خلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ فاجعة 25 يناير، وبتحديدٍ أكثر: منذ الإطاحة بعصابة الإخوان الإرهابية ورئيسها الخائن محمد مرسى فى 30 يونيو، انبثق من ركام الفوضى والخراب خصوم أشد خطراً وعداءً للدولة المصرية من هذه العصابة نفسها. هؤلاء الخصوم هم أولئك الذين يحسبون أنفسهم «ليبراليين» ووعاظاً ل«دولة مدنية» يختلط حابلها بنابلها ويتحول جيشها إلى فرق «مراسم» لا تخرج من ثكناتها، ويصبح البلطجى والإرهابى «شهيداً»، وكراهية مبارك ونظامه «سبوبة»، وفى النهاية يتم تفريغ هذه الدولة المدنية من «فكرة الدولة» نفسها. وخطاب هؤلاء الخصوم لا يخرج فى العادة عن تلك الشعارات الخادعة، المراوغة، ويتراوح بين النحنحة والشحتفة على دماء القتلة والإرهابيين (مقابل تجاهل دماء شهداء الجيش والشرطة).. والهتاف بسقوط حكم العسكر، حتى إذا لم يكن الحكم عسكرياً. ولكل هؤلاء الخصوم -وربما بصورة أشد مكراً ومراوغة- يطل علينا يسرى فودة بسحنته التى تشبه سحنة جاسوس يهودى فى أحد أفلام هوليوود، ليتحفنا بمقدماته المؤثرة، وأدائه الميلودرامى الفج، وعباراته المنحوتة من حقد كامن: «إلى فتى من مصر سهر الليالى كى يرسم بسمة على فم من لا يستطيع.. أياً ما كان انتماؤك السياسى شكراً لك».. وكان قد أطلق هذه المقولة فى أعقاب أزمة ما يسمى ب«المخترع الصغير» الذى تبين أنه كان يرضع لبناً ملوثاً بجرثومة الإخوان، وكأننا سنصدق أنه «ليبرالى» ومحايد أو.. «طول ما الدم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس»، وكأننا بذلك سنصدق أنه «وطنى» وصاحب مبدأ!.. وقد أطلق هذا الشعار متأثراً بسقوط عدد من إرهابيى عصابة الإخوان أثناء فض اعتصام رابعة، فى حين لم يقل كلمة رثاء واحدة فى شهداء مذبحة رفح التى وقعت أثناء حكم الخائن محمد مرسى، ولم يدعُ إلى سقوطه! لا أعرف لماذا يكنّ هذا النحنوح كل هذه الكراهية للجيش المصرى: هل تأثراً بموقف صاحب القناة التى يعمل فيها: نجيب ساويرس، والذى يبدو أنه انزعج من التفاف المصريين حول قواتهم المسلحة بعد 30 يونيو، وإصرارهم على أن يكون قائدها -عبدالفتاح السيسى- رئيساً لمصر، ومن ثم خوفه من أن يكون السيسى وتجربة حكمه امتداداً لعبدالناصر وتجربته؟.. هل هو جحود و«قلة أصل» من الأخ يسرى، على الرغم من السخاء والتقدير اللذين عُومل بهما من قبل القوات المسلحة عقب حادث انقلاب سيارته على طريق الغردقة أواخر مارس 2013؟ لقد تم نقله إلى مستشفى الجونة بطائرة عسكرية بناءً على تعليمات من وزير الدفاع «الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقتها»، وزاره العقيد أحمد محمد على، المتحدث باسم القوات المسلحة فى المستشفى، ومع ذلك لم يستطع مقاومة «النحنوح الليبرالى» الذى فى داخله، واستضاف مجموعة الأطفال فى برنامجه على «أون تى فى» ليهتفوا «يسقط يسقط حكم العسكر». سواء كان موقف هذا ال«يسرى» من الجيش جزءاً من موقف «صاحب المحل» أو تعبيراً عن قلة أصل.. فالمؤكد أن موقفه العام -وهو موقف متخبط ومتلون وتحكمه شهوة جارفة للفلوس- ينطوى فى الأساس على رواسب من فترة عمله فى «الجزيرة».. حيث تختلط «المهنية» بالعمالة، وتستباح سيادة وهيبة الدولة المصرية من أجل حفنة دولارات. صحيح أن يسرى ترك «الجزيرة» عام 2009، أى قبل مؤامرة 25 يناير بنحو عامين، لكن «العرق دساس» كما يقولون، ونحن لا نعرف لماذا ترك الأخ يسرى «جزيرته» التى أغدق عليه مسئولوها فلوساً ومكانة أدبية لم يكن يحلم بها: هل زادت عليه الضغوط فأحس أنه سيخرج من مداره المهنى ويخسر كل شىء؟ هل أصبح ورقة محروقة بعد أن أتم رسالته الاستخباراتية التى كان يؤديها بامتياز من خلال برنامجه الأشهر «سرى للغاية»؟ هل قرر -أو تقرر له- أن يستأنف رسالته الإعلامية المشبوهة تلك.. فى مصر، وكانت خيوط المؤامرة تلتئم فى ذلك الوقت؟ كتب يسرى مقالين عقب استقالته من «الجزيرة» فى جريدة «اليوم السابع» ثم توقف بعد أن أعلن أنه سيكتب سلسلة مقالات «يقول فيها كل شىء» عن تجربته فى «الجزيرة».. فلماذا توقف؟ لا أحد يعلم «لكن المؤكد والمنطقى أنه تعرض لضغوط -وربما تهديدات- إذا لم «يخرس»!.. ويبدو أن لدى مسئولى «الجزيرة» ملفاً أسود لهذا العميل من بين أوراقه الكثيرة -مثلاً- أنه ظل عامين تقريباً يتقاضى مرتبه كاملاً أثناء عمله فى مكتب لندن.. دون أن يعمل!.. ومن بين أوراقه أيضاً أنه ذهب إلى مسئولى قناة «العربية» -وهو لا يزال على قوة «الجزيرة»- يفاوضهم فى الانتقال إليها، ثم سرب الخبر إلى جريدة «الشرق الأوسط»، وكانت النتيجة أن تم رفع راتبه فى «الجزيرة» وكرر نفس الموقف مع «أون تى. فى» بعد ذلك! أياً كان سبب استقالته فقد عاد هذا النحنوح إلى مصر وانضم إلى رفقة السوء التى تعمل فى «أون تى فى» من نوعية المناضلة غير المأسوف عليها ريم ماجد، ليصبح قريباً من المطبخ الذى كانت تعد فيه طبخة 25 يناير، لكن اللافت أن الأخ يسرى حاول بكل قوة أن يعمل فى التليفزيون المصرى قبل «أون تى فى» وكان يتصدر قائمة المرشحين لتولى منصب قيادى فى قطاع الأخبار (وكان منافسه القوى آنذاك «جزيراوى» آخر هو حافظ الميرازى) لكن المحاولة لم تكتمل بسبب فاجعة 25 يناير، وحتى فى عز الفاجعة ظل يسرى قابضاً على منتصف العصا، ومارس أحط أشكال الانتهازية عندما أجرى مداخلة مع ريم ماجد عقب الخطاب المؤثر للرئيس مبارك عشية «موقعة الجمل» أشاد فيها بوطنية مبارك ودوره الذى لا ينكره أحد أثناء وبعد حرب أكتوبر، كما أشاد فى مداخلته تلك بوطنية كل من اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، وبقيمتهما، «التى افتقدناها كثيراً ولسنوات طويلة» كمديرين ناجحين! هذا الفيديو متاح لمن يود سماعه على موقع «يوتيوب» وهو «صدمة» بالنسبة لمن لم يعرفوا هذا ال«يسرى» على حقيقته، ولمن يعتقدون فى نزاهته وحياده المهنى وطهارة ذمته!