقت الدوحة على شروط الرياضوأبوظبيوالقاهرة والمنامة، فإن ذلك يعني تقلص دورها في الخليج والمنطقة لحدود التبعية لقرار السعودية والإمارات، وإذا لم توافق فإنها ستستمر في مقاومة الحصار ومحاولة إيجاد ثغرات في مصداقية أسبابه عند الأربعة دول، تجعل الموافقة على شروط أخف وطأة مستقبلاً كخيار أسوأ وحيد أفضل من أن تقبل بشروط الوثيقة سابقة الذكر، خاصة وأن هذه الشروط مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً عضوياً وغير ممكن تحقيق أحدها دون الأخر، وهو ما يفقد الدوحة ميزة التفاوض، والأخطر والأهم هو ربط هذه الشروط بحدود دور أميركي في حل الأزمة الراهنة، أو حتى أي دور مستقبلي في تنظيم العلاقات بين دول مجلس التعاون، والتي قامت على أساس الإشراف الأميركي وتحت وصايته، وهو الأمر الذي خلف تضارب بين مؤسسات أميركية مثل الخارجية والدفاع، وبين البيت الأبيض تجاه الأزمة الخليجية. إزاء هذا الجمود في إنهاء الأزمة الخليجية عبر وساطات عُمانية وكويتية، وتقارب في المواقف بين طهرانوأنقرة تجاه الأزمة الخليجية، عوَلت الدوحة على تغيير الموقف الإقليمي والدولي لصالحها، أو بالحد الأدنى حلحلة الأزمة وإضعاف سردية الأربعة دول الذين عولوا في بداية الأزمة على موقف أميركي صلب تجاه قطر، وهو ما تغير بعد حوالي أسبوعين بفعل صفقات السلاح ورد الفعل الإعلامي في المنطقة وخارجها الذي أبرز أن موقف الدول الأربعة مجرد تفريغ عصبي دون فعل سياسي تأخر 3 أسابيع حتى ظهرت قائمة الشروط ال13 التي هي في واقع الأمر إملاء شروط منتصر على مهزوم، ولكن دون حدوث معركة، ناهيك عن رهان قطروتركيا من ورائها على اتساع التباين بين الرياضوأبوظبي أو بين الرياضوالقاهرة وهو إن حدث تضمن حدود تأثيره الدُنيا على الأزمة القطرية أن تعود الرياض إلى مربع التحالف المؤقت منذ 2015 وحتى 2017 مع أنقرةوالدوحة واستئناف مفاعيله في اليمن وسوريا، خاصة وأن المحرك الرئيسي للسياسات السعودية الخارجية وهو الصراع الداخلي على العرش بعد الملك سلمان قد حُسم لصالح محمد بن سلمان، مع بقاء الأسباب التي دفعت الرياض في 2015 للتحالف مع تركياوقطر ضد إيران على حساب تحالفها مع القاهرةوأبوظبي مازالت قائمة، أو بالأحرى لا تزال فرص إنهائها غير مضمونة وخاصة على الجانب الأميركي، حيث أن الضمانة الأميركية الوحيدة للسعودية هي شخص ترامب وليس على نحو مؤسسي. ناهيك عن التقارب بين تركياوإيران الذي إذا تحول لتحالف سياسي سيعني خسارة السعودية لكل ما تبقى لها من إمكانية للنفوذ الإقليمي عبر تحالفها مع إسرائيل –التي إذا شنت حرب جديدة تضعف فرص التسوية الشاملة المفترضة- ومركزية وكالة كل منهما للسياسات الأميركية.. أي أن العامل الحاسم في استمرار او حل الأزمة الخليجية أو حتى بقائها دون حل رهن للموقف الأميركي. إزاء هذا المشهد المعقد، طرح المحلل والباحث المختص بالشأن السعودي، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، توصيات حول مستقبل تعاطي واشنطن مع الأزمة الخليجية وخاصة بعد الإفصاح عن وثيقة الشروط سابقة الذكر، مطالباً واشنطن في تعقيب له نُشر على موقع المعهد بأن تمارس ضغطاً متساوياً على كافة حلفائها في الخليج من أجل حلحلة الأزمة الراهنة قبل أن تتطور إلى أفق تجعل حلها في المستقبل بفعل عامل التقارب التركي-الإيراني يتضارب مع المصالح الأميركية في المنطقة. وفيما يلي نص تعقيب هاندرسون: يبدو أن القائمة التي تضم ثلاثة عشر مطلباً والتي يتوجّب على قطر الإجابة عليها خلال عشرة أيام تعكس رغبات طال أمدها من قبل الرياض وأبو ظبي، لكن الدوحة رفضتها على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عنها حتى وقت قريب جداً. بيد، من الصعب فهم الكيفية التي تمت بموجبها صياغة هذه القائمة التي تهدف إلى التوصل إلى حل بدلاً من تقويض كامل للدبلوماسية. ويبدو أن هناك القليل الذي تستطيع أن تفعله الدوحة لحفظ ماء الوجه. ولعل القائمة تعكس افتتاحية لسيل من المطالب تهدف إلى إجراء مفاوضات سريعة، ولكن الشرط الأساسي للاتفاق على جميع النقاط يشير إلى خلاف ذلك. ولا تعبّر القائمة في الكثير من كلماتها عن دعوة لتغيير النظام في قطر، بل إلى تغيير السياسات. ومع ذلك، فمن المرجح أن تنظر إليها الدوحة على أنها وسيلة ضغط لخلع الأمير تميم بن حمد آل ثاني ووالده حمد بن خليفة، المعروف باسم "الأمير الوالد" وما زال يُنظر إليه، وخاصة من قبل دولة الإمارات، على أنه القوة الدافعة وراء العرش منذ تنازله في عام 2013. ومن السهل شرح الدور البارز في المواجهة التي تقوم بها أربعة بلدان – السعودية والإمارات ومصر والبحرين. فالغضب السعودي على قطر – التي تمنحها احتياطاتها الضخمة من الغاز استقلالاً مالياً عن المملكة – كان قائماً منذ فترة طويلة، بينما استاءت دولة الإمارات من الدعم الذي قدمته قطر إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تآمر أعضاؤها على الأسرة الحاكمة في أبوظبي – الإمارة الرائدة في الاتحاد. كما أطاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظام «الإخوان المسلمين»، الذي بقي في السلطة لمدة عامين، ويرجع ذلك إلى حد كبير بسبب دعمه مالياً من قبل قطر. أما البحرين فقد كان لها تاريخ من النزاعات على الأراضي مع قطر – وبينما تم حل هذه الخلافات في عام 1994، إلا أن الحقد ما زال مستمراً، بتشجيع من الرياض. ولعل الأمر الغير مناسب لواشنطن، أن هذه المطالب تقصد ربط الولاياتالمتحدة بالأزمة، وهو الموقف الذي تفاقم بفعل رسائل متضاربة من البيت الأبيض، ووزارتا الدفاع والخارجية الأمريكيتان، وقد لا يؤدي سوى إلى تعقيد حل الأزمة. وهذه الصيغة لا تمنح واشنطن دوراً واضحاً في أي دبلوماسية، كما أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون كان قد قال في وقت سابق أن المطالب يجب أن تكون "معقولة وقابلة للتنفيذ". ومما يبعث على القلق أيضاً هو الدور الواضح الذي قام به ولي العهد السعودي – الذي تمت ترقيته حديثاً – محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان يُنظر إليه حتى الآن على أنه تأثير مقيد على تهوُّر محمد بن سلمان، والذي أظهره التدخل العسكري في اليمن – وتسببت إحدى نتائجه الجانبية إنشاء ملاذات آمنة لتنظيم «القاعدة». وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت الرياض وأبو ظبي ستفقدان دعم الرأي العام الدولي حول طبيعة المطالب. فبينما اكتسبت قناة "الجزيرة" سمعة راسخة كخدمة إعلامية مثيرة للشغب تبث أخبار صحفية متدنية، فقد تفكر بعض الدول بأن إنهاء الدعم السعودي للمدارس الدينية في جميع أنحاء العالم – مهما كانت وسائل الإعلام القطرية غير مفيدة – يمكن أن يكون إضافة مفيدة لأي دبلوماسية. أما الولاياتالمتحدة، فقد تجد نفسها تحت ضغط متجدد من قبل السعودية والإمارات للتخلي عن استخدامها ل "قاعدة العديد الجوية" في قطر، التي لعبت دوراً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراقوسوريا. قد تحتاج واشنطن إلى إجراء بعض المحادثات القاسية، وبسرعة، مع جميع حلفائها الخليجيين، لكي تضمن لنفسها دوراً في الدبلوماسية، وتُخفف من حدة الأزمة وتضع حداً لتصعيدها.