اتسعت الملاءة الإبداعية والفكرية للأديب المفكر عبدالرحمن الشرقاوى (1920 - 1987)، وتنوعت تجلياتها بين الشعر والمسرحية الشعرية والرواية والقصة القصيرة، وكثير من التراجم الإسلامية، والمقالة النقدية والسياسية. وفى كل تلك الأجناس الأدبية كان «الشرقاوى» يصدر عن رؤية إنسانية شاملة، سداها ولحمتها منظومة قيمية سامية، نذر حياته وقلمه للذود عنها والاستعداد للاستشهاد فى سبيل نشرها وترسيخها وإعلائها. ومركز الثقل فى منظومة «الشرقاوى» القيمية؛ هو الإيمان بقيمة «الكلمة» بوصفها طاقة خلاقة، اختارتها السماء وسيطًا لوحيها، واختارها الإنسان مستودعًا لذاكرته الحضارية، وسجلًا خالدًا لمآثره واللحظات المضيئة فى مسيرته. ويفصح «الشرقاوى» عن إيمانه العميق بقدسية «الكلمة» من خلال الحوار الذى يجريه بين الإمام الحسين والوليد بن عتبة والى المدينة فى مسرحية «الحسين ثائرًا»، ففى هذا الحوار يناور «الوليد» «الحسين» محاولًا انتزاع البيعة منه ليزيد بن معاوية بن أبى سفيان، قائلًا له: «فلتقلها.. آه ما أيسرها.. إن هى إلا كلمة»، فيستشعر الحسين هوان «الكلمة» فى كلام «الوليد» فيرد عليه متسائلًا مستعظمًا: «أتعرف ما معنى الكلمة؟/ مفتاح الجنة فى كلمة/ دخول النار على كلمة/ وقضاء الله هو الكلمة/ الكلمة نور/ وبعض الكلمات قبور/ وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى/ الكلمة فرقان بين نبى وبغىّ/ الكلمة زلزلت الظالم/ الكلمة حصن الحرية/ إن الكلمة مسئولية/ إن الرجل هو الكلمة/ شرف الرجل هو الكلمة/ شرف الله هو الكلمة». وقد آمن عبدالرحمن الشرقاوى ب«الحرية» قيمة وممارسة، وهى مرتبطة لديه بقيمة «العدل»، فهو لم يطلب الحرية لنفسه ويحجبها عن غيره وإنما يحتفظ للآخر بالقدر نفسه من الحرية، وعبر عن قناعته الثابتة بقيمة الحرية أن جعلها مناط الرسالة المحمدية، بل كاد يقصرها عليها فى عنوان كتابه المشكل الذى أثار الكثير من الاعتراض والجدل، وهو كتاب «محمد رسول الحرية»، فهو لم يكتب الكتاب للمؤمنين فقط برسالة «محمد» صلى الله عليه وسلم، وإنما توجه به أيضًا إلى غير المؤمنين به مقنعًا ومجادلًا، وفى سبيل تلك الغاية اختار الحِجاج العقلى وسيلة للإقناع، فهو القاسم المشترك بين المؤمن وغيره. وتخلى عن النزعة الغيبية والسرد المثير للوجدان العامر بحب النبى، والمهيأ لتقبل أشياء وأمور إعجازية قد يرفضها المتربصون والمشككون من غير المؤمنين. ولاقى الشرقاوى من جرّاء ذلك العنت الذى بلغ حد مصادرة كتابه، إلى أن قرأه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأمر بنشره، رادًا للمؤلف اعتباره وحريته فى الرأى والتعبير. و«الشرقاوى» فى هذا الكتاب يكتب عن شخصية «محمد» الرجل الإنسان الرائع الذى «ناضل -على الرغم من كل الظروف- ضد القوى الغاشمة المفترسة، من أجل الإخاء البشرى، ومن أجل العدالة والحرية، وكبرياء القلب المعذب، ومن أجل الحب والرحمة، ومستقبل أفضل للناس جميعًا بلا استثناء: الذين يؤمنون بنبوته والذين لا يؤمنون بها على السواء!». المقاومة والنضال لاسترداد الحقوق المغتصبة، والصمود بوجه العدوان الغشوم؛ منظومة قيم عليا متجانسة، يعلى «الشرقاوى» كثيرًا من شأنها، ومن ثم نراها احتلت مساحات كبيرة من خارطة إبداعه شعرًا ومسرحًا ورواية. وفى هذا السياق تتقدم مسرحيتا «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا» لتستقرا فى موقع الصدارة. وهما مسرحيتان كتبهما «الشرقاوى» عام 1969، أى عقب كارثة العام السابع والستين المزلزلة، ومن خلالهما أسهم فى إعادة الثقة إلى الذات القومية والحضارية الجريحة؛ لتنهض من جديد وتقاوم طغيان الغرب ووكيله الخئون «إسرائيل»، وتستعيد من براثنهما ما أخذاه بالقوة والغدر؛ وذلك من خلال ربط هذه الذات بماضيها وتراثها الثورى والاستشهادى ليكون لها خير عاصم من الانهيار والاستلاب أمام الحضارة الغربية الغازية. وأسقط «الشرقاوى» موقف «الحسين» صاحب الحق فى الخلافة الذى واجه الدولة الأموية وجالدها مجالدة الأبطال؛ على المصريين والعرب العائشين فيما بعد نكسة يونية مخاطبًا إياهم على لسان الإمام «الحسين» قائلًا: «فلتذكروا ثأرى العظيم لتأخذوه من الطغاة/ وبذاك تنتصر الحياة/ فإذا سكتم بعد ذاك على الخديعة وارتضى الإنسان ذله/ فأنا سأذبح من جديد/ وأظل أُقتل من جديد/ وأظل أقتل كل يوم ألف قتلة». وكذلك احتفى «الشرقاوى» بنضال الشعب الجزائرى البطل ومقاومته للاستعمار الفرنسى من خلال عمله المسرحى الرائع «مأساة جميلة»، تلك البطلة الجزائرية التى جسدت أيقونة «الثورة الجزائرية التى كللت بالنصر فى الخامس من يوليو 1962. وفى تلك المسرحية يصور «الشرقاوى» الجهاد الأسطورى لجميلة بوحيرد والتعذيب الجهنمى الذى تجرعته فى سجون الاحتلال الفرنسىّ جزاء موقفها الرافض المقاوم، حتى أضحت رمزًا للكفاح الوطنى. ذلك هو عبدالرحمن الشرقاوى الذى اختارته اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب ليكون شخصية المعرض فى دورته ال49 لعام 2018، والتى تحمل عنوان «القوى الناعمة.. كيف؟ دورة عبدالرحمن الشرقاوى»، الذى ولد فى 10 نوفمبر 1920 بمركز شبين الكوم محافظة المنوفية، وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1943، وعمل رئيسًا لتحرير مجلة الطليعة الشهرية، وشارك فى إصدار مجلة الغد الجديد سنة 1952، وعُين رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف سنة 1971، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1974، وعلى وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1975. وأما عن المنجز الإبداعى لعبدالرحمن الشرقاوى فهو متعدد وغزير، ففى مجال الرواية كتب: «الأرض» و«قلوب خالية» و«الشوارع الخلفية» و«الفلاح». وفى المسرحية قدم: «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا» و«الفتى مهران» و«النسر الأحمر» و«عرابى زعيم الفلاحين» و«مأساة جميلة» و«تمثال الحرية». واحتفى برموز الثقافة الإسلامية فأبدع «محمد رسول الحرية» وترجم ل«على إمام المتقين» و«الصديق أول الخلفاء» و«الفاروق عمر» و«عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين» و«أئمة الفقه التسعة» و«ابن تيمية الفقيه المعذب». وفى المجال القصصى أنتج مجموعتين قصصتين هما: «أرض المعركة» و«أحلام صغيرة». وفى الشعر كتب: «رسالة من أب مصرى إلى الرئيس ترومان» و«قصائد منسية».