أمريكا من قوة اقتصادية عسكرية إلى مصالح رئيس رغم تباهي الولاياتالمتحدة بأنها القوة الاقتصادية الأكبر في العالم، إلا أن قوتها ترتبط بشكل كبير مع مصالحها السياسية خاصة الخارجية، حيث ترغب في الحفاظ على المصالح السياسية من خلال الاقتصاد. في الماضي وعلى مدى العقود الماضية، كانت عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية هي المحرك الرئيسي لسياسة البيت الأبيض، في الوقت الذي تعتمد فيه القوى الصاعدة، خاصة روسياوالصين على القوة الاقتصادية كمحدد أساسي للصعود، وتحدي الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي. بعد أسبوعين من بدء المرحلة الانتقال السياسي، تواجه إدارة الرئيس المنتخب حديثا، دونالد ترامب، متاعب تتعلق بصراع المصالح، والخبراء يؤكدون أن شبكة المصالح التجارية التي يملكها ترامب في الخارج، سابقةٌ في تاريخ الرئاسة الأمريكية، ما يثير القلق حول إمكانية تأثير هذه المصالح على آلية صنع القرار في البيت الأبيض. اختلاف سياسة ترامب وأوباما يتبع ترامب العديد من السياسيات الخارجية المغايرة لإدارة الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، حيث يرفض التحالفات القائمة مع دول الخليج خاصة السعودية، التي يمتلك بها شركات، فهدد ترامب بعدم استيراد النفط السعودي وطالبها بدفع ثمن حمايتها، كما يرفض أيضا العديد من العلاقات الأمريكية في آسيا، وجنوب أمريكا، ويريد إضافة العديد من التعديلات على الحركة التجارية مع المكسيك. وأعرب العديد من السياسيين والمستشارين في الولاياتالمتحدة عن مخاوفهم من تضارب المصالح بين تولي ترامب للرئاسة، وإدارة إمبراطورتيه الاقتصادية المترامية في أنحاء العالم، وربما تسعى بعض الشركات الأجنبية إلى عقد صفقات مع شركاته في محاولة لكسب ود البيت الأبيض. وفقا لتحليل صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يمتلك ترامب ما لا يقل عن 111 فرعا لشركاته في 18 دولة، في أنحاء أمريكا الجنوبية وآسيا والشرق الأوسط وكندا، وتتراوح هذه الشركات ما بين مجمعات عقارية فخمة إلى شركات وعلامات تجارية ضخمة، يمتلك أيضا فنادق من فئة خمسة نجوم في كندا وبنما، وملاعب جولف في إيرلندا واسكتلندا، وشركات عقارية وفنادق في دول أخرى، بالإضافة إلى الفلبين واذربيجان وإندونيسيا وتركيا والهند، وبعض تلك البلدان حليف الولاياتالمتحدة، ولكن بعضها الآخر على خلافات سياسية مع الولاياتالمتحدة. توسع ترامب التجاري عالميًا وفي هذا السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا حول احتمال وقوع تضارب للمصالح بين السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب، نظرا لانتشار شركاته ومصالحه الاقتصادية في أنحاء العالم. وقالت الصحيفة إن الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، عيّن خوزي أنطونيو مبعوثا عاما للولايات المتحدة، إثر وصول ترامب إلى سدة الحكم، وكان ذلك بعد أن انتهى أنطونيو من مشروع مشترك مع دونالد ترامب، يتمثل في بناء برج يتكون من 57 طابقا في العاصمة الفيليبينية، مانيلا، وسافر أنطونيو إلى نيويورك بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات لعقد اجتماع خاص مع أبناء ترامب، والذين كانوا جزءا من المشروع، شانهم شأن أبناء أنطونيو. وتوضح الصحيفة أن شراكة أنطونيو مع ترامب ودوره الدبلوماسي الجديد، قد يؤديان إلى صراعات سياسية داخل الفيليبين، خاصة أن رئيسها رودريغو دوتيرتي كان دعا إلى قطع العلاقات مع الولاياتالمتحدة، وطلب من جنودها مغادرة الفيليبين خلال سنتين، بالإضافة إلى أن فرقته لمكافحة المخدرات، التي كانت تسببت في مقتل آلاف المتهمين دون أي محاكمات، الأمر الذي انتقده أوباما بشدة. وتضيف الصحيفة الأمريكية أن حدوث الصراعات أمر وارد جدا، لامتلاك ترامب شركات في نحو 20 بلدا، خاصة في الدول النامية، مثل الهند وإندونيسيا والأوروغواي، وتلفت الصحيفة إلى أملاك ترامب في البرازيل، حيث يخضع فندقه في ريو دي جانيرو، لتحقيق واسع من المدعي العام الفيدرالي، لمعرفة حقيقة دفع رشاوي أثناء عملية اختيار الصندوق، أما الهند، فتعد من أكثر المناطق التي استثمر فيها ترامب بعد أمريكا الشمالية، حيث ينشئ مشاريعه عبر شركات لمديريها روابط عائلية مع أهم حزب سياسي في الهند، الأمر الذي جعل المسؤولين في الحكومة الهندية يقدمون امتيازات خاصة لمشاريع ترامب، بما فيها الضغط على بنوك الدولة لتقديم مزيد من القروض. مصالح ترامب التجارية ثمة مخاطر جمة سيعاني منها ترامب كرئيس جراء أنشطته الاقتصادية حول العالم لكن لا يوجد قانون بعينه يطلب من الرئيس الأمريكي أن ينأى بنفسه عن مصالحه الاقتصادية، ويقول المحلل بيتر ستيفنسون، إن الرؤساء عادة يكلون أعمالهم التجارية لمن يثقون فيهم تجنبا لأي مشكلات. يقول ريتشارد بينتر كبير، محامي الأخلاق بالبيت الأبيض في إدارة جورج بوش، إن هناك مخاطر دبلوماسية وسياسية وحتى أمنية في أن يكون للرئيس مجموعة من الممتلكات حول العالم، مضيفا: "إذا جرت مفاوضات مع دولة حول سلوكها أو التفاوض حول معاهدة أو إذا طلبت دولة منا أن نرسل جنودنا للدفاع عنها، فعلينا أن نتخذ قرارا، وهنا ينشأ سؤال هل سنقوم بذلك من أجل مصلحتنا الوطنية أو لأن هناك كازينو لترامب في ذلك البلد؟". ويتوقع محللون احتمالية أن يواجه ترامب انعكاسات سلبية على مصالحه في أسواق الشرق الأوسط وآسيا إذا سعى لتحقيق ما وعد به خلال الحملة الانتخابية بمنع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة، وقال البروفسور كوين باولز، خبير التسويق بجامعة أوزيجين في اسطنبول: "إذا تم استحداث سجل المسلمين، فسيواجه مشاكل خطيرة في العثور على شركاء مسلمين محليين"، وأضاف أنه إذا فرض ترامب قيودا كبيرة على تأشيرات الدخول للزوار المسلمين فسيكون لذلك رد فعل سلبي. وفي ديسمبر من عام 2015، خسر ترامب أعمالا في الشرق الأوسط بسبب تصريحاته المعادية للمسلمين عندما أوقفت سلسلة متاجر كبرى مبيعات منتجات تحمل اسمه من وحدات الإضاءة والمرايا وصناديق المجوهرات في المنطقة. تهديدات ترامب الجوفاء للسعودية ومع تصريحات ترامب المعادية للسعودية، يمتلك الرئيس المنتخب ثماني شركات في المملكة، وهنا يدخل في صراع جديد مع الرياض، لكن يقول مراقبون إن تصريحاته التي بدت موجهة للسعودية في الفترة التي سبقت الانتخابات تكشف بشكل حاسم أن الرجل اختار "التصعيد" ضد المملكة في تلك الفترة لأسباب انتخابية لا غير، وأنه كان يدرك منذ البداية أن العلاقة مع المملكة معقدة واستراتيجية ولا يمكن الاستهانة بها إذ لا يمكن تعويضها بأية علاقة أخرى مناقضة لها لاسيما مع إيران. ويقول محللون إن ترمب لا يمكنه التفكير في قطع الصلة بالسعودية إذا أراد الحفاظ على توازنات العلاقات الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، التي أخل بها الديمقراطيون على نحو غير مسبوق لفائدة إيران مع ما يحمله ذلك من إتاحة فرص قوية لها لتهديد مصالح الولاياتالمتحدة نفسها في المنطقة. تدخل الكونجرس علاقات ترامب المتشابكة مع بعض الدول أدت إلى دعوة بعض أعضاء الكونجرس، بما فيهم ممثل جمهوري واحد على الأقل، لمطالبة ترامب بضرورة توفير مزيد من المعلومات حول عملياته الاقتصادية الدولية، كما دعو أيضا إلى إجراء تحقيق من قبل الكونجرس. وفقا للعديد من مسؤولي وزارة الخارجية السابقين، فإنه حتى وإن لم يحصل ترامب وعائلته على أية مزايا خاصة من الحكومات الأجنبية، فإن المسؤولين في الخارج ربما شعروا بضرورة مساعدة عائلة ترامب، من خلال تسريع تراخيص بناء ودفع بعض الأعمال التجارية لاختيار فنادق ترامب أو شركاته، كما أنه من أهم الأسئلة التي يجب طرحها: من سيكون مسؤولا عن أمن أبراج ترامب، خاصة المتواجدة في دول يهددها الإرهاب؟ فهذه الأبراج أصبحت رمزا للرأسمالية الأمريكية التي أنشأت باسم الرئيس. وأكدت صحيفة نيويورك تايمز أن القانون الفيدرالي لا يمنع الرئيس من اتخاذ الإجراءات التي قد تستفيد منها أسرته ماليا، كما أن الرئيس معفى من معظم القوانين المتعلقة بتنازع المصالح، لكن الدستور يمنع الرئيس من قبول هدايا أو مبالغ مالية من حكومات أجنبية، وهو من بين القوانين التي يتوقع بعض الخبراء القانونيين أن ينتهكها ترامب، من خلال تأجير مساحة في برج ترامب في نيويورك لبنك الصين، أو من خلال استضافته لأحد الدبلوماسيين الأجانب في إحدى فنادقه.