يُولد عام جديد في زمن الكرب.. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، يتنفسون الذل، ويتجرعون المرارة، مقطوعي الألسن، مطأطئي الرأس، شاب الصغير ويئس الكبير، ويد الجلاد تبطش وتتجبر.. "مش هناكل يعني، منكلش.. هنجوع يعني، ما نجوع.. المهم نبقى كدة".. يبدو أن كلمات "النحنوح" بدأت تأتي أُكلها؛ فمع اقتراب انقضاء ثلاثة أعوام على أسوأ عهود المحروسة، الأسعار تحرق أجساد المصريين، والاقتصاد ينهار، والسياحة مضروبة، والاستثمار ميت، والتعليم في المذيلة، والفساد مستشرٍ، والجهاز الإداري مهترئ، والبرلمان موافقون، والحكومة تأتمر، والإعلام طبال، والعدو أضحى صديقا نعزيه ونتباكى عليه ونطفئ نيرانه، و"هدية مصر للعالم" خربتها. شاركت في أيام ثورة 30 يونيو الأربعة، التي ألعنها الآن في كل صلاة؛ لأنها جاءت بهذا النظام أو بالأحرى، أعادتنا إلى ما قبل 25 يناير على الوجه القبيح، وللأسف، كنت ضمن من جاءوا ب"النحنوح" إلى سدة الحكم، إلا أن عزائي الوحيد أن ما فعلته كان وفق رؤية شخصية اكتشفت زيفها بعد أشهر قلائل، وأعلنت خطأي على الملأ، وطالما أدعو الله المغفرة، علّي أتطهر منه، لكن ذنبي عظيم. أقحم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الجيش في الحياة السياسية، وتطورت الأمور حتى أصبحت عقيدتهم اليوم "يَحكُمون ولا يُحكَمون"، لتكون الطامة الكبرى، التي تجاوزت كل حدود العقل والمنطق، ونتجرع ويلاتها اليوم؛ فاستأثر "جيش النحنوح" بكل المشروعات واحتكر جُل الصناعات "كعك وبسكوت العيد ماشي، تكييفات شغااال، لحمة ميضرش، لبن الأطفال بيرضّع"، فلم يترك "سبوبة" إلا ودخل فيها، حتى تسبب في إغلاق مئات الشركات والمصانع العاملة في هذه المنتجات، التي لم يدخلها فحسب، بل احتكرها، وتسبب في تشريد آلاف العمال. وجاءت الجرائم تباعا؛ فباعت "دولة النحنوح" الأرض وتنازلت بكل سهولة ويسر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ليخضع المضيق المصري إلى سيادة دولية تخدم في الأساس الكيان الصهيوني، وخاضت حربا شعواء ضد رافضي صفقة العار والمهانة، على رأسهم، الصحفيون ونقابتهم التي احتضنت الغاضبين من الكارثة؛ فأعملت فيهم يد البطش والانتهاك، ونسجت قضية وهمية للنقيب واثنين من أعضاء المجلس، حكم عليهم بالسجن عامين بموجبها، كما تحاول تأميم المهنة بقوانين وتشريعات تكبل الصحافة والإعلام وتتحكم فيهما السلطة التنفيذية. والمثير للاشمئزاز، أن الاستنطاع ضرب مفاصل "دولة النحنوح"، وأصبحت أرى صورته في وجوه كثيرين.. نواب البرلمان "ماسر هتبقى قد الدنيا"، وفي أعضاء الحكومة "اصبروا شوبة إحنا بنحارب الإرهاب"، وفي أمنجية الاقتصاد "لازم نتحمل كام سنة عشان نبني اقتصاد بلدنا"، وفي الإعلام "وبكرة تشوفوا ماسر"، حتى أصبحنا مسخرة القاصي والداني ويتندر بنا الخلايجة "أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس". "تأميم الفساد".. عبارة قالها لي أحد الأصدقاء في معرض حديثنا عن استئثار الجيش بكل المشروعات ودخوله جميع المجالات، على حساب باقي مكونات المجتمع، بعضها تحت ستار "صندوق تحيا مصر"، وبعضها الآخر في "جيوب الكبار"، حتى عايرنا أحد كبار رجال القوات المسلحة تحت قبة البرلمان- بأن "الجيش بيصرف على البلد من بعد الثورة". لا شك أن الكوارث تتفاقم يوما بعد الآخر، والخطوة "صفر" تستلزم أن يعود الجيش إلى ثكناته، مؤسسة وطنية – كما عهدنا وتربينا على ذلك- لحماية حدود البلد من أي مخاطر خارجية تهددنا ويترك السياسة والحكم للمدنيين.