عاجل- بورصة الدواجن: 89 جنيها سعر كيلو الفراخ اليوم الخميس    عضو الأهلي السابق: طفشت أمونيكي من الزمالك بعرض خارجي كان بيعكنن على الأهلاوية    وزارة الحج والعمرة تطالب ضيوف الرحمن بضرورة حمل بطاقة نسك في كل خطوات رحلة الحج    طيران الاحتلال يقصف مناطق عسكرية ل«حزب الله» (فيديو)    حريق هائل يلتهم مصفاة نفط على طريق أربيل بالعراق    انخفاض أسعار النفط بعد مفاجأة المركزي الأمريكي بشأن الفائدة    موعد مباراة الأهلي المقبلة أمام فاركو في الدوري المصري والقناة الناقلة    طائرات مسيرة تطلق النار على المنازل في حي الشجاعية والزيتون بمدينة غزة    توقعات المركز الوطني للأرصاد السعودي: هذه حالة طقس مكة المكرمة والمشاعر المقدسة اليوم الخميس    ضربات أمريكية بريطانية على مجمع حكومي وإذاعة للحوثيين قرب صنعاء، ووقوع إصابات    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    يورو 2024| أغلى لاعب في كل منتخب ببطولة الأمم الأوروبية    بريطانيا تقدم حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة 309 ملايين دولار    انتعاش تجارة الأضاحي في مصر ينعش ركود الأسوق    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم: جحيم تحت الشمس ودرجة الحرارة «استثنائية».. مفاجأة في حيثيات رفع اسم «أبو تريكة» وآخرين من قوائم الإرهاب (مستندات)    متى موعد عيد الأضحى 2024/1445 وكم عدد أيام الإجازة في الدول العربية؟    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    محمد ياسين يكتب: شرخ الهضبة    حامد عز الدين يكتب: لا عذاب ولا ثواب بلا حساب!    عقوبات صارمة.. ما مصير أصحاب تأشيرات الحج غير النظامية؟    الوكيل: تركيب مصيدة قلب مفاعل الوحدة النووية ال3 و4 بالضبعة في 6 أكتوبر و19 نوفمبر    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    تصل ل«9 أيام متتابعة» مدفوعة الأجر.. موعد إجازة عيد الأضحى 2024    مفاجأة مدوية.. دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد    في موسم الامتحانات| 7 وصايا لتغذية طلاب الثانوية العامة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل اللحم المُبهر بالأرز    محمد عبد الجليل: أتمنى أن يتعاقد الأهلي مع هذا اللاعب    المجازر تفتح أبوابها مجانا للأضاحي.. تحذيرات من الذبح في الشوارع وأمام البيوت    هل يقبل حج محتكرى السلع؟ عالمة أزهرية تفجر مفاجأة    التليفزيون هذا المساء.. الأرصاد تحذر: الخميس والجمعة والسبت ذروة الموجة الحارة    شاهد مهرجان «القاضية» من فيلم «ولاد رزق 3» (فيديو)    حزب الله ينفذ 19 عملية نوعية ضد إسرائيل ومئات الصواريخ تسقط على شمالها    أبرزها المكملات.. 4 أشياء تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يواصل اجتماعته لليوم الثاني    24 صورة من عقد قران الفنانة سلمى أبو ضيف وعريسها    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة وفقاً للمعايير الدولية    بنك "بريكس" فى مصر    لماذا امتنعت مصر عن شراء القمح الروسي في مناقصتين متتاليتين؟    صدمة قطار.. إصابة شخص أثناء عبور شريط السكة الحديد فى أسوان    .. وشهد شاهد من أهلها «الشيخ الغزالي»    التعليم العالى المصرى.. بين الإتاحة والازدواجية (2)    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    محمد الباز ل«كل الزوايا»: هناك خلل في متابعة بالتغيير الحكومي بالذهنية العامة وليس الإعلام فقط    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    سعر السبيكة الذهب الآن وعيار 21 اليوم الخميس 13 يونيو 2024    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    أستاذ تراث: "العيد فى مصر حاجة تانية وتراثنا ظاهر فى عاداتنا وتقاليدنا"    الأهلي يكشف حقيقة مكافآت كأس العالم للأندية 2025    الداخلية تكشف حقيقة تعدي جزار على شخص في الهرم وإصابته    اليوم.. النطق بالحكم على 16 متهمًا لاتهامهم بتهريب المهاجرين إلى أمريكا    انتشال جثمان طفل غرق في ترعة بالمنيا    مهيب عبد الهادي: أزمة إيقاف رمضان صبحي «هتعدي على خير» واللاعب جدد عقده    «الأهلي» يزف نبأ سارًا قبل مباراة الزمالك المقبلة في الدوري المصري    بعد ارتفاعه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 13 يونيو 2024    «رئيس الأركان» يشهد المرحلة الرئيسية ل«مشروع مراكز القيادة»    فلسطين تعرب عن تعازيها ومواساتها لدولة الكويت الشقيقة في ضحايا حريق المنقف    قبل عيد الأضحى.. طريقة تحضير وجبة اقتصادية ولذيذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن الشرقاوى
1920 -1987
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 05 - 2014

يقترن اسم الشاعر والروائى والكاتب المسرحى والمفكر التراثى عبد الرحمن الشرقاوى عندى بأول لقاء لى معه فى شهر مارس من عام 1954 فى القاهرة بعد أ ن كنت قد قرأت قصيدته الشهيرة «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان»،
وروايته الرائعة «الأرض». كان الشرقاوى فى ذلك التاريخ قد أصبح نجماً لامعاً فى عالم الأدب فى ميادينه المختلفة. وكنت متشوقاً للتعرف إليه من قرب. ذهبت إليه يومذاك بصفتى الأممية موفداً من قبل اتحاد الشباب الديمقراطى العالمى الذى كنت عضواً فى قيادته لزيارة مصر ولقاء منظمات الشباب فيها والتعرف إلى الحياة الثقافية والسياسية فى ظل جمهورية ثورة الثالث والعشرين من يوليو. لكن مدخلى إلى الشرقاوى كان رسالة حملتها إليه من صديقه الأديب والمفكر التراثى حسين مروة. استقبلنى الشرقاوى بحفاوة فى منزله. ونشأت بيننا على الفور صداقة عميقة استمرت على امتداد حياته. وأشهد أنه كان فى ذلك التاريخ بالذات دليلى إلى علاقة مع عدد من كبار أدباء وشعراء وفنانى مصر الذين صاروا مثله رموزاً كبيرة فى ميادين إبداعهم، ليس فى مصر وحسب، بل على امتداد العالم العربي. وكانت مصر تمرّ فى ذلك التاريخ فى مرحلة صراع داخل صفوف مجلس قيادة الثورة حول مستقبلها فى ظل الثورة وحول من سيكون بطل المرحلة فى قيادة الثورة. وكان العالم العربى يعيش فى أجواء ما بعد نكبة فلسطين وفى أجواء المعركة ضد الأحلاف الأجنبية التى كان يراد إدخال بلداننا فيها، وفى الأجواء التى ولّدتها حرب الكوريتين التى اصطنعتها الولايات المتحدة الأميركية.
وإذ أذكِّر بتلك الحقبة وبأحداثها فى مصر وفى العالم العربى وفى العالم، فلكى أربط بينها وبين الحدثين الأدبيين المتعلقين بعبد الرحمن الشرقاوي. فقصيدة «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان» تشير إلى موجة الغضب العارمة التى كانت تجتاح العالم العربى ضد الحكومات التى صنعت النكبة وكانت تجتاح العالم ضد الولايات المتحدة الأميركية بسبب حربها فى كوريا وضد الأحلاف العسكرية التى كانت تعمل لفرضها على بلداننا.

جميع هذه الأمور
أعطت لقصيدة الشرقاوى وهجها، وجعلتها حدثاً سياسياً وأدبياً فى آن. وأرى من المفيد هنا أن أقدم للقارئ فقرة من تلك القصيدة لإعطاء صورة حيّة عن الموقع الذى كان الشرقاوى ينطلق منه فى كتابتها:
أتقرأ هذا الكلام
إذا ما تداعيت فوق الطعام
فتجرع بترول أرض «النبي» تسيغ به بعض ما تزدرد
وبعض الطعام عصيّ نكد
و»مصر» وجاراتها لم تعد من اللقم الحلوة السهلة
و»فيتنام» فى الحلق كالشوكة
و»غرب أوروبا» مرير المذاق شديد السخونة لا يبترد
و»إيران» تحرق حلق اللإله.. فلا بد لا بد من جرعة
ومن اين.. هل من سوى مكة !
ثم ينتقل فى مخاطبته للرئيس ترومان:
ولكننى قد أطلت الحديث ولم تدرِ يا سيدى من أنا
إذن سأقدِّم نفسى إليك.. فهل أتمنى عليك المنى ؟
نشدتك بالرعب يا سيدي
نشدتك بالرعب لا تغضبن لأنى لم أُلقَ فى السجن بعد
بمجدك ما قصر التابعون
فهم مخلصون
وهم لا ينون ولا يهدأون
ولكنها.. أزمة فى المساكن
فقد ملأوا السجن يا سيدى فما فيه من حفرة خالية
على أن ثم مكاناً يعدّ..
إذن فاطمئن،
وإن كنت يا سيدى لم أمت وما زلت أدفع أياميه
فما ذاك والموت إلاَّ لأنَّ حبال مشانقنا باليه
لكثرة ما شنقت من حقوق وتشنق من رغبات الوطن
على أنهم يفتلون الحبال!!
وأقسم انهمو فى غد سيرموننى بجميع التهم:
عميل الكومنفرم
يدير بالعنف قلب النظام
وداعية من دعاة السلام
وداهية من مثيرى الشقاق
وكم عندهم من دليل يُساق!
فبالأمس قلت مع القائلين: «نريد الجلاء»
فقالوا: « الجلاء «
لأنتم عصاة وربّ السماء!
ومن سوف يحمى النظام العزيز، ومن ذا سيحرس ماء القناة
إذا هجم (البلشفيك) الطغاة !»
فقلنا لهم: « بعض هذا الكلام فقد سئم الناس هذا الكلام!
تدارون كل خياناتكم بدعوى النظام، وقلب النظام،
ودعوى الهجوم
وشتى الدعاوى التى لا تقوم ولا تستقيم
دعونا وهذا الكلام الممل
فهل قام هذا النظام العزيز على أن نجوع وأن نستغل،
وأن نستذل ؟!»
إلاَّ أنَّ لرواية «الأرض» قصة أخرى. فهى كانت واحدة من أوائل الروايات التى كانت تدخل إلى صميم مجتمع مصر الحقيقي، مجتمع الريف الذى تعاقب فيه القهر والاستغلال للفلاح عبر العصور من دون انقطاع. فهى تنقل إلى الفلاح المصرى المعاصر وإلى شعوب الأرض قاطبة تاريخاً متوارثاً من قرون عديدة لأشكال الاضطهاد والاستغلال والاستعباد التى عانى منها الفلاح المصرى فى تاريخه القديم والحديث. بهذا المعنى فإن مجد عبد الرحمن الشرقاوى الأدبى مرتبط بروايته الأولى «الأرض» التى حوّلها يوسف شاهين إلى واحد من أجمل أفلامه. وانضم الشرقاوى باسم روايته تلك إلى قائمة كبار الروائيين المصريين وفى مقدمتهم شيخ الروائيين العرب نجيب محفوظ.
ولد عبد الرحمن الشرقاوى فى عام 1920 كما يروى هو فى كتاب اعترافاته التى قاده إليها صديقه مصطفى عبد الغنى عبر الأسئلة الكثيفة التى وجهها إليه لكى تحكى قصة حياته من بداياتها: « ولدت فى قرية الدلاتون التابعة لمركز شبين الكوم. فى مقتبل حياتى عرفت العلم وتعلمته. عرفت آيات قرآنية كثيرة وحفظتها. لم يكن «الكتاب» الذى تعلمت فيه مثل «كتاب» الدكتور طه حسين، بل كان عبارة عن زاوية صغيرة ملحقة بالمسجد. وكان شيخ الكتّاب طيباً وديعاً وليس كشيخ طه حسين قاسياً شديداً على طلبته. دخلت المدرسة الالزامية فى قريتى بعد ذلك بسنة واحدة. ثم دخلت المدرسة الأولية فى قرية مجاورة. وفى هذه المدرسة عرفت الاغتراب لأول مرة فى حياتي. لقد جئت القاهرة ولم أجاوز ثمانى سنوات. فعانيت من الاغتراب للمرة الأولى فى حياتي. وكان الاغتراب فى القاهرة النائية عن قريتى وعن أبوي. وهى غربة كانت صعبة جداً على نفسي. غير أن أبي-رحمه الله- كان قد علمنا أن شد الرحال والاغتراب فى سبيل العلم مثله مثل الجهاد فى سبيل الله. فى العاصمة كانت الحياة السياسية خصبة لجيلنا. وكانت المجلات الأدبية كثيرة ولها قيمتها. وكان هناك الصفحة الأدبية اليومية التى نجدها فى كل صحيفة يومية. كما كانت الكتب زهيدة الثمن. وكانت كتب التراث كثيرة. كنت فى القرية قد نهلت من السير فى مظانها الأولى ولا سيما السير الشعبية (عنترة وأبو زيد الهلالى وسيف بن ذى يزن). وفى الطفولة حفظت شعر عنتر بن شداد كله. دفعنى هذا إلى حفظ الشعر الجاهلى، لا سيما المعلقات. وفى العاصمة تعرفت على ألوان أخرى من كتب التراث العربي. تعرّفت إلى الجاحظ وإلى أغانى أبى الفرج الأصفهانى وتعرفت إلى ألوان أخرى من الشعر حتى العصر العباسي. وحفظت مختارات الباوردى وأبى تمام. وفى العاصمة أيضاً تعرّفت على أشكال كثيرة من الكتابات الغربية. بل مارست الترجمة من بعضها. وأذكر أن شكسبير كان مترجماً، فقرأت كل أعماله بالعربية ثم بالانكليزية وأنا فى كلية الحقوق. ورغم أنى كنت طالباً بالحقوق فلم تفتنى محاضرة واحدة من محاضرات الآداب. قضيت بالجامعة وقتاً ممتعاً. وعرفت أساتذة أجلاء. ومن بين من تأثرت بهم هناك كل من طه حسين وأحمد أمين ومصطفى عبد الرازق وكان يدرّس الفلسفة الاسلامية، ومصطفى زيادة فى التاريخ، وشفيق غربال أيضاً فى التاريخ، ود. عزام فى الأدب الفارسي، وأساتذة الشعر والدراما. وأذكر أن الفرنسية فى هذه الفترة الأولى من حياتى كانت تؤثر فيَّ كثيراً. حتى لأذكر أن أول قصيدة نشرتها فى حياتى (1938) كانت مقررة علينا، وهى قصيدة لامارتين وعنوانها «موطني». وقد نشرتها فى الصفحة الأدبية بجريدة البلاغ القومية. كما أذكر فى أول عهدى بالثقافة الغربية قصيدة أخرى مترجمة عن شيللى بعنوان «حجاج العالم» فى الأعداد الأولى من المجلة الثقافية. وأذكر جيداً أن هناك قصيدة ثالثة نشرت فى هذه الفترة بعنوان «نجمة المساء» لألفريد دى موسيه».

تلك كانت البدايات
فى حياة الشرقاوى كما يرويها بنفسه. لكن قصة الشرقاوى لا تختصر بهذه الكلمات. فهو واحد من كبار أدباء مصر ومن كبار رموزها الثقافية، وأحد وجوه الحركة اليسارية التى انتسب إلى إحدى تنظيماتها منذ شبابه الباكر، ثم اختار العمل اليسارى فى شكل مستقل عن أى تنظيم من تنظيماتها.
لم يخبرنى عبد الرحمن عن تاريخ انتسابه إلى أحد التنظيمات اليسارية، ولا أطلعنى على بدايات نشاطه الثقافى والسياسى فى المرحلة السابقة على قيام ثورة الضباط الأحرار. لكننى حين عرفت تفاصيل نشاطه فى تلك المرحلة، من خلال الأصدقاء المشتركين، ومن خلال وثائق الحركة الشيوعية المصرية، تأكَّد لى أنَّ الشرقاوى حين اختار الاشتراكية مرجعية فكرية له كانت لذلك الخيار صلة وثيقة بطموح جارف عنده لإحداث التغيير فى مصر فى اتجاه أكثر راديكالية من تلك الليبرالية المتعثرة، التى كانت أهواء الملك فاروق تعطل إمكانات تطورها فى الاتجاه الذى يخدم تحديث مصر والانتقال بها من إقطاعية وسلفية قديمتين إلى عصر كان مفتوحاً على تحولات جديدة.
كان الشرقاوى فى عام 1945 أحد مؤسسى مجلة «الفجر الجديد» مع عدد من مثقفى تلك الحقبة الذين أصبحوا معه رموزاً ثقافية كبيرة فى مصر وفى العالم العربي. أذكر منهم أحمد صادق سعد وعلى الراعى ونعمان عاشور وأحمد رشدى صالح وأنور عبد الملك ولطيفة الزيات وأبو سيف يوسف ويوسف الشارونى وعبد القادر القط وعبد القادر التلمسانى وكمال عبد الحليم. لكن مجلة « الفجر الجديد» لم تكن سوى واحدة من مجلات عديدة أخرى ظلت تصدر وتختفى منذ ذلك التاريخ إلى أن جاء وقت لم تعد تستطيع أن تمارس فيه تلك المجلات دورها التوجيهى والتثقيفى والتنويرى القديم باسم الاشتراكية وباسم الحداثة المرتبطة بالاشتراكية. إذ تحولت الثقافة بعد ثورة يوليو من ظاهرة فى التعدد والتنوع التى كانت سائدة إلى ثقافة موجَّهة، كانت تشبه إلى حدٍّ بعيد ما كان قد أصبح نهجاً ثابتاً فى ظل اشتراكية الاتحاد السوفياتي، التى لشدة الضغط الذى مارسته السلطات على حرية الإبداع فى مختلف ميادينه كلها انهارت بعد ثلاثة أرباع القرن من قيامها كنظام، رغم ما كانت قد حققته من إنجازات علمية وثقافية واجتماعية مارست تأثيرها المباشر حتى على بعض سياسات الدول الرأسمالية المتطورة.
لعبد الرحمن الشرقاوى فضل عليَّ لا أنساه فى تعريفى الحقيقى المباشر بمصر وبشعبها الطيِّب وبتاريخه وبثقافته وبمثقفيه. وإذ كنت، منذ شبابى الأول فى الأربعينات من القرن الماضي، على علاقة بمصر بواسطة ما كان يصلنا من صحافة أدبية وسياسية، وما كنا نقرأه من كتب لكبار أدباء مصر، وما كنا نشاهده من أفلام مصرية، فإنَّ علاقتى المباشرة بمصر، من خلال عبد الرحمن الشرقاوي، جعلتنى أكثر حباً لمصر، وأكثر ارتباطاً بها وبمثقفيها وبالنتاج الثرى الذى كانوا يبدعونه فى ميادين الثقافة والمعرفة فى كل شئونها. وقد أذهلنى وأفرحنى ما اكتشفته خلال زياراتى الأولى لمصر، التى تكررت فى الأعوام اللاحقة، أنَّ أبرز المثقفين الذين كانوا يحتلون وسائل الإعلام المكتوبة وصالات السينما والمسرح ومعارض الفنون التشكيلية، كانوا يساريين بصيغ مختلفة.

كنا نلتقي،
عبد الرحمن وأنا، فى مجلة «روز اليوسف» ومجلة «صباح الخير»، وفى المقاهى التى كان يرتادها المثقفون، وفى المسارح وفى صالات السينما. وكان رفيقانا الدائمان فى تلك اللقاءات الكاتب المسرحى ألفرد فرج والممثل الشاب حمدى غيث الذى كان مثله الأعلى فى التمثيل يوسف وهبي.
كان عبد الرحمن الشرقاوى يزداد تألقاً فى ما كان يكتبه فى صحف تلك الأيام، وفى ما كان يصدره من كتب، وفى ما كان يتبوّأه من مراكز فى الميادين الثقافية. وحين دعوته للمشاركة فى المهرجان العالمى للشباب والطلاب الذى عقد فى العاصمة البولونية وارصو فى صيف عام 1955، بصفتى عضواً فى اللجنة العالمية المنظِّمة للمهرجان ومسؤولاً عن الوفود العربية، لم يلبِّ الدعوة وحسب، بل هو ذهب إلى وارصو حاملاً معه اسمه الأدبى ونشاطاً بارعاً ومميزاً فى العلاقة التى أقامها مع المثقفين الذين جاؤوا إلى تلك التظاهرة العالمية للصداقة والسلام من كل أنحاء الدنيا.

تنوعت كتابات الشرقاوى
الأدبية على امتداد ثلاثة عقود، هى الخمسينات والستينات والسبعينات. ولم يخترق الكتابات فى اتجاه مختلف إلاَّ كتابه فى التراث، «محمد رسول الحرية»، الذى أصدره فى عام 1962، وكتاب فى السياسة هو «باندونغ والسلام العالمي»، الذى أصدره فى عام 1955، العام الذى عقد فيه ذلك المؤتمر التاريخى فى مدينة «باندونغ» الأندونيسية النائية، وكرَّس بانعقاده قيام حركة عدم الانحياز. تنوعت كتابات الشرقاوى الأدبية شعراً ورواية ومسرحيات شعرية. فبعد رواية «الأرض» أصدر مجموعة قصصية أتبعها بإصدار ثلاث روايات «الأولى «قلوب خالية» فى عام 1955 والثانية «الشوارع الخلفية» فى عام 1958، والثالثة «الفلاح» فى عام 1968. إلاَّ أنَّه اكتشف طريقاً آخر للإبداع فى كتابة الشعر، بعد أن كرر صيغة قصيدته «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان «فى قصيدة ثانية هى» رسالة مصرى إلى الرئيس جونسون» (1967).
بدأ الشرقاوى يكتب المسرحيات الشعرية كصيغة جديدة فى إبداعه الأدبى كرس لها جهداً وزمناً كبيرين وطويلين. وكانت أولى مسرحياته الشعرية «مأساة جميلة أو مأساة جزائرية» فى عام 1962. وجميلة فى المسرحية هى جميلة بو حيرد، الفتاة الجزائرية المناضلة التى اعتقلتها سلطات الاحتلال الفرنسي، وتحولت قضيتها إلى رمز لنضال الشعب الجزائرى من أجل حريته واستقلاله، وإلى رمز للتضامن العربى والعالمى مع هذا الشعب. ثم جاءت المسرحية الثانية «الفتى مهران» فى عام 1965. وهى واحدة من أجمل وأروع ما كتب الشرقاوى فى الشعر والأدب وفى الرمزالأدبى والسياسي. فهو فى هذه المسرحية يحاكم نظاماً سياسياً بكامله من دون أن يسجِّل على نفسه تبعات موقفه. إذ كان معروفاً عن الشرقاوى تجنبه الخوض فى المعارك المباشرة مع السلطات. لذلك كان الرمز سيد اللغة فى تلك المسرحية. وفى تقديرى لتلك المسرحية كقارئ فإنى أضعها من حيث الأهمية فى مصاف الأدب العالمي. ثم تابع إصدار مسرحياته الشعرية الواحدة تلو الأخرى. فأصدر فى عام 1967 مسرحية «تمثال الحرية» وأصدر مسرحية «وطنى عكا» فى عام 1968. وفى عام 1970 أصدر مسرحيتيه المكرستين لشخصية الإمام الحسين بن عليّ بعنوان «ثأر الله»، الأولى تتحدث عن الحسين ثائراً، والثانية تتحدث عن الحسين شهيداً. وكان الشرقاوى شديد الإعجاب بشخصية الحسين. وحين زار ضريحه فى كربلاء فى السبعينات بكى عليه بكاء المؤمن به، كما لو أنَّ الحسين كان يستشهد أمامه فى تلك اللحظة بالذات. ويشعر القارئ وهو يقرأ المسرحيتين بصدق عميق فى مشاعر الشرقاوى إزاء هذه الشخصية الفذَّة فى تاريخ الإسلام الأول. ويستطيع القارئ أن يتبيَّن ذلك عندما يقرأ ذلك الحوار الممتع بين الحسين ومروان بن الحكم فى حضور الوليد أمير المدينة، حين وُجِّهت الدعوة من كليهما إلى الحسين لكى يبايع يزيد خليفة على المسلمين بعد موت والده الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبى سفيان.
وثابر الشرقاوى على كتابة الشعر فى صيغة نصوص مسرحية. وكانت آخر مسرحياته الشعرية مسرحية «عرابى زعيم الفلاحين» التى يروى فيها قصة الثائر الكبير فى تاريخ مصر، الذى لم يساوم على استقلال بلاده، فنفى إلى جزيرة سيلان (سريلانكا) مع صديقه الشاعر محمود سامى البارودى. وصار المكان الذى أقام فيه فى مدينة «كاندى» السريلانكية متحفاً يحمل اسم «عرابى».

ويبدو أنَّ الشرقاوى
شعر فى أواخر السبعينات أنه أنهى مشروعه الأدبي، فاختار الانتقال إلى البحث فى التراث العربى الإسلامي. فأصدر سلسلة من الكتب بدأها بكتاب «قراءات فى الفكر الإسلامى» الذى صدر فى عام 1972. ثم أصدر بعد ذلك كتابه «أئمة الفقه التسعة» فى عام 1970. والأئمة هؤلاء هم، بحسب الشرقاوي، زيد بن عليّ زين العابدين الفقيه الفارس، والإمام جعفر الصادق، وأبو حنيفة النعمان، ومالك بن أنس عاشق المدينة وأمير الحرمين، والليث بن سعد فقيه أهل مصر، والإمام الشافعى قاضى الشريعة وخطيب الفقهاء، والإمام أحمد بن حنبل المفترى عليه، والإمام ابن حزم أديب الفقهاء، والعز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء. ويروى الشرقاوى فى هذا الكتاب السيرة الفقهية لهؤلاء الأئمة وفق تقديره لكل منهم. وأتبع هذا الكتاب بكتاب آخر عن شخصية فقهية معروفة فى الاسلام هو ابن تيمية (1983) الذى يصفه الشرقاوى بالفقيه المعذب. ثم انتقل بعد ذلك للكتابة عن الإمام عليّ ابن أبى طالب فى جزئين (1984 1985) بعنوان « عليٌّ إمام المتقين». وكان آخر كتبه فيما أعلم (1986) كتابه المكرَّس لشخصية فذَّة فى تاريخ الخلافة الأموية هى شخصية الخليفة عمر بن عبد العزيز. وفى العام الذى تلا إصدار كتابه عن عمر بن عبد العزيز غادر الشرقاوى الحياة، مخلِّفاً تراثاً أدبياً وفكرياً يظل يذكر به وبدوره فى الحياة الثقافية العربية.
ولقد تبيَّن لى بعد اطلاعى على تلك الكتب التراثية، بدءاً من مسرحيته الشعرية المكرسة لثورة الحسين بن عليّ ولاستشهاده، وصولاً إلى كتابه عن الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز، أنَّ الشرقاوى قد توصَّل إلى اقتناع فكرى وفَّق فيه بين انتمائه إلى الاشتراكية وبين انتمائه إلى القيم التى حفل بها الإسلام، كدين وكحضارة. فقد حاول بجهد استثنائى أن يقدِّم فى كتبه المُشار إليها نماذج من أفكار ونماذج من شخصيات يؤكِّد فيها لنفسه ولقرائه أنَّ ما ساد من خلاف واختلاف وصراع بين الأفكار الاشتراكية وبين الدين الإسلامى إنَّما كان من صنع أولئك الذين عملوا على استخدام الدين لتأمين مصالحهم الدنيوية. وهو إذ يستخدم التاريخ للتدليل على ذلك، فإنه يوجِّه أصابع الاتهام للذين ما انفكوا يقسمون الناس بين مؤمن وغير مؤمن فى شكل اعتباطي، ويصرفونهم عن العمل من أجل تغيير حياتهم نحو الأفضل، من خلال تغيير حكامهم وتغيير الناطقين باسمهم تعسفاً ونفاقاً، من كل أنواع المؤسسات بما فيها مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية. وانتقى، بعناية، استشهادات من سيرة النبى محمد، رسول الحرية كما سمّاه، ومن أحاديثه، ومن سيرة وأقوال الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، ومن سيرة وأقوال الخليفة الرابع عليّ بن أبى طالب، أضاء فيها على ما هو مشترك فى الجوهر، فى نظره، بين الاشتراكية والإسلام. وينهى استشهاداته بنموذج الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز الذى لم يسمح له نظام الأمويين بالعيش طويلاً. فقتل حتى لا تتحول سيرته وافكاره وارتباطه الحقيقى بالإسلام الحقيقى نموذجاً، فيعطل بذلك مصالح المستبدين الفاسدين من سلاطين الخلافة، الذين تلطوا بالإسلام ليمارسوا كل الموبقات.
كان الشرقاوي، فى قراءتى لاهتماماته الأخيرة بالتراث الاسلامى وفى قراءتى لاهتمامه بثورة الحسين التى قادت هذا الثائر الى الاستشهاد، يرمى الى تحرير الاسلام بمثله وقيمه من مدعى الانتماء اليه والاستقواء به واستخدامه لتأمين مصالحهم ولتثبيت دعائم سلطانهم، من الأمويين خصوصاً، ومن سواهم من السلالات التى استأثرت بالخلافة الاسلامية . ولم يكن الشرقاوي، فى اهتماماته تلك يمارس كتابة التاريخ، ولا كان يبحث عن معنى الحضارة العربية الاسلامية وعما ارتبط بالامويين وبالعباسيين من انجازات حضارية فى العلوم وفى الآداب وفى اقامة دولة شبيهة بما كان سائداً من دول فى تلك الحقبة من تاريخ المنطقة والعالم. بل هو كان يجب أن يلقى أضواءً كاشفة على جوانب مضيئة فى التراث العربى الإسلامى .
كان الشرقاوى فى حياته العملية، فى عهد الرئيس عبد الناصر، على صلة بالمؤسسات الثقافية التابعة للدولة دون أن يكون جزءاً منها، مع أنه كان يطمح لأن يكون له موقع فيها، برغم موقفه الضمنى المعارض الذى عبَّر عنه فى صيغ غير مباشرة، بما فى ذلك بالرمز، فى كتاباته الأدبية رواية وشعراً. وكان على صلة برموز السلطة من المثقفين. وكان أقربهم إليه وأكثرهم صلة به يوسف السباعي، الذى كان يتبوأ فى كل العهود، أيام الرئيس عبد الناصر وأيام الرئيس السادات، مناصب ومراكز مهمة، بما فيها رئاسة المجلس الأعلى للآداب والفنون، والأمانة العامة لاتحاد الأدباء فى مصر والاتحاد العام للأدباء العرب. وكان ذلك الطموح المضمر أحياناً والمكشوف أحياناً عند الشرقاوى يثير بعض التحفظات من أصدقائه فى الوسط الثقافي، لا سيما فى وسط رفاقه القدامى من تنظيمات اليسار الشيوعي. وإذا كان قد تعذَّر على الشرقاوى أن يحقق بعض طموحاته فى الوصول إلى مواقع ثقافية سلطوية فى عهد الرئيس عبد الناصر، رغم كل ما كانت تربطه من علاقات بالرموز الثقافية السلطوية لتلك الحقبة، فإنه سرعان ما قفز إلى تلك المواقع فى عهد الرئيس السادات، الموقع إثر الموقع. تسلَّم فى المرحلة الأولى رئاسة مجلس إدارة مجلة «روز اليوسف» فى العام الثانى لرحيل الرئيس عبد الناصر. ثم خرج الشرقاوى من تلك المسئولية وانتقل بعد فترة إلى موقع الأمين العام للمجلس الأعلى للآداب والفنون، الذى تحوَّل فيما بعد إلى المجلس الأعلى للثقافة. ثم خرج الشرقاوى من ذلك الموقع ليصبح الأمين العام لمنظمة تضامن شعوب آسيا وأفريقيا، بعد اغتيال يوسف السباعى فى مؤتمر المنظمة الذى كان يعقد فى نيقوسيا (قبرص) فى عام 1979. وظلَّ الشرقاوى فى ذلك المركز إلى أن رحل فى عام 1987.

كان المثقفون
اليساريون يلاحقون الشرقاوى منذ الخمسينات والستينات، أحياناً بتهمة التزمت فى مواقفه تجاه نظام الرئيس جمال عبد الناصر، وأحياناً بتهمة ممالأة السلطة فى عهد الرئيس السادات. إلاَّ أنه حين أصدر كتابه « باندونغ والسلام العالمى « الذى كرَّسه للحديث عن الظاهرة الجديدة المرتبطة بظهور حركة عدم الانحياز وبدور الرئيس عبد الناصر فيها، فإنه كان يرد، ربما بقصد، على الذين كانوا يتهمونه بالتزمت. والمعروف أنَّ شقيقه أُدخل إلى السجن ولقى من التعذيب فى زنزانته مع آخرين من مثقفى اليسار ما لم يكن ممكناً قبوله. وكان ذلك مصدر خوف وقلق عنده، ومصدر همّ شاركه فيه مثقفو مصر الكبار من يسار ويمين ووسط، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يعلنون ولاءهم للرئيس عبد الناصر ولمواقفه الوطنية ولقراراته المتصلة بالشأن الاجتماعي. كان كتابه المُشار إليه تعبيراً واضحاً عن تقديره لموقف كان الوطنيون المصريون والعرب يعتزون بأنَّ زعيماً عربياً هو جمال عبد الناصر كان شريكاً مع زعماء كبار فى اتخاذه فى تلك الحقبة الدقيقة من تاريخ العالم، التى أعقبت صعود الصين إلى حلبة الصراع العالمي، والتى أعقبت نهاية حكم ستالين ومجيء خروشوف بديلاً منه أكثر ارتباطاً بمثل الاشتراكية وقيمها وأقل إساءة إليها.
إلاَّ أنَّ مسرحية « الفتى مهران « التى تقع أحداثها فى قرية مصرية فى عهد المماليك فى القرن الخامس عشر، هى مسرحية تتحدث بالرمز عن الحقبة التى سادت فى عهد الرئيس عبد الناصر، وتحاكم النظام الناصري، وتوجِّه أصابع الاتهام إلى التنظيمات الشيوعية التى حلَّت نفسها (1966) تلبية لدعوة الرئيس عبد الناصر جميع القوى الحيّة للإنضمام إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، كحزب تتوحَّد فى صفوفه الأمة فى مواجهة مصائرها فى تلك الحقبة الدقيقة الصعبة. وفى هذه المسرحية اتخذ الشرقاوى موقفاً شجاعاً فى التعبير عن آرائه ولو بالرمز الذى لم تخفَ مراميه على أحد.

فى عام 1980
قدم الشرقاوى إلى لبنان على رأس وفد من منظمة «تضامن شعوب آسيا وأفريقيا» لكى يبحث فى إمكانية تنظيم تظاهرة حول القضايا العربية باسم المنظمة وبمشاركة اللجنة اللبنانية لتضامن الآسيوى الأفريقي. استقبلته فى منزلى مع الوفد الذى كان مؤلفاً من أصدقائنا المشتركين الدكتور فؤاد مرسى وأحمد حمروش وسعد كامل ومحمود توفيق. وكنت قد كلّفت من قبل قيادة الحركة الوطنية اللبنانية بالحديث معهم حول الموضوع وبإعلامهم عن عدم استعدادنا للعمل مع أية مؤسسة رسمية أو شبه رسمية مصرية. كنت أعلمهم بذلك والمرارة تعصر قلبي. كانوا جميعهم من أعز أصدقائي. لكننى أعلنت اعتذارى لأصدقائى ولشعب مصر الشقيق الطيب عندما دعانى أحمد حمروش فى عام 1989 إلى ندوتين عقدتا فى القاهرة. إذ قلت فى المداخلتين اللتين قدمتهما فى الندوتين إن قرار الحركة الوطنية آنذاك كان خاطئاً لأننا دمجنا بين الموقف من الرئيس السادات والموقف من الشعب المصري. كان اعتذارى مدوياً. لكن الشرقاوى كان قد غادر الحياة قبل عام من ذلك التاريخ فلم تتح له فرصة الاستماع إلى اعتذاري.
سيظل عبد الرحمن الشرقاوى فى تاريخ الأدب المصرى شعراً ورواية ومسرحاً شعرياً، وفى تاريخ الثقافة المصرية عموماً واحداً من كبار رموزها.
لمزيد من مقالات كريم مروَّة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.