قال المستشار أحمد مكي وزير العدل في حديث لبرنامج 90 دقيقة علي قناة المحور مساء أول أمس 'إنه يعترض علي قانون حماية الثورة وعلي إنشاء نيابة الثورة'، وإذا كان ذلك هو رأي وزير العدل المختص والمسئول عن إعداد القوانين، فمن كان وراء هذا القانون الانتقامي؟! لقد أصدر الرئيس محمد مرسي رئيس الجمهورية هذا القانون الجائر والاستثنائي موافقًا للإعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 21 نوفمبر، وهو الإعلان الذي تسبب في حدوث فتنة كبري علي أرض البلاد. لقد كان الهدف المعلن لهذا القانون هو محاكمة أو إعادة محاكمة من يثبت تورطهم في قتل المتظاهرين من 25 يناير 2011 تاريخ انطلاق الثورة وحتي 30 يونيو 2012، تاريخ تولي الرئيس محمد مرسي للسلطة في البلاد .. وذلك في ضوء تقرير لجنة تقصي الحقائق المقدم إلي النائب العام. لقد تجاوز القانون ثوابت المحاكمات وتعارض مع قانون الإجراءات الجنائية، ولذلك راح يؤكد في مادته الأولي إعادة التحقيقات في جرائم قتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين استثناء من حكم المادة 197 من قانون الإجراءات وامتد بهذه المادة إلي ما أسماه بجرائم الاعتداء باسعمال القوة والعنف والتهديد والترويع علي الحرية الشخصية للمواطنين وغيرها من الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون والمرتكبة بواسطة كل من تولي منصبًا سياسيًا أو تنفيذيًا في ظل النظام السابق، علي أن تشمل التحقيقات الفاعلين الأصليين والمسهمين بكل الصور في تلك الجرائم، وكل ما تكشف عنه التحقيقات من جرائم أخري مرتبطة. وهكذا جاء النص مطاطيًا، ليضم تحت مظلته كل من تثور حوله الشبهات، أو بالأحري كل من يود النظام الإخواني الحاكم الانتقام منه، وإدخاله ضمن المتهمين الذين يتوجب عقابهم بمقتضي هذا القانون!! كان طبيعيًا والحال كذلك أن تُنشأ نيابة خاصة لحماية الثورة من أعضاء النيابة العامة والقضاء والذين يصدر النائب العام قرارًا بندبهم لهذه المهمة، ويكون لهم سلطات قاضي التحقيقات وغرفة المشورة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، أي يكون له حق حبس المتهمين وإعادة التجديد لهم لفترات طويلة وحتي تقديمهم للمحاكمة. إن الجرائم التي يعاقب عليها هذا القانون لا تتوقف عند حدود جرائم قتل الثوار أو استخدام القوة ضدهم، بل تمتد أيضًا إلي قضايا النشر وإخفاء معلومات أو أدلة من شأنها تمكين الجهات المختصة من القصاص العادل والامتناع عمدًا عن تقديم الأدلة اللازمة لتمكين المحاكم من تحقيق العدالة الناجزة واللازمة في قضايا الفساد السياسي والمالي لرموز النظام السابق. وهكذا يمتد نطاق عمل هذا القانون إلي فئات أخري من خلال اتهامات يمكن توجيهها إلي أي شخص دون دلائل حقيقية علي ارتكابه أيًا من هذه الجرائم. لقد أكد العديد من فقهاء القانون أن هذا القانون الاستثنائي هو قانون انتقامي بالأساس، لا يستهدف الثأر للشهداء والمصابين بقدر ما يستهدف بث الذعر والخوف في النفوس، والنيل من كل معارضي استبداد النظام ودولة الإخوان. إن تقرير تقصي الحقائق المقدم إلي النائب العام لا يتضمن عمليًا مسئولية الجهات التي تولت فتح السجون والاعتداء عليها، وكذلك الحال المعلومات التي ترددت حول الفرقة '95' الإخوانية ومدي مسئوليتها عن الأحداث التي شهدها ميدان التحرير كما جاء علي لسان البعض .. وكل ذلك يطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام!! لقد خرج وزير الشباب د.أسامة ياسين الذي كشف في حديث سابق لقناة الجزيرة عن هذه الفرقة ودورها في أحداث موقعة الجمل، غير أن لجنة تقصي الحقائق المشكلة بقرار من الرئيس محمد مرسي، لم تفكر حتي في مجرد استدعائه للاستماع إلي أقواله، فخرج الرجل ليؤكد أن أحدًا لم يطلب شهادته أو يواجهه بأقواله السابقة!! إنني لن أتحدث عن بطلان هذا القانون، لأن ما بني علي باطل فهو باطل، ولكن السؤال: هل حقا يراد من وراء هذا القانون الثأر للشهداء والمصابين أم الانتقام من أشخاص بأعينهم لأسباب لا علاقة لها بأحداث الثورة..؟! لقد تسربت بعض المعلومات الصادرة عن هذا التقرير لتشير إلي ضم أشخاص بأعينهم ينتمون إلي مؤسسات وجهات بعينها، واذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يفتح التحقيق مع المسئولين عن قتل الشهداء واصابتهم أمام السفارة الأمريكية وفي شارع محمد محمود وأمام قصر الاتحادية وغيرها، وكلها أحداث جرت في عهد الرئيس محمد مرسي.. لماذا تتوقف التحقيقات أمام نيابة الثورة عند تاريخ بداية تولي الرئيس محمد مرسي للحكم؟ أليس من استشهدوا أو أصيبوا في عهده هم أيضا مصريون، وكانوا يتظاهرون دفاعاً عن مواقف سياسية بعينها؟! .. لقد أعطي هذا القانون للنائب العام أو من يمثله الحق في حبس المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها لمدة تصل إلي ستة أشهر، فبأي حق يجري حبس المتهمين حتي قبل أن تصدر ضدهم الأحكام من المحاكم التي سيجري تشكيلها باسم 'محاكم الثورة'؟! إن ما يجري هو أمر خطير للغاية، يتجاوز في مضمونه كافة الاجراءات الاستثنائية التي كانت من أسباب قيام الثورة ضد النظام السابق، إنها محاولة للثأر والانتقام، أكثر منها سعيًا لتحقيق العدالة وحكم القانون..!! إن قرارات ستصدر خلال الأيام القليلة القادمة بمنع العشرات من السفر، وبدء التحقيقات بشكل سري واتخاذ قرارات بالحبس ضد أناس لا يستطيع أحد الجزم بمسئوليتهم إلا بوجود دلائل حقيقية تثبت تورطهم في هذه الأحداث، وكل ذلك يثير حالة من الفزع في المجتمع، لأن غياب العدل يدفع إلي العنف والفوضي!! لقد أصدر العديد من شباب الثورة بيانات تحذر من مخاطر هذا القانون، الذي يمكن أن يطبق علي الثوار أنفسهم بدعاوي وادعاءات عديدة، غير أن أحداً لا يريد أن يستمع إلي الأصوات العاقلة والحريصة علي المجتمع وعلي القانون والعدالة. أرجو ألا ينطلي مجدداً علي البعض أن القانون قد جاء للثأر من القتلة والمجرمين الذين اعتدوا علي الثوار وقتلوا وأصابوا الكثيرين منهم، هذا قانون يأتي لحساب الإخوان ولحساب حربهم ضد الآخرين. إن الرئيس السابق حسني مبارك وغيره من كبار المسئولين يحاكمون بذات التهم، فلماذا الإصرار علي استثناء رجال العهد الحالي بينما دماء الشهداء لم تجف بعد والأدلة موجودة وشهود العيان لا يزالون أحياء؟! إننا لن يهدأ لنا بال إلا بالثأر للشهداء وللمصابين من القتلة الحقيقيين، ولكن يتوجب أن تمتد التحقيقات إلي الجميع بلا استثناء، وأن تجري بالقانون الطبيعي وبعيدًا عن أية اجراءات استثنائية، تخالف القسم الذي أقسم عليه رئيس الجمهورية بحماية الدستور والقانون. إن الذين يهللون لهذا القانون الاستثنائي، غدا سيكتوون بناره، وسيدفعون الثمن عندما يجري تطبيقه عليهم لسبب أو لآخر، وبذلك نكون قد فتحنا الباب مجدداً للثأر والانتقام، ولكن هذه المرة باسم الثورة وشهدائها، وهي من هذه القوانين براء!! إن الأيام القادمة سوف تكشف المزيد من الأسباب الحقيقية من وراء إصدار هذا القانون الباطل الذي ستمتد آثاره لكافة أصحاب الرأي والمواقف المتعارضة مع نهج جماعة الإخوان وقادة الحكم في البلاد. إن التاريخ لن ينسي أبداً هذا الظلم والجبروت الذي يعيش المصريون في ظله منذ تولي الإخوان المسلمون مسئولية الحكم، وهي أمور كلها تدفع إلي مزيد من الاحتقان المجتمع؟ بما يهدد أمن واستقرار البلاد.. لقد أعلن وزير العدل أنه يعترض علي هذا القانون، واعتراضه بالتأكيد له أسبابه القانونية، ولذلك يبقي السؤال: إذا لو كنت تعترض علي هذا القانون الجائر، فلماذا توافق السلطة عليه؟ ولماذا لا تقدم استقالتك وتبرئ ساحتك من هذا الظلم وهذا الجبروت؟!