ما يخشاه الكثيرون اليوم أن تندلع نيران الفتنة العرقية المذهبية فى المنطقة من جراء اعلان مسعود البرزانى رئيس اقليم كردستان العراق عن اجراء استفتاء الانفصال عن العراق فى 25 سبتمبر القادم، والذى تزامن مع اعلان أكراد سوريا عن اجراء انتخابات لحكم محلى فى شمال سوريا يكون بداية لدولة فيدرالية تتمتع بحماية القوات الأمريكية.وبذلك فإن الأكراد ينفذون مخططا تحرص أمريكا على تحقيقه بعد أن فقدت معظم أوراقها بعد هزيمة الجماعات المسلحة، ومن ثم تتبنى اليوم مخططا يتم من خلاله تفتيت كل من العراقوسوريا. غير أنها وفى محاولة للتعتيم على دورها المشبوه خرج تيلرسون وزير خارجيتها ليدعو إلى تأجيل الاستفتاء وكأن أمريكا ضد استقلال الاقليم. وهو ادعاء كاذب. يدعم ذلك أن البرزانى ما كان يمكن له أن يمضى بكل هذه الثقة نحو اجراء الاستفتاء فى موعده دون أن يكون قد حصل على ضوء أخضر من أمريكا التى هى اليوم فى أمس الحاجة إلى الأكراد فى العراقوسوريا، فخطوة الاستفتاء على استقلال الاقليم تصب فى صالح أمريكا لا سيما بعد أن فقدت ورقة الجماعات المسلحة الموالية لها فى جنوبسوريا وبعد سيطرة الجيش العربى السورى على المعابر مع الأردن، وبالتالى لم يعد لأمريكا موطىء قدم إلا فى المناطق الكردية. مغامرة البرزانى ستكون خاسرة وستولد له عاصفة عاتية لن يكون قادرا على مواجهتها، فقد توجه الحكومة العراقية قواتها المسلحة إلى الاقليم بدعم تركى وايرانى للحيلولة دون أن يتحول الاقليم إلى شوكة فى ظهر الدول المحيطة. ليظل من الصعب على الأكراد اقامة دولة قابلة للحياة وسط عداء من الدول المجاورة التى تضم أقليات كردية وأعنى بها تركياوسوريا وايران، بالاضافة إلى عدم وجود منفذ لها على البحر وبالتالى تكون أى دولة كردية فى العراق مهددة بالانهيار لا سيما فيما إذا أغلقت الدول الثلاثة هذه حدودها معها. ما يشجع البرزانى على تبنى هذا السيناريو الخبيث هو أمريكا واسرائيل الداعمتان له، فعوضا عن أمريكا فإن إسرائيل تدخل على الخط بقوة من خلال نفوذها الواسع بين الأكراد على أساس أن استقلال الأكراد من شأنه تحقيق مراميها فى المنطقة. بيد أنه إذا تم تفعيل هذا السيناريو على الأرض سيكون وبالا على أكراد العراق وهم الفئة التى عاشت فترة ذهبية استثنائية على مدى العشرين عاما الماضية، فلقد استقلوا بالحكم عن بغداد وبات لديهم حكومة وبرلمان، وارتفع علمهم على المقار الرسمية، وتبادلوا الزيارات الرسمية مع الدول بدون تدخل الحكومة المركزية، وشاركوا فى ادارة العراق إلى جانب تفردهم بحكم كردستان. ولا أدل على ذلك من أن لهم منصب رئيس جمهورية العراق إلى جانب حصتهم فى البرلمان والمناصب الوزارية فى الحكومة المركزية، وينفردون بتوقيع عقود استكشاف وتصدير النفط من كردستان عبر تركيا. فهل يمكنهم اليوم التضحية بكل هذه المكاسب غير المسبوقة؟ حرام على الأكراد نسف قيم الاندماج فى المجتمع وهو السمة التى توثق مبدأ التعايش لا الانفصال، وترسخ فضيلة الانتماء للوطن الواحد وليس القطيعة معه. ومن ثم فإن دعوة الانفصال التى يسعى البرزانى إلى تحقيقها هى دعوة كريهة خطيرة تنذر بتفكيك الدولة وقد تمثل بداية لموجة جديدة من الاضطرابات العرقية والتى قد تمتد من العراق إلى خارجه. وتزداد خطورتها فيما إذا حذا حذوها كل الأقليات فى الدول العربية لنصل فى النهاية إلى عالم عربى مفكك الأوصال. دعوة البرزانى خطيرة بتداعياتها على المنطقة، ويكفى أنها تنسف التعايش وتطيح بالولاء للدولة.ولهذا نقول نعم لترسيخ التعايش ولا للانفصال.....