تحولت ثلاجات الموتى «المشارح» في محافظة سوهاج إلى قبور فوق الأرض تنتهك حرمة الموتى، وتأخذ ذويه إلى رحلة عذاب على الأرض. وراء باب خشبي تنبعث الرائحة الكريهة، ويقطن بداخلها عمال لا يعرفون كيفية التعامل مع الميت ومراعاة حرمته، حيث يتولى مسؤولية المشرحة أي عامل بأحد أقسام المستشفى، ويشرف عليه معاون الأمن الإداري، ويتعامل موظف الثلاجة مع الموتى دون أي تجهيزات طبية إطلاقا، ويكون همه الأساسي تسلم الجثة من سيارة الإسعاف وإيداعها داخل الثلاجة المتهالكة، ثم إغلاق باب المشرحة. ففي أحد أطراف المستشفى الخلفية تقع غُرف ثلاجات حفظ الموتى بمستشفيات سوهاج المختلفة، مغلقة بباب خشبي، بمجرد فتحه تنبعث الرائحة الكريهة، حيث توجد مصاطب كبيرة مزودة بحنفيات مياه وثلاجات كبيرة تحتوي على عدد من الأرفف يوضع عليها الموتى، والأرضية متهالكة وملقى عليها بعض القطن والشاش الملطخ بدماء الموتى، وبها عدد من المجاري المائية التي تطرد مياه الغسيل إلى الصرف الصحي بالمستشفى. وكشف مصدر في مديرية الصحة بسوهاج -فضل عدم ذكر اسمه- أن ثلاجات حفظ الموتى دائمة التعطل بسبب الموتور الخاص بها، الذي أصبح خردة؛ لعدم تجديده منذ تركيب الثلاجات بالمستشفيات في غالب الأحيان، مؤكدا ل«البديل» أن أكبر مشكلة تواجه ثلاجات حفظ الموتى وتؤرق أهالي المتوفين هي انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في بعض الأحيان، تحديدا في فصل الصيف وقت إجراء الصيانة والترميمات لشبكات الكهرباء، التي تمتد ساعات، ما يؤدي لانبعاث رائحة كريهة يصعب تحملها، وتصل بعض الجثث إلى حد التحلل. وقال الدكتور عماد عدلي، مدير الرعاية الحرجة والعاجلة بمديرية الصحة بسوهاج، إن أشد المستشفيات بحاجة إلى ثلاجات حفظ الموتى في المحافظة هي «أخميم المركزي»؛ نظرا لوجود ثلاجة تحتوي على 3 أدراج فقط، في ظل استقبال المستشفى كل حوادث طريق سوهاج – البحر الأحمر، مناشدا رجال الأعمال والمؤسسات الخيرية التبرع بثلاجة سباعية "7 أدراج" لسد العجز. وعن الناحية الشرعية، قال الشيخ عبد الرحمن اللاوي، مدير إدارة المساجد بمديرية أوقاف سوهاج، إن الله تعالي كرم الإنسان حيا وميتا، وجعل حرمة الإنسان حال موته كحرمته في حياته، فلا يجوز التعدي علي الميت بأي وسيلة، مستشهدا بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: "كسر عظم الميت ككسره حيا"، مضيفا: "لا يجوز إهمال الميت أو إهانته بعدم ستره، ومن تكريم الميت في الإسلام أن شَرع الله له غسلا وكفنا وصلاة ودفنا". ومن جانبها قالت الدكتورة رفيدة سلطان، وكيل وزارة الصحة بسوهاج، إن ثلاجات حفظ الموتى بجميع مستشفيات المحافظة تحتاج لتطوير وصيانة عاجلة في أقرب وقت لرفع كفاءتها، خاصة أنها لا تكفي لاستقبال الحوادث التي تشهدها المحافظة وينتج عنها عشرات الضحايا. وأوضحت سلطان ل«البديل» أنه من المفترض توصيل ثلاجات حفظ الموتى في المستشفيات بمولدات كهرباء "ديزل" حتى تعمل الثلاجات بكل طاقتها وقت انقطاع التيار الكهربائي، حتى لا تتأثر الجثث داخل الثلاجات، مؤكدة أنها طلبت ثلاجة رباعية "4 أدراج" من مؤسسة خيرية على سبيل التبرع؛ لوضعها في مستشفى أخميم المركزي؛ لسد العجز هناك.