ندى عمران أصبح من باب المؤكد أن الأكراد قد عزموا على تحقيق حلمهم القديم الجديد فى إقامة دولة كردية، وذلك بعد أن أبلغ رئيس إقليم كردستان مسعود بارزانى، الاتحاد الأوروبي، رغبته بالانفصال، داعيا الدول الكبرى إلى التوصل لاتفاق يعيد رسم حدود الشرق الأوسط، بما يمهد الطريق أمام إقامة الدولة الكردية، والاعتراف بإخفاق اتفاقية سايكس بيكو التى رسمت الحدود الحالية للشرق الأوسط، وطالبهم بالتوسط فى اتفاق جديد يمهد الطريق لدولة كردية، فيما اعتبر أن العراقوسوريا لا يمكن أن يصبح كل منهما متحداً مرة ثانية، وأن التعايش الإجبارى أمر خاطئ، ويبقى أن ننتظر السيناريو المعد، والشكل الذى ستكون عليه تلك الدولة الوشيكة .
فقد قال البارزانى، أعتقد أن قادة العالم توصلوا إلى أن حقبة سايكس بيكو انتهت، سواء قالوا ذلك أم لم يقولوا، الحقيقة على الأرض كذلك، وأن الاستقلال الكردى أصبح الآن أقرب من أى وقت مضى. وتعد اتفاقية سايكس بيكو تفاهما سريا أبرم فى عام 1916، أثناء الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا العظمى وفرنسا، بموافقة روسيا على تفكيك الإمبراطورية العثمانية، وقد أدى الاتفاق إلى تقسيم المناطق التى كانت خاضعة للسيطرة العثمانية، وهى سورياوالعراق ولبنان وفلسطين إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية. وقد سميت الاتفاقية باسمى المفاوضين اللذين أبرماها وهما سير مارك سايكس البريطانى وجورج بيكو الفرنسى. وهذه ليست المرة الأولى التى يلمح فيها الأكراد إلى الانفصال، لكن التغييرات التى حصلت فى العامين الأخيرين، ودخول داعش إلى أكثر من مدينة عراقية، لا سيما احتلالها للموصل شمال العراق، يبدو أنه سيعد منعطفا مهما فى تغيير ديموغرافية المنطقة، وإعادة ترسيمها من جديد، وفق مطالبات الأكراد. وتقول حكومة كردستان إن حق الانفصال وتكوين الدولة الكردية، هو قرار ستذهب إليه الحكومة نهاية العام الحالى أو مطلع العام المقبل، وأنه طموح يسعى إليه الأكراد منذ سنوات. إن قيادات كردية، ومنظمات شعبية، وبرلمان الإقليم، وكل المؤسسات، اتفقت أن تذهب إلى استفتاء حق تقرير المصير، فيما أبلغت حكومة كردستان الاتحاد الأوروبى نيتها إجراء استفتاء شعبى على الاستقلال عن العراق، بالتفاهم مع بغداد، وفق تصريحات لمسعود بارزانى عن ضرورة إبرام اتفاق جديد ينص على إقامة دولة كردية. أما حدود الإقليم الجغرافية، فإنها ستضم المناطق المستقطعة وبضمنها كركوك، وزمار، وسهل نينوى، الذى يضم (تلكيف أو بعشيقة وشيخان)، وتعد محافظة كركوك من المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، وكل جهة تدعى عائديتها لها، ولم يحسم الدستور بعد عائديتها لأى جهة، ويبدو أن كركوك هى ستكون برميل الوقود القابل للاشتعال فى أية لحظة، مثلما هى كنز الذهب المضموم داخل الأرض، والذى يستحق أن تعلن لأجله دول انفصالها، حين تمتلك حق التصرف بثرواته التى لا تزال مخزونة تحت الأرض. وليس بعيدا عن هذا الطرح، المصادمات التى شهدها قضاء طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين بين الحشد التركمانى وقوات الأسايش الكردية، فى نوفمبر أواخر العام الماضى 2015 والتى راح ضحيتها عدد من المدنيين، وذلك عشية الاحتفال بتحرير سنجار التابعة لمحافظة الموصل، وطرد داعش منها.. كانت تلك الأحداث مفتوحة على احتمالات مواجهات طائفية وعرقية، وجرت اشتباكات مسلحة بين قوات البيشمركة الكردية، وقوات والحشد التركماني، أدت إلى سقوط عدد من القتلى، وإحراق عدد من المنازل وإلحاق أضرار مادية بالمبانى. مما دعا محللون سياسيون إلى التنبيه إلى أن حكومة إقليم كردستان تنتهج سياسة قضم المناطق المتنازع عليها، وأهمها كركوك. حكومة بغداد أعلنت رفضها لمشروع التقسيم، لكن مسعود البارزانى سارع إلى القول إننا سنعمل على استقلال بالتفاوض مع الشركاء، ومع حكومة بغداد، وما زلنا مصممين على الحوار وتسوية الأمور بشكل سلمى وهادىء، كما فعلت تشيكوسلوفاكيا حين انفصلت بدون إراقة الدماء. وفيما يتعلق بالموارد الاقتصادية، فإن الإقليم يعمل منذ عام 2003، بالاستثمار فى مجال النفط، بالاتفاق مع شركات نفط عالمية، ويصدر النفط من كردستان إلى ميناء جيهان التركي، ولديه اتفاقات مع شركات كبرى لمد أنابيب الغاز، كما يمتلك عدة موارد منها غاز الكيروسين، والزيوت، فضلا عن الثروة المائية والسياحة والزراعة والأنهار. لكن عندما يذهب ستة ملايين ونصف المليون كردى للاستفتاء على الانفصال نهاية العام الحالى أو مطلع العام المقبل، وذلك من أجل تحقيق ذاتهم، كما يقولون، فإن فكرة تقسيم العراق تكون قد سارت بالاتجاهات الصحيحة التى وضعها المخططون لكرة التقسيم، فقد برزت فكرة تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث عام 2014 لتتعكز عليها أمريكا بشأن القضاء على تنظيم داعش، وكان نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن قد اقترح فى عام 2006، فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق ذات استقلال شبه ذاتى للسنة والشيعة والأكراد. وما يعزز ذلك، هو تشكيل التحالف السنّى الذى نظمته مجموعة من القيادات العربية السنية، نهاية العام الماضي، ويتألف من ست محافظات هى الأنبار وبغداد ونينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، قالت إنه لتوحيد الجهود إزاء قضايا العرب السنة، فى مواجهة مواقف أحادية تنتهجها الحكومة التى يشكل الشيعة غالبيتها، وضم شخصيات سنية مهمة مثل أسامة النجيفى، رئيس اتحاد متحدون للإصلاح، ورئيس ائتلاف العربية صالح المطلك، ورئيس قائمة الحل جمال الكربولي، ورئيس تحالف القوى العراقية أحمد المساري، النائب عن ائتلاف الوطنية محمود المشهداني، وسلمان الجميلى وزير التخطيط، وعضو تحالف القوى العراقية محمد تميم، والقيادى فى كتلة ديالى هويتنا صلاح الجبورى، والنائب عن محافظة صلاح الدين شعلان الكريم والشيخ عبد الله عجيل الياور والشيخ محمد نورى العبد ربه، فضلا عن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري. وإذا كان إقليم كردستان قد امتلك مقومات الانفصال وإعلان الإقليم المستقل، فإن العرب السنّة لا يزالوا واقعين، تحت رحمة الحكومة والتحديات الأمنية التى تواجه مواطنيهم، لا سيما تلك الواقعة تحت تهديد داعش، وبإعلان الإقليم الكردى سيزول الكثير من الغموض وعلامات الاستفهام حول مستقبل داعش فى المنطقة سواء فى العراق أم سوريا، وتوقيتات بقائهم والحرب التى تستنزف خزينة الدولة وآليات التعامل مع الصفحات الجديدة من التغيير التاريخى للعراق. إن وجود آلاف المستشارين من الأمريكان والأستراليين والكنديين والفرنسيين فى كردستان، والعمل بصفة مستشارين أو مستثمرين أو مقيمين، لا يدخل فى باب السياحة بالتأكيد، لكنه يضع الأسس العملية لدولة وليدة، ستحطم حدود سايكس بيكو القديمة، وترسم سايكس بيكو جديدة، بملامح أمريكية صرفة. وكان الأكراد قد حصلوا على اتفاق للحكم الذاتى أيام الرئيس الأسبق صدام حسين تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتى للأكراد فى 11 مارس عام 1970 هى اتفاقية تم توقيعها بين الحكومة العراقية والزعيم الكردى الملا مصطفى البارزانى، حيث اعترفت فيها الحكومة العراقية بالحقوق القومية للأكراد مع تقديم ضمانات للأكراد بالمشاركة فى الحكومة العراقية، واستعمال اللغة الكردية فى المؤسسات التعليمية، لكن لم يتم التوصل إلى حل حاسم بخصوص قضية كركوك التى بقيت معلقة حتى ظهور نتائج إحصاءات لمعرفة نسبة القوميات المختلفة فى مدينة كركوك، وفى عام 1977 تم التخطيط لإجراء تلك الإحصائية المهمة، لكن اتفاقية مارس كانت ميتة قبل ذلك التاريخ، حيث ساءت علاقات الحكومة العراقية مع الزعيم الكردى الملا مصطفى البارزانى، خصوصا عندما أعلن البارزانى رسميا حق الأكراد فى نفط كركوك، واعتبرت الحكومة العراقية إصرار الأكراد بخصوص كردية كركوك كإعلان حرب، وهذا ما دفع الحكومة العراقية فى مارس عام 1974 إلى إعلان الحكم الذاتى للأكراد من جانب واحد فقط، حيث لن يوافق الأكراد عليها، حيث اعتبروا الاتفاقية الجديدة بعيدة كل البعد عن اتفاقيات سنة 1970، حيث لم تعتبر إعلان 1974 مدينة كركوك وخانقين وجبل سنجار من المناطق الواقعة ضمن مناطق الحكم الذاتى للأكراد.