الدولة تواطأت مع الإخوان والسلفيين في عهد مبارك.. والنتيجة سرقتهم لثورة يناير الدعاة ليسوا أنبياء معصومين من النقد.. ومولانا يكشف حياتهم تفجير الكنائس مستمر طالما المنابر تكفر المسيحيين وتمنع تهنئتهم فى الأعياد "مولانا" الفيلم الأكثر جدلًا خلال الأيام الأخيرة ، لاشتباكه مع قضية شديدة الحساسية بمنتهى الجرأة والشجاعة، حيث اخترق عالم الدعاة، وكشف عن أنواعهم بين صناعة الأمن وشيوخ التليفزيون، وناقش أزمة تجديد الخطاب الديني وأهميته، واشتد الجدل حول الفيلم منذ عرضه بين مؤيد ومعارض، حتى وصل لمطالبة البعض بمنع عرضه ومقاضاة صناعه. "البديل" تحاور مخرج الفيلم مجدي أحمد على.. وإليكم نص الحوار ما أسباب تأخر ظهور الفيلم رغم صدور الراوية منذ 2012؟ لأنني قرأت الرواية متأخرًا، وكان المؤلف إبراهيم عيسى يفكر في تحويلها إلى مسلسل تليفزيوني، ولكن تعثر إتمام ذلك المشروع، وبعدها طلبت من عيسى تحويل الرواية لفيلم سينمائي، ثم وجدنا شركة الإنتاج الممولة، ولم يأخذ الإعداد للفيلم أكثر من 6 شهور، من فرط حماسي للرواية استغرقت كتابتي للسيناريو 10 أيام، وتصوير الفيلم لم يأخذ سوى شهر ونصف. ذكرت أن "مولانا" قضية عمرك.. في رأيك أهمية ظهوره في هذا التوقيت؟ في الحقيقة تناولت قضايا التطرف الديني واستغلال الدين في السياسة منذ فيلمي الأول "يا دنيا يا غرامي" في 1996، ولكن بعد 20 عامًا تفاقمت الأزمة، ويعكس مولانا أن الدولة لم تهتم بتحذيراتنا عبر كل السنوات الماضية، بل تواطأت في أوقات كثيرة مع هذه التيارات الدينية المتطرفة، وجلبت الإخوان المسلمين في انتخابات 2005، لتضرب التيارات الليبرالية واليسارية، وكانت السلطة توافق على دعمهم طالما لا يتعرضون للرئيس أو أسرته، فضلًا عن إطلاق نظام مبارك لأيدي السلفيين في كل المساجد، وانقسمت الدولة بين الإخوان والسلفيين؛ لذا عندما اندلعت ثورة 25 يناير، كانت النتيجة انقضاض الإخوان على الثورة وتفريغها من مضمونها وسرقة البلد خلال عام من الحكم الديني الإخواني السلفي. وهل تخلصنا فعلًا من أفكار هذه التيارات حتى بعد إسقاط الإخوان؟ سقط الإخوان ولم تسقط الأفكار المتطرفة، فالسلفيون ما زالوا مسيطرين، وشهداء الجيش والشرطة والمدنيون يدفعون الثمن حتى الآن نتيجة للعمليات الإرهابية في كل مكان؛ لذا كان عرض "مولانا" في هذه الفترة مهمًّا للغاية، ليكشف خطورة هذه التيارات المتطرفة وأزمة استغلال الدين في السياسة، وأهمية توقف الأجهزة الأمنية عن تعاونها مع هذه التيارات. "مولانا " يناقش أهمية تجديد الخطاب الديني، إلى أي مدى نجحت دعوة السيسي في ذلك؟ الرئيس طالب الأزهر وعلماء الدين بتجديد الخطاب الديني، ومع احترامي لهم القضية أكبر منهم، فالتطرف الديني تغلغل في جميع خلايا المجتمع، فتجديده مهمة صعبة أكبر من أن يتولاها علماء الدين بمفردهم، خاصة أنهم محافظون بطبيعتهم، ودائمًا ما يسعون للحفاظ على السائد، وفكرة التجديد ليست واردة لديهم. والدليل تلك التصريحات التي تخرج عن بعض رجال الأزهر بأن الخطاب جيد، ولا يحتاج لأي تجديد، فهم يتماشون مع دعوة الرئيس شكليًّا، ولكن مواقفهم الفعلية عكس ذلك، بل يهاجمون أي شخص يفكر خارج الصندوق عندما يتحدث مثلًا عن كتب التراث؛ لذا تجديد الخطاب الديني معقد، والدولة تحارب بمفردها الإرهابيين، ولا تحارب الإرهاب في أفكاره المنتشرة إلى الآن بكثير من مساجد مصر على أيدي السلفيين، الذين تترك الدولة جمعياتهم الشرعية الإسلامية بلا أي رقيب لتمويلاتهم وميزانيتهم، بما تشكله من خطورة كبيرة في نشر الأفكار الإرهابية. ولكن ما دور وزارة الثقافة في التنوير ومحاربة الفكر بالفكر؟ وزارة الثقافة أيضًا تعاني من السلفيين وأفكارهم المتشددة، بل يسعون دائمًا إلى سيطرة المحافظين عليها، فأي محاولة للابتكار والتجديد يتم محاربتها بعنف، فالمجتمع المصري نتيجة لكل هذه التغيرات السياسية والاجتماعية تحول إلى سلفي بشكل كبير. "مولانا" تناول قضايا شائكة عن السنة والشيعة والمسيحيين والمعتزلة وكتب التراث، ألم تخشَ ردود الأفعال؟ في الحقيقة الشعب المصري أدهشني بردود فعله العظيمة تجاه الفيلم. شعرت بأنه ما زال هناك أمل به، وأنه مشتاق لمن يدفعه للتفكير عبر الأعمال السينمائية والإبداعية، فلم أحسم رأيًا معينًا خلال ما قدمته في الفيلم، ولكن عرضت للمتلقي القضايا المسكوت عنها بكل جراءة، والدليل هذا الإقبال الجماهيري والإيرادات التي تجاوزت 4 ملايين جنيه حتى الآن، فضلًا عن تلقي الفيلم دعوات لعرضه في أكثر من 40 مؤتمرًا دوليًّا. عمرو سعد.. أسباب اختيارك له ومدى رضاك الفني عنه؟ تعاونت مع عمرو في أكثر من عمل، أعطيته دورًا صغيرًا في أول عمل درامي له في مسلسل "فريسكا"، ثم دورًا أكبر في مسلسل " الحب موتًا"، وصولًا للبطولة في مسلسلي "مملكة الجبل"، وأرى أنه نجح في تجسيد شخصية "حاتم الشناوي" مولانا، وتدرب على الدور بشكل جيد، حيث أحضر شيوخ تقوم بتحفيظه للقرآن وتعليمه طرق النطق السليم والتلاوة، وهو فنان مجتهد وموهوب. كيف كان التعاون مع المؤلف إبراهيم عيسى؟ إبراهيم صديق قديم، وهناك درجة كبيرة من التوافق في أفكارنا، ورحب جدًّا بالتعاون في فيلم سينمائي، وأطلق سراحي في العمل على السيناريو بمنتهى الحرية دون تدخل. إيقاع الفيلم يختلف عن الرواية، هل تم حذف أجزاء بسبب الرقابة، أم لاختيارك كمخرج؟ الرقابة لم تطلب حذف مشهد واحد من الفيلم، وهذا شيء يحسب لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية ورئيسه الدكتور خالد عبد الجليل، ولكن هناك مشاهد تم حذفها مراعاة للجمهور. كان هدفي من الفيلم جذب الجمهور وليس تنفيره، فهناك أجزاء من الرواية كانت جريئة جدًّا تم تجنبها لمعرفتي بتحفظ الجمهور وإمكانية صدمته، لذا تم استبعاد بعض أجزاء من علاقات إنسانية بين الشيخ وزوجته، وعلاقته بالفتاة التي زج الأمن بها عليه، وتلعب دورها ريهام حجاج. تخوفت أن يكون هذا المحتوى صادمًا للجمهور لدرجة تنفره من شخصية الشيخ. أردت أن يتعاطف المشاهد مع حاتم الشناوى ومع رسائله. ما رأيك في الدعوات التي ظهرت من السلفيين ونائب برلماني لمنع الفيلم ومقاضاة صناعه؟ شيء متوقع، فالسلفيون ضد الفن والإبداع والسينما عمومًا، ويتمنون أن يضعوا الفنانين في ميدان عام ويطلقوا عليهم النار، وكل من هاجم الفيلم وطالب بمنعه لم يشاهده أصلًا، والدليل أن هناك دعاة مثل الشيخ خالد الجندي أشاد بالفيلم، والشيخ مصطفى راشد مفتي أستراليا أكد على افتخاره بالفيلم، فنحن لم نقصد بمولانا أي إهانة للدعاة آو شيوخ الأزهر، ولكن في النهاية ليس الدعاة مجتمعًا من الملائكة نقدمه بطريقة مثالية بحتة. حاتم الشناوى بشر له وعليه، عنده مشكلات ومزايا وعيوب، وهو أمر طبيعي، فالدعاة ليسوا أنبياء معصومين من النقد. ولكن هل ترى أن جزءًا من الهجوم على الفيلم يعود لمؤلفه ومواقفه الحادة مع الأزهر والسلفيين؟ البعض يهاجم الفيلم في شخص إبراهيم عيسى ومواقفه، ولكن هؤلاء لم يشاهدوا الفيلم، فكلنا نهاجم التطرف، وأنا كتبت كثيرًا عن هذه التيارات، ولكن إذا كانت الدولة صادقة مع نفسها وتريد تجفيف منابع الإرهاب، عليها أن تصارح نفسها أن هناك متطرفين ينتمون إلى الأزهر، إذا أرادت الإصلاح وتجديد الخطاب الديني بشكل حقيقي، وهذا ليس معناه أن فيلم "مولانا" يشكك أو يريد أن يهدم هذا الكيان العظيم "الأزهر"، ولكن أراد الفيلم أن يدق جرس الإنذار بأن هناك شيوخًا خارج العصر، والفيلم أبرزهم في دور أحمد راتب الشيخ الأزهري الذي أجاز فتوى إرضاع الكبير، فهم شيوخ ذوو عقول متحجرة تمثل عبئًا على الإسلام، لذا مع احترامنا للشيخ احمد الطيب الأزهر ليس في أحسن حالاته، ولكن هناك مجموعة حوله لا يمكن أن يكونوا أزهريين. هل ترى أن إيقاف برنامج إبراهيم عيسى سياسي أم ديني لهجومه على الأزهر؟ سياسي بكل تأكيد، نظرًا لمعارضته للسلطة، ولكن ليس دينيًّا على الإطلاق. في رأيي أن إبراهيم عيسى من أفضل المسلمين والمتحمسين للإسلام الحقيقي، ومن يضربه في إسلامه فهو شخص مغرض، لكن منعه نظرًا لارتفاع سقف صوته في معارضته للنظام السياسي، وسواء اختلفت أو اتفقت معه، إلا أن إيقاف البرنامج نتيجة لضغوط سياسية، بل تطوعية في وجهة نظري؛ لأنني لا اعتقد أن دوائر السلطة العليا كانت توافق على هذا المنع؛ لأن المنع يضر أكثر مما ينفع. ما هي أكثر المشاهد صعوبة في تصويرها؟ تفجير الكنيسة والمظاهرات. الفيلم تناول تفجير إحدى الكنائس في نفس توقيت حادثة تفجير البطرسية بالعباسية.. هل لهذادلالة؟ الفيلم يريد أن يقول رسالة أن حادث التفجير للكنائس سوف يتكرر، طالما الأفكار المتطرفة منتشرة ولا تجد من يواجهها، فما زالت أفكار السلفيين تصدح فوق منابر المساجد وتسمي المسيحيين آهل ذمة، بل كفارًا في مواضع أخرى، ويجب عدم تهنئتهم بأعيادهم، دون أن تتصدى الدولة لهذه الفتاوى والأفكار، وتحاربها قانونًا تحت مسمى ازدراء الأديان، فالدولة لا تعرف سوى ازدراء الدين الإسلامي، وتترك الدين المسيحي يزدرى يوميًّا دون أن يتصدى أحد. في أخر مشاهد الفيلم قال "مولانا" البشوات هما اللي عايزنا نكون هنا.. إلى أي مدى ترى خطورة استخدام النظام للأجهزة الأمنية في العنف الطائفي؟ هذا يشكل عبئًا مضاعفًا على الأمن، وليس دوره محاربة أفكار المتطرفين، فهو ظلم كبير للأمن ودوره، فالمقاومة لا تبدأ إلا بعد أن يحمل الإرهابي سلاحًا، ويصبح في مواجهة الأمن، ولكن لماذا لا تبدأ المقاومة مبكرًا في مرحلة التحضير والتجهيز وغسل عقول هؤلاء الشباب؟ فلا يمكن أن يحمل الأمن كل هذه المسؤوليات وحده. على النظام السياسي أن يتوقف عن إقحام الأمن في السياسة. أخيرًا روشتة المخرج والمفكر للنظام السياسي الحالي لمواجهة التطرف؟ لا يمكن إنكار أهمية المشروعات الاقتصادية والبينة التحتية التي تشيدها الدولة، ولكن يجب إطلاق مناخ الحرية في البلد؛ لأن ذلك هو الاستثمار الحقيقي، فخوف النظام السياسي من الحرية يخلق عدوًّا أكثر شراسة، وهو التطرف الديني المتشدد، الذي يدعي احتكار الحقيقة؛ لذا أرى أن معركة مصر الحقيقية والتي ينبغي على الرئيس السيسي أن يخوضها دون أن يخشى في الحق لومة لائم هي التطرف الديني، ويطلق الليبرالية والحريات للجميع، ولا يخشى منها.