بعد توقف طويل تعود الروائية ميرال الطحاوي الي الكتابة الابداعية برواية جديدة صدرت مؤخرا عن دار ميريت بعنوان بروكلين هايتس وكعادتها تفضل الطحاوي الدخول الي العوالم التي لا نتملك عنها المعرفة الكافية, الامر الذي يسمح بحالة من حالة التشويق السردي ويخلق في نفس الوقت استجابة قلقلة ناتجة عن غرابة الموضوع لكن الكاتبة في بروكلين هايتس تتناول موضوعا يصعب عزله عن أسئلة اللحظة الراهنة خاصة علاقة الغرب مع الشرق بعد أحداث11 سبتمبر2001 وموضوع الهوية القومية وأشكال التمييز التي يتعرض لها المهاجرون, لكن السؤال الاهم من وجهة نظري والذي تطرحه الرواية بقوة يتعلق بقدرة المهاجرين علي الاندماج وليس العيش في جيتوهات معزولة, ولمن يعرف ميرال فقد صنعت الكاتبة عالم روايتها الجديدة استثمارا لخبرة حياتها الجديدة في أمريكا حيث تعيش وتعمل منذ سنوات. وتروي الرواية حياة هند في امريكا بعد ان جاءت ومعها ابنها الصغير بعد تجربة زواج فاشلة بسبب الخيانة دفعتها فيما يبدو لخوض تجربة الهجرة مدفوعة بالرغبة في تحققها كشاعرة لها ديوان وحيد ومن الغريب حقا ان الرواية علي امتداد صفحاتها235 لا تمنحنا اية معرفة بالتاريخ العاطفي لبطلتها ولا بالمبررات التي قادتها الي خوض تجربة الغربة الشائكة, لكننا نكشف مع القراءة تفاصيل من حياتها وهي تعيش حالة مرت خلالها بما تسميه طريق طويل من عقاب الذات قادها لخيار العيش في مكان منحدر يلائم لحالتها النفسية فهي خائفة معظم الوقت تختار في سيرها طرقا آمنة تبحث عن الاماكن القديمة التي تثير الحنين علي الرغم من رغبتها في النسيان والحاجة الي جغرافيا بديلة وبيت تتأكد فيه وحدتها وبينما تعيش الام بوعيها خارج المكان يجد الطفل نفسه في قلبه كأنما ولد فيه. وتسلط الراوية الضوء علي عالمين, الاول هو عالم هند في امريكا, والثاني هو عالمها الاول أو جغرافيتها القديمة حيث نشأت وسط أسرة عرفت تحولات كثيرة ليست بعيدة في مسارها البياني عما لحق بالمجتمع المصري من تحولات من السبعينيات, و تجيء في ثنايا السرد بنعومة لتكشف عن عين مولعة بالتغيير الاجتماعي. وفي كل الاحوال تبقي هند هي النقطة التي يلتقي لديها العالمان فهي بسردها عن العالم الجديد تسعي الي محو القديم الذي يتأكد ويفرض صورته في مرآتها الجديدة, وفي حقيقة الامر يصعب القول بأن الرواية علي الرغم من تجاور حكايات المهاجرين فيها يصعب القول بأنها تنتمي الي روايات ما بعد الاستعمار, فهي رواية توحي بالرغبة في التخلص من إرث الذاكرة, غير انها في واقع الحال كتبت لتأكيد هذا الارث وليس بغرض تجاوزه أو حتي التحاور معه, فالرواية تضع عالمين في المواجهة, فهي لا تري في أمريكا أكثر مما تراه في قريتها الاولي, ففي عالمها الجديد نري بورتريهات لشخوص من مجتمع المهاجرين العراقي عبد الكريم الكردي وايميليا الروسية وجوجو ونزهة وفاتيما ابناء الاحلام المجهضة الذين بدوا لي شخصيات باهتة مقارنة بغني شخصيات عالمها القروي القديم خاصة الاب الذي يملك في النص حضورا غريبا هو قرين لفكرة التسامح التي تختفي مع موته لتحل محلها صورة أخري لمجتمع مأزوم يلقي بثقله علي حالة البطلة التي تعيش حياتها الامريكية وهي تتعثر بتاريخها المثقل بحكايا وأحلام وكوابيس تحول دائما بينها وبين بدء حياة جديدة, ففي اللحظات التي تجد الفرصة لمواعدة رجل تختار واحدا من اقباط المهجر سعيد المنغمس في مهامه التبشيرية لكن ذلك يشكل مناسبة لاستدعاء نموذج انجيل, زميلتها في المدرسة الابتدائية التي تصلح حالة لتناول وضع الاقباط ومشكلاتهم تحت مجهر الرصد الروائي, لكن الراوية تقوم بعملية استبدال تجعلها تعيش في عربتها احساسا مشابها لما عاشته انجيل في طفولته بين غالبية لم تكن تنظر اليها بالتسامح الملائم في مجتمع تقبل قبل اجيال ان يتزوج جدها من قبطية كانت تروي لها الحكايات التي تحاصرها بالكوابيس لعلها ذات الكوابيس التي لم ينجو منها المجتمع المصري بأكلمه. النص اجمالا حافل بمقاطع جذابة للغاية منها علي سبيل المثال المقاطع التي ترصد رقصتها مع جارها الامريكي الذي يكبرها وتتأمل فيها الرواية المسافة الافتراضية بين الاثنين والدلالة الحضارية لتك المسافة ان جاز التعبير, كذلك المقاطع التي تقيس تحولات حياتها من نظرته الي حبل الغسيل, وهي مناطق مكتوبة بشاعرية موجعة ليست بعيدة عن الوجع الذي نحسه ونحن نقرأ أحلام بطلتنا المؤرقة ب لعبة النسيان. * سيد محمود حسن [email protected]