كتب: هاجر حمزة و هاني أحمد يبدو أن الحكومة اعتادت توجيه اللكمات للمواطن المصري بين الحين والآخر، وأن تسد أذنيها عن أنينهم، رغم أن أغلبهم آثر الصمت، بعد يأسه من أي أمل في أن تلتفت الجكومة إليه، حيث أعلن هشام عرفات وزير النقل أمام لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب عن نية الحكومة رفع سعر تذكرة المترو إلى 2 جنيه خلال الفترة القادمة، ووصف هذا القرار بأنه أصبح ضرورة لا تتحمل التأجيل. وعلل الوزير رفع التذكرة بمبررات عديدة، منها أن تكلفة تشغيل محطات مترو الأنفاق أغلى بكثير من الإيرادات المحصلة يوميًّا، وذلك بسبب ارتفاع أجور العاملين من 2011 حتى الآن، وأيضًا غلاء قطع الغيار؛ بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وأن الديون على مترو الأنفاق بلغت نصف مليار جنيه، من بينها 260 مليونًا للكهرباء فقط، مشيرًا إلى أن الزيادة المستهدفة في غاية الأهمية؛ لضمان استمرار التطوير والعمل في هذا المشروع الذي يخدم الشريحة العريضة من المواطنين. وفي نفس السياق أكد وزير النقل أن الحل الوحيد للخروج من هذه المشاكل هو رفع سعر تذاكر المترو، موضحًا أن هناك خدمات كثيرة توقفت عن العمل، منها الأسانسيرات والسلالم المتحركة؛ وذلك لأن الشركات المسؤولة عن صيانتها توقفت عن تقديم خدمتها؛ لعدم تحصيل مستحقاتها حتى الآن. تضارب أرقام عدد المواطنين الذين يستخدمون المترو يوميًّا يتراوح بين 3.5 و4 ملايين وفقًا لأرقام الهيئة العامة لمترو الأنفاق، ولكن هناك تضارب في إيرادات الهيئة، حيث تشير أعداد الركاب إلى أن مترو الإنفاق يدخل شهريًّا بين 100 و120 مليون جنيه، أي ما يتجاوز المليار و200 مليون جنيه سنويًّا من التذاكر فقط، غير إيجار المحلات والأكشاك والإعلانات داخل المحطات. والعجيب أن الهيئة أعلنت في نهاية العام الماضي أن إيراداتها بلغت 594 مليون جنيه من التذاكر والاشتراكات خلال العام المالي 2015/2016، بالإضافة إلى 66.7 مليون جنيه من أنشطة إيجار الأكشاك والمحلات بالمحطات وإعلانات القطارات والمحطات والغرامات، والأعجب أنها ذكرت أن 903 ملايين راكب استقلوا خطوط المترو الثلاثة خلال العام، وبذلك يكون هناك فرق بين عدد الركاب والإيرادات بنحو 50% بين كل منهما. اعتراضات المواطنين «البديل» جولت صباح اليوم في محطة جمال عبد الناصر (الإسعاف)، وتحاورت مع عدد من ركاب المترو حول زيادة سعر التذكرة، والذين كان ردهم رافضًا بشكل قاطع لهذا الإجراء، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمرون بها بعد قرار التعويم، مؤكدين أن خدمات المترو سيئة، ولا تستدعي رفع قيمة التذكرة. هذا ما أكده عنتر محمد، موظف مجمع التحرير، قائلًا إن "الحكومة لا يعنيها وضع المواطن في أي قرار من قراراتها، وكل ما يعنيها أن ترفع الأسعار، وتفرض الضرائب بشكل ديكتاتوري، دون أن يكون هناك تصور عن كيفية حياة المواطن في ظل ارتفاع الأسعار، سواء للحوم أو للملابس أو حتى الخضراوات والزيت والسكر، وحتى التموين الذي يصرف من مكاتب التموين هناك اتجاه لخفضه؛ لذلك فإن رفع سعر التذكرة مرفوض". وأضاف محمد "مش عارفين الحكومة عايزة من الناس إيه. ما فيش رحمة"، مشيرًا إلى أن راتبه 2200 جنيه، بعد أن أمضى 15 عامًا، ولا يلبي أقل متطلبات أسرة مكونة من 4 أشخاص؛ لذلك يلجأ للعمل بعد الظهر "كشير" بأحد محلات المأكولات؛ حتى يوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة. رفض برلماني محمد عبد الرازق قرقر، عضو لجنة النقل والمواصلات، قال في تصريحات خاصة ل "البديل"، إن وزير النقل استعرض أمس أمام اللجنة الخسائر التي يتعرض لها مرفق مترو الأنفاق، والتي تهدد هذا المرفق الحيوي بالتوقف؛ نظرًا لتوقف أعمال الصيانة وارتفاع تكلفة التشغيل، فضلًا عن مديونيات المترو لوزارة الكهرباء بأكثر من 300 مليون جنيه، وتهالك حالة الخط الأول، الذي مر على انطلاقه 30 عامًا، ومن ثم يحتاج بسرعة عاجلة إلى الإحلال والتجديد. وأضاف قرقر: رغم هذه الأسباب التي أعلن عنها وزير النقل، إلا أنني كعضو في لجنة النقل وغيري من الزملاء نرفض زيادة أسعار تذاكر المترو، فهذه الخسائر التي يعانى منها المرفق لا ينبغي أن يتحملها المواطن بمفرده، مشيرًا إلى أن المترو وسيلة مواصلات حيوية لكل أفراد الأسرة المصرية، سواء الطلاب أو أصحاب المعاشات أو الموظفون، وهذه الأسر تئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار في كل شيء، ولا يعقل رفع سعر التذكرة، خاصة أن هناك مواطنين أصبحوا لا يمتلكون حتى الجنيه الذي يرى وزير النقل أنه قيمة هزيلة للتذكرة! وبسؤاله حول نجاح النواب في الحصول على وعد بإلغاء قرار رفع سعر التذكرة، قال "للأسف لم نحصل على أي وعود من الوزير، ويبدو أن هناك اتجاهًا داخل الحكومة لتنفيذ قرار زيادة سعر التذكرة"، مضيفًا أنه رغم ذلك طالبت اللجنة الوزير بإرجاء هذا القرار وبحث حلول بديلة لزيادة إيرادات المترو، مثل تأجير المحطات والقطارات في الإعلانات وغيرها من الأفكار التي تبعد عن جيب المواطن. المواطن على حافة الانفجار قال خالد داوود، رئيس حزب الدستور، إن المواطن المصري مطحون بسبب قرارات الحكومة غير المدروسة، والتي من الممكن أن تتسبب في حالة غضب غير معروفة نهايته، مشيرًا إلى أن هناك أرقامًا رسمية عن الأوضاع الاقتصادية للمصريين مخيفة، سواء ارتفاع نسبة الفقر لتشمل أكثر من 45% من الشعب، أو حالات التضخم التي وصلت ل 31.5%، وهي أعلى نسبة في تاريخ الاقتصاد المصري، وغيرها من الأرقام التي تنذر بالخطر. ويرى طه طنطاوي، عضو المكتب السياسي لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن تنفيذ الحكومة لهذا القرار لن يكون سهلًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المصريون، وهو قرار يخلو من عدم الكياسة والفطنة السياسية للنظام الحالي، الذي لم يعد يستمع لأنين المواطن المصري المكتوم، ويدفعه بقوة نحو الانفجار بردود فعل غير محسوبة. وأضاف في تصريحاته ل "البديل" أن قرار رفع تذاكر المترو حلقة جديدة في سلسلة رفع الدولة لدعمها عن الطاقة والخدمات والكهرباء، والتخلي عن مسؤوليتها تجاه المواطنين، في ضوء رضوخها لتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي. من أين تأتي الخسائر؟ ومن جانبه يكشف رفعت عرفات، رئيس النقابة المستقلة للعاملين بمترو الأنفاق سابقًا، ل "البديل" حقائق حول إهدار المال العام بالمترو، قائلًا "لا أحد ينكر أن مترو الإنفاق يعاني من الانهيار، ولكن قبل أن تلجأ الحكومة لرفع الأسعار باعتباره الحل الوحيد الذي تصدره للرأي العام، عليها أن تحاسب المسؤولين والمتسببين عن هذا التدهور، والذين أضاعوا مليارًا ونصف مليار على المرفق خلال ال 5 سنوات الماضية، قبل أن تحمِّل الدولة هذه الخسائر لجيوب المواطن فقط. وأوضح عرفات بالأرقام هذه الخسائر، قائلًا: في الميزانية الرسمية للعام المالي 2009 كان إجمالي إيرادات المترو من الاشتراكات والتذاكر 441 مليون و797 ألف و303 جنيهات، وكان عدد الركاب آنذاك مليون و200 ألف مواطن يوميًّا. أما ميزانية عام 2010 فوصل إجمالي الإيرادات من التذاكر والاشتراكات إلى 451 مليون و35 ألف و 285 جنيهًا، وكان إجمالي عدد الركاب مليونًا و400 ألف يوميًّا، بينما وصلت الإيرادات عام 2011 إلى 495 مليونًا و770 ألفًا و900 جنيه، وبلغ الركاب لهذا العام مليونًا و600 ألف مواطن، ووصلت الإيرادات عام 2012 إلى 536 مليونًا و39 ألفًا و735 جنيهًا، وبلغ الركاب مليونًا و700 ألف مواطن يوميًّا. وتابع أن المتحدث الرسمي للمترو عام 2015 أعلن أن عدد الركاب وصل إلى 3 ملايين مواطن، ورغم ذلك صرح أن الإيرادات في نهاية عام 2014 بلغت 483 مليون و700 ألف جنيه فقط. ولفت إلى أن هذا التناقض تكرر مع تصريحات سعد الجيوشي، وزير النقل في نوفمبر 2016، عندما أعلن أن عدد الركاب المترو وصل إلى 5 ملايين مواطن. وتساءل عرفات: كيف يخسر المرفق وتضعف إيراداته رغم زياد عدد ركابه سنويًّا؟! موضحا أنه وفقًا لآخر تصريح للجيوشي، يصبح دخل المترو من الإيرادات مليارًا و300 مليون جنيه سنوًّيا, وكشف عرفات أن هذا الخلل الجسيم في الإيرادات وعدد الركاب كان أحد أسبابه هو تعطل بوابات التذاكر خلال أكثر من 3 سنوات، وإهمال المسؤولين لهذه القضية.