كانت ” ديانا ” محصلة زواج عبد الكريم الكردي من المرأة المكسيكية جوجو , خليطا نقيا من تهجين رائع .. مزجت بين عالمين ظاهرهما التشابه في الغربة والاغتراب ومحاولة الحصول على مستقبل أفضل , وباطنهما التنافر والاختلاف والعدوانية , ليشد القارئ للتساؤل الذي تطرحه الرواية : هل حقا ما ينتظرك هناك ليس أفضل مما تركت وراءك ؟ وتبدأ رحلة الغربة والرحيل , وتداعي الأفكار ..ذكريات الألم وارتباك الحاضر ومحاولات لاستقراء المستقبل . رحلة دائمة للبحث عن الذات حينا , والهرب منها أحيانا . أجادت الراوية وصف الأحياء التي يسكن فيها المغتربون , وأجادت وصف أحوالهم سواء في الخارج أو في مضيفة الأب ” مكان الأحلام المشتهاة ” , ورغم ذلك الوصف الجيد , إلا إنها افتقدت لإحكام الخيط الدرامي للأحداث .. بداية من الالتباس الذي يقع فيه القارئ إذا ما حاول فهم كيفية سفر البطلة هند , ففي ص 19 تقول الرواية : “ما تركه لها الزوج كان تأشيرة سفر سمحت لها بدخول البلاد البعيدة “, رغم كلامها عن خياناته وعن انه حزم حقائبه وهرب فجأة , فحتى لو كان المعنى أن علاقتها المضطربة بزوجها كانت سببا لسفرها فإن صياغة الجملة بهذا الشكل فيه قدر غير قليل من الارتباك . ثم تعود لتقول في ص 136 ” النساء اللاتي اتخذن جانبا .... واتضح لها كم يشبهنها الآن خصوصا إذا كانت أوراقه مزينة بتلك العبارة –انتهاك بدني ونفسي .. لجوء إنساني – ” فهل هي لاجئة مثلا , خصوصا أنها تتبادل كوبونات الطعام وقصاصات الأنشطة المجانية مع إيميليا اللاجئة الروسية ؟ وأي انتهاك بدني تعرضت له ؟ القارئ لا يستطيع ان يعرف ولا يستطيع أن يتقبل فكرة كون خيانة زوجها سببا في منحها حق اللجوء الإنساني . كما أنها في ص 102 تصف سفرها كقرار اتخذته على مهل وبعد تخطيط ” لم تهتم أن تخبره بأنها ستسافر وربما لن تعود وأنها لم تعد تحبه ” علاقة البطلة بزوجها بدت مبتورة للغاية , رغم أنه كان محور تعاستها وسبب هروبها , وجاءت مشاهد اكتشافها للخيانة مستهلكة وكتبت باستسهال شديد , رسائل اكتشفتها على مكتبه بالصدفة , وتصفها ب ” رسائل حب أرسلها لامرأة ما ” والأدق كان قولها ” رسائل حب كتبها لامرأة ما ” فلو كان أرسلها فلماذا هي على مكتبه ؟ والحفل الذي وجدته فجأة يداعب صديقتها وكأننا نشاهد أغنية نانسي عجرم القديمة .. تأتي العبارات عن الزوج دائما مبتورة ففي ص 212 تقول هند لأشقائها : سأتزوجه رضيتم أم أبيتم ” ولا تشير ولو من بعيد عن سبب الرفض , بل تختلق معركة سريعة انتصرت فيها وتزوجته دون أن يعرف القارئ أسبابها ليتعاطف معها أو ضدها . ورغم تركيز الرواية على وصف الأم بثيابها وأروابها وانطفاء بريقها مع كثرة العيال والهموم إلا أنها لم تستطع الاحتفاظ بخيطها الدرامي مكتملا , ففي ص 217 ” تضمها أمها وتضع رأسها على حجرها ..... وتقول لها بأسى ...يروح في داهية يا بنتي الرجالة كلهم لا يأتي من ورائهم غير وجع الراس ” مع أنها سبق ووصفت مشهد وفاة الأم في ص 169 كما لو كانت توفيت فجأة وهي صغيرة مثلما تخشى هند نفسها أن تموت فجأة وتترك ابنها ” تخاف أن يصحو في موعده ويحرك يده حول جسدها ويقول لها : ماما انت رحت فين ؟ وصارت تخاف أن تتركه كما تركتها أمها فجأة , يومها حلمت في الليل أنها تقبلها وفي الصباح وجه البنت صار دامعا وهي تهزها بأسف : ماما انت رحت فين ” ويستمر التناقض عندما تصف تأثر هند بجدتها الضيفة فتقول في ص 44 : تحممت الجدة التي سيصبح اسمها الضيفة للمرة الأولى في طست النحاس الخالص ومسدت شعرها الطويل الذي سترثه هند منها ” لتعود وتنفي ذلك ص 215 ” صامتة وملتاثة في شعرها الذي لم ترثه من أحد” وتعود للخيوط المبتورة لترمي لنا بجملة ” وتتمدد في الفراش متعبة من أثر الطباشير على يديها وتحت اظافرها ” ص 150 , ليتساءل القارئ : أي طباشير ؟؟؟ وهي لم تذكر شيئا نهائيا عن كون هند امرأة عاملة , بل بدت طوال الرواية ربة منزل تعاني الهجر والوحدة والتحول التدريجي لتصبح صورة من أمها. ولم تسلم اللغة أيضا من الارتباك , ليأتي التنقل بين العامية والفصحى بلا منطق , ويحدث في نفس الحوار الواحد ص 11 : ماما هل أنت غاضبة ص 13 ايه اللي حصل ورغم محاولات التركيز على فكرة الماضي والحنين إلا أنها تستشهد ب شادية على أنها بطلة المسلسل الإذاعي العسل المر , والمعروف أن كريمة مختار كانت هي بطلة المسلسل , بينما قامت شادية ببطولة المسلسل الإذاعي نحن لا نزرع الشوك ” بصوتها المبحوح الشبق الذي يغوي الرجال ” تناولت الرواية عدة شخصيات ربما كانت أثرى من شخصية هند رغم عبورها السريع , مثل شخصية فاطيما التي تصلح لأن تكون ناعومي كامبل لولا أن أحدا لم يكتشفها , وشخصية فاطمة القرومية التي جمعت بين العهر والأمومة ,تجلس مع أم نهى تمسد لها ظهرها لتزيل الأوجاع وتمدها بنصائح لإصلاح حياتها الزوجية , ثم تجلس مع زوج أم نهى تشاركه الدخان وتحثه على الزواج بأخرى لأن امرأته لم تعد تصلح .. شخصية الصديق | يحيى ,اللذان يبدوان وجهان لعملة واحدة ..عملة نادرة وقيمة ضمتها البطلة لسلسلة الفقد الذي عانت منه . وطوال الرواية , حرصت الكاتبة على تتبع تحولات البشر من التسامح الديني – والتسيب أحيانا – إلى التدين الظاهري , كل الشخصيات في الرواية تقريبا فعلوا ذلك : فاطمة القرومية , ام حنان , عمر , ومدرس العربي .. وبقيت البطلة هند الوحيدة التي سارت في الاتجاه العكسي من جلد الذات والالتفاف بأقمشة كثيرة ومحاولة هداية زميلتها الطفلة المسيحية , وحتى سفرها ” مكشوفة الرأس ولا أحد ينظر إليها ” ” إلى جوارها الإسبانيات بملابس قصيرة عارية ومبهجة ولا ينظر إليهن أحد ” .. وكأن هذا التباين هو وسيلتها الوحيدة لاكتشاف ذاتها الحقيقية . ولعل أفضل مشهد في الرواية كان مشهد الفيلم الذي شاركت فيه ص 205 وهي تجري خلف البطلة التي حلمت أن تكونها , وتتعثر في ثيابها ,” ولا تحب هذا الدور ولم تشته أن تكون أما لأحد , تريد أن تكون نفسها مرة واحدة ..” [email protected] مواضيع ذات صلة 1. الطبعة الخامسة من رواية ” گولستان والليل” بالقاهرة 2. ساراماجو يكتب عن “عمى الانتخابات” : فصل من رواية “البصيرة” ترجمة تامر فتحي 3. ساراماجو يكتب عن ” عمى الانتخابات ” فصل من رواية البصيرة ..ترجمة تامر فتحي الحلقة الثالثة 4. ” مصر تائهة ” .. قراءة سريعة في عناوين الصحافة القومية والخاصة والحزبية اليوم 5. قراءة في كتاب “الجبتانا أسفار التكوين المصرية “:أبو البشر مصري الجنسية وكل الديانات أخذت من مصر