لم يكن نزار قباني مجرد شاعر ماجن، كما يظن بعض الناس، بل كان يحمل هموم الوطن العربي، وحارب العادات والتقاليد العفنة للمجتمعات العربية، ونظم قصيدته "خبز وحشيش وقمر" التي وصل أمرها للبرلمان السوري، فطالب رجال الدين حينها بطرده من الخارجية والعمل السياسي، بل وكفره بعضهم، وفيها يقول: ما الذي يفعله قرص ضياء ببلادي.. ببلاد الأنبياء.. وبلاد البسطاء.. ماضغي التبغ، وتجار الخدر ما الذي يفعله فينا القمر؟ فنضيع الكبرياء ونعيش لنستجدي السماء وقال نزار معلقا على ما أثارته القصيدة من جدل: ضربتني دمشق بالحجارة والبندورة والبيض الفاسد حين نشرت في عام 1954 قصيدتي "خبز وحشيش وقمر"، وكانت هذه القصيدة أول مواجهة بالسلاح الأبيض بيني وبين الخرافة. وعن مولده وبيئته التي نشأ فيها، قال: "ولدت بدمشق مارس 1923 في بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها، كنت الولد الثاني بين أربعة صبيان وبنت هم المعتز ورشيد وصباح وهيفاء، أسرتنا من الأسر الدمشقية المتوسطة الحال، لم يكن أبي غنيا ولم يجمع ثروة، كل دخله من معمل الحلويات الذي كان يملكه، كان ينفق على إعاشتنا وتعليمنا وتمويل حركات المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين، أبي كان يمتهن عملا آخر غير صناعة الحلويات كان يمتهن صناعة الحرية كان أبي إذن يصنع الحلوى ويصنع الثورة". وأوضح محمد رضوان، مؤلف كتاب "أسرار القصائد الممنوعة لشاعر الحب والحرية نزار قباني قصائد خلف الأسوار" على رد فعل الناس من القصيدة، قائلا: "نزار كشف الزيف عن حقيقة مجتمعاتنا الشرقية المتواكلة التي تتكلم أكثر مما تعمل، بينما الآخرون يتقدمون بالعلم والعمل الجاد المخلص..". لم ينتقد نزار المجتمع السوري فقط، بل تحدث أيضا عن أمراء الخليج في قصيدته "الحب والبترول" ووصفهم ب"لا علاقة لهم بشيء في العالم العربي سوى أنفسهم والجنس، فلا يضرهم حرب ولا قتل لإخوانهم العرب والمسلمين ما داموا بخير"، فيقول: تمرّغ يا أميرَ النفطِ.. فوقَ وحولِ لذّاتكْ كممسحةٍ.. تمرّغ في ضلالاتكْ لكَ البترولُ.. فاعصرهُ على قدَمي خليلاتكْ كهوفُ الليلِ في باريسَ.. قد قتلتْ مروءاتكْ على أقدامِ مومسةٍ هناكَ.. دفنتَ ثاراتكْ فبعتَ القدسَ.. بعتَ الله.. بعتَ رمادَ أمواتكْ كأنَّ حرابَ إسرائيلَ لم تُجهضْ شقيقاتكْ ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ ولم تكن مصر ببعيدة عن نزار قباني الذي كتب قصيدته المشهورة "هوامش على دفتر النكسة"، فأثارت جدلا كبيرا، وقال فيها: أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه والكتبَ القديمه أنعي لكم.. كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه.. ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه أنعي لكم.. أنعي لكم نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه وبعدها انهالت الكتابات التي تطالب بمنع دخول نزار مصر وتمنع أغانيه في الإذاعة، إلى أن تدخل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحسم الأمر قائلا: "تلغى كل التدابير التي قد تكون اتخذت خطأ بحق الشاعر ومؤلفاته، يدخل الشاعر نزار قباني إلى الجمهورية العربية المتحدة متى أراد، ويكرم فيها كما كان في السابق" وهنا ليس غريبا أن يرثي نزار عبد الناصر بكلمات قوية خالدة: قتلناكَ .. يا آخر الأنبياءْ قتلناكَ .. ليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والأولياء فكم من رسول قتلنا .. وكم من إمام ذبحناه وهو يصلى صلاة العشاء .. فتاريخنا كله محنة .. وأيامنا كلها كربلاء ولم ينس نزار الفلسطينيين وقضيتهم، فقال: بهروا الدنيا وما في يدهم إلا الحجارة وأضائوا كالقناديل وجاءوا كالبشارة قاوموا وانفجروا واستشهدوا وبقينا دبباً قطبية صفحت أجسادها ضد الحرارة وبعد رحلة استمرت 73 عاما، رحل نزار قباني 30 أبريل 1998، تاركا خلفه قنابل من الشعر، تستطيع أن تفجر الكثير من الثورات في العالم العربي حتى يتخلص من تأخره الفكري.