سلطة الحكم ممثلة في جماعة الإخوان هيمنت علي كل أمر وشأن في مصر، وجمعت بين كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتعاملت مع الدولة بوصفها فوق الأمة وفوق الشرعية وفوق كل الملايين في مصر. ولكنها وعلي النقيض أسقطت سيناء من اعتبارها وتركتها مرتعًا لفئة باغية تعد امتدادًا للقاعدة، فباتت وليمة لخفافيش الظلام. لقد بدا وكأن سلطة الحكم في مصر تحاول مهادنة هذه الفئة من الجماعات التكفيرية الجهادية وتحرص علي عدم استفزازها أو إزعاجها بدلًا من مواجهتها والأخذ علي يدها بعد أن عاثت فسادًا في سيناء، فهل غاب عن سلطة الحكم أن ما تقوم به هذه الفئة يمنح إسرائيل الذريعة في إعادة احتلال سيناء؟ أو تنفيذ السيناريو القاضي بتوطين فلسطيني غزة في أرض الفيروز؟ لقد أخطأت سلطة الحكم في مصر عندما فتحت الباب علي مصراعيه وسمحت بدخول مجموعات من المصريين - كانت موضوعة علي قوائم الترقب والوصول لكونهم متهمين في قضايا تخريب وإرهاب- إلي أرض المحروسة، جاءوا إلي مصر من أفغانستان وباكستان واليمن والعراق وتونس وانتقلوا إلي سيناء لتصبح مستقرًا لهم حيث وجدوا ساحتها مشابهة للمناطق الجبلية التي اعتادوا عليها في الخارج، وحيث تقل القبضة الأمنية بالإضافة إلي ما أتيح لهم من إقامة علاقات مع عناصر فلسطينية متطرفة في غزة من بينها 'جيش الإسلام الفلسطيني' وهي جماعة تكفيرية إرهابية ساعدتهم في الحصول علي الامدادات العسكرية وتهريب السلاح عبر الأنفاق. كان يتعين علي سلطة الحكم تبني وقفة حاسمة إزاء هذه العناصر حتي لاتتوسع وتنفذ مخططاتها الجهنمية، فهي التي قتلت بدم بارد 16 جنديًا مصريًا في رفح في 5 أغسطس الماضي، وهي التي مضت في اعتداءاتها علي أقسام الشرطة ومواقع الأمن والجيش في سيناء والتي راح ضحيتها مؤخرًا ثلاثة جنود آخرون، وهي التي أصابت مفتش الأمن العام في سيناء، وهي التي اختطفت الضباط الثلاثة وأمين الشرطة علي الحدود المصرية برفح في العام الماضي. ولاشك أن الفراغ الأمني في سيناء والذي جاء نتيجة للمحلق الأمني في اتفاقية 'كامب ديفيد' الذي يحدد عدد القوات المصرية ودرجة تسليحها هو الذي ساعد هذه الفئة الباغية علي محاولة ملأ هذا الفراغ بالتمركز في سيناء وتنفيذ سيناريوهاتها الشيطانية. ما تحاوله هذه الفئة هو إضعاف أمن مصر القومي وإقصاء الدولة بعيدًا عن سيناء وهو ما يمهد الأرضية لتدخل خارجي في الشأن المصري وتحديدًا تدخل إسرائيل بذريعة أن ما يجري في سيناء يمس أمن الكيان الصهيوني. ما لم يتم الحزم مع هذه الفئة الباغية سيستشري شرها ويمتد إلي المحافظات في ربوع مصر علي غرار ما حدث في مدينة نصر مؤخرًا، ولهذا يتعين علي سلطة الحكم في مصر أن تبادر باتخاذ إجراءات صارمة لوقف العنف المتصاعد في سيناء ومجابهة هذه الفئة الباغية بحسم وعزم حفاظًا علي سيادة الدولة وحكم القانون فأمن سيناء اليوم لابد أن يمنح الأولوية لأن الإخفاق في تحقيقه سيعني الإخفاق في تحقيق أمن مصر القومي. علي سلطة الحكم اليوم جمع الصفوف وتوحيد المواقف ضد الأخطار المحدقة بأمن سيناء والضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن مصر. آن الأوان اليوم للبدء فورًا في تعمير سيناء لمنع الفراغ وإفشال أي مخطط لإسرائيل يرمي إلي إعادة احتلالها أو إلي تحويلها لتكون وطنًا بديلًا لفلسطيني غزة.