(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) صدق الله العظيم – آية 78 سورة النساء تلك الحقيقة التى نعلمها جميعا منذ ميلادنا، فالإنسان يولد ويعيش ويسعى فى الأرض وهو يعلم يقينا أن نهايته فى جوفها، مجرد حجرة ضيقة تحت الأرض هي مصيره، جسد وحيد بلا أهل أو أولاد أو أصحاب، بلا سلطة أو نفوذ، وبعيدا عن أمواله وبيته وحياته التى اعتادها، فلا ينفعه وقتئذ الا إيمانه وعمله - وقبل منهما رحمة الله وعفوه ومغفرته - ليتحول القبر الصغير الذي يضم الجسد الفانى إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فالقبر هو أول منازل الحياة الأخرى، وبداية مرحلة البرزخ التى تقع ما بين الحياتين الدنيا والآخرة. وبالرغم من الإيمان بأن الموت مصير كل كائن حي إلا أن هذا لا يمنع حالة الحزن التى تنتاب أهل الميت، والاحساس بألم فراقه، فلحظات الموت مؤلمة أشد الألم لأحباء المتوفى، حينما يتبين لهم أن الروح قد عادت لبارئها، القلب النابض بالحياة قد صمت للأبد، والجسد الذي كان حياً يفكر ويحلم ويسعى ويتمنى قد توقف عن الحياة، وصار مجرد ذكرى تفسح لنفسها مكانا في خزائن الذكريات التي يصعب نسيانها، لأنها تتعلق بأحباء سكنهم فى القلوب باق حتى و إن رحلوا عن دنيانا، فالرحيل قد يعنى الاختفاء من الحياة الدنيا، لكنه لا يعنى الاندثار من القلوب. إنه قدر مكتوب، وحق لا ريب فيه، لا يمكن تأخيره أو تأجيله اذا حان وقته، قال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) – الآيات26، 27 سورة الرحمن. (وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) – آية34 سورة لقمان ولكن الإنسان أحيانا ينسى أو يتناسى الموت، ويعيش الحياة وكأنه مخلد فيها، متجاهلا ان العمر مهما امتد فإنه فترة مقدرة في الدنيا، بعدها يلقى ربه متدثرا بعمله طامعا في رحمة الله. لقد وصفه العراب أحمد خالد توفيق بأنه ضيف لا يدعوه أحد لكنه قادم لا محالة !! ولا يستطيع أحد أن يفلت منه، لا أحد على الاطلاق. فلنتذكر النهاية، ولنعمل من أجلها، وندعو الله أن يرحم موتانا ويسخر من بعدنا من يدعو لنا.