رواية جديدة تشق طريقها الي شاشة السينما. وهي ظاهرة تستحق التشجيع خاصة بعد النجاح الجماهيري لفيلم "الفيل الأزرق" قبل 3 سنوات وفيلم "هيبتا" العام الماضي.. الجديد في رواية "مولانا" لابراهيم عيسي هي انها رواية سياسية. صحيح ان بطلها أحد الدعاة الشباب من خريجي الأزهر صعد نجمه وأصبح من شيوخ الفضائيات. الا أن ذلك لا يمنع أن الرواية سياسية وكذلك الفيلم المأخوذ عنها. تحديد زمن أحداث الفيلم ساهم في تمرير انتقادات كثيرة. لأن السنوات الأخيرة لحكم الرئيس مبارك أصبحت الزمن الدرامي المفضل للكثير من مؤلفي ومخرجي المسلسلات والأفلام. والحجة جاهزة وهي أن كل هذا الفساد الذي تشاهدونه كان أيام مبارك وقامت ثورة عارمة ضده وأن ذلك النظام سقط ومعه أجهزته ورموزه. بالتالي نحن أمام فيلم يتحدث عن الماضي البغيض. وهي حيلة درامية قديمة تذكرنا بأفلام الستينات التي يرتدي أبطالها الطرابيش في اشارة الي أن أحداث الفيلم وقعت قبل الثورة. المخرج مجدي أحمد علي واحد من مخرجينا الكبار كتب سيناريو الفيلم وقام عمرو سعد بدور الشيخ حاتم الذي تلعب المصادفة دورا في ظهوره كبديل للشيخ فتحي "أحمد راتب" ويقوم بإلقاء خطبة الجمعة أمام الوزراء. ثم تفتح برامج التليفزيون له المجال. وهو يتمتع بقدر من الذكاء والخفة والقدرة علي الاقناع ويبتعد بطبيعته عن مناطق الخلاف أو التي تثير الجدل فأصبحت له شعبية وهو يقدم التجديد "السطحي" للخطاب الاسلامي. انه الداعية "الكاجوال" الذي وجد نفسه مدعوا للعب كرة القدم الخماسية مع ابن الرئيس. وحكي له عن شقيق زوجته حسن "أحمد مجدي" الذي سافر يدرس بالخارج وعاد ليرغب في التحول الي المسيحية. وطلب ابن الرئيس من الشيخ حاتم اقناع حسن بالبقاء في الاسلام. لنعرف قرب نهاية الفيلم الخديعة وراء هذه الأكاذيب. لن نجد صعوبة في اكتشاف أن أجهزة السلطة في تلك الفترة تلعب علي التناقضات بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة علي طريقة "فرق تسد" أو لأهداف أخري لم يوضحها الفيلم.. لإلهاء الناس مثلا عن الفساد أو حتي لا يطالبون بالحرية والعدالة الاجتماعية أو أشياء أخري لا نعلمها. المهم أن الشيخ حاتم بطل الفيلم في قلب الأحداث تتقاذفه الأمواج يمينا ويسارا وهو ثابت علي مبدأ "التحايل" علي الواقع ليس من أجل تغييره بل من أجل استمراره كما هو. وأن أجهزة سلطة مبارك "الشريرة" هي التي تحرك كل هذه الأطراف ضد بعضها. حتي تستمتع بوهم البقاء الأبدي وهو ما لم يحدث بالطبع. يدفعك الفيلم الي التساؤل: هل كان الاخوان موجودون أيام مبارك؟.. ام اننا اكتشفنا وجودهم بعد ثورة يناير؟.. فالفيلم يتحدث عن أطراف كثيرة في السلطة وخارجها. سلفيون وصوفيون وشيعة وسنة ومسيحيون لكن لا وجود للاخوان الذين كانوا أول المستفيدين من سقوط نظام مبارك!!. وهل هم بعيدون عن الصراع الدائر بين القديم والجديد في الخطاب الاسلامي؟.. وهل كانوا بعيدين عن الصراع السياسي وقد وصلت أفكار العنف والارهاب الي المنزل الرئاسي. من الذي وراء الصبغة الدينية التي صبغت المجتمع المصري كله. حتي بات الانتماء الديني مثل تشجيع الأهلي والزمالك! أشار فيلم "مولانا" الي خطورة الأفكار "المسكوت عنها" في الدعوة الاسلامية وهي التي تلقي رواجا في أوساط الشباب. وأن تجديد الخطاب الديني يبدأ من ازالة المسكوت عنه حتي نتفرغ للأهم والأحق بالجدل. نقطة الضعف الواضحة في الفيلم هي الحياة الخاصة لشخصية الشيخ حاتم مع زوجته أميمة "درة" وابنهما عمر. ولماذا مرض الطفل وسافر للعلاج بالخارج ثم عاد في نهاية سعيدة للفيلم. وكذلك شخصية الفتاة نشوي "ريهام حجاج".. اذا كان الهدف هو تهديد الشيخ حاتم بتصويره مع نشوي فلماذا يحدث ذلك وهو يعمل معهم ومن أجل مصالحهم ولم يقل أو يفعل شيئا ضد الذين قاموا بتصويره!! قراءة إبراهيم عيسي الدقيقة للأحداث أتاحت له فرصة التنبؤ بحادث تفجير الكنيسة قبل نهاية الفيلم. وهو نفس ما حدث مع الكاتب الكبير وحيد حامد مؤلف فيلم "البرئ" عام 1986 وفيه توقع أحداث تمرد قوات الأمن المركزي والتي وقعت في فبراير من ذلك العام. قدم المخرج مجدي أحمد علي واحدا من أفلامه المهمة. وحرص علي الاستعانة بأفضل العناصر الفنية: تصوير أحمد بشاري ومونتاج سلافة نور الدين وديكور هند حيدر ولكن موسيقي عادل حقي "تاهت" وسط زحمة الأحداث. وكان رمزي العدل واحداً من مفاجآت الفيلم القليلة. وحصل عمرو سعد علي بطولة مطلقة من الجلدة للجلدة. سوف تتيح له المزيد من الفرص التي يستحقها. فالسينما المصرية مازالت في حاجة الي نجوم شباب قادرين علي سد فراغ البطولات المطلقة.