أكثر من ثلاثة عشر عامًا مضت، والعراق ينزف دما، حروب لا تنتهي، ومعارك لا تتوقف، الطائفية تحصد الأرواح، الوطن يقسم، والثروات تنهب، والتاريخ يجري تزييفه، لم تعد هناك دولة،ولا جيش، الميليشيات تحكم وتتحكم، وفي خضم الأزمة غابت الشعارات الجميلة عن الحرية الموعودة، والعراق نموذجًا للديمقراطية، الذي سيمثل بداية الطريق الذي سيزحف إلي كافة العواصم العربية. مضت السنوات ثقيلة، أكثر من مليون شهيد، بحور الدماء لا تتوقف، الإرهاب يتفشي، والموت يطارد الأطفال ويخطف مستقبلهم، التعذيب، السجون، إهدار آدمية البشر، أبو مصعب الزرقاوي، أبو بكر البغدادي، القاعدة، داعش، فيلق بدر، الحشد الشعبي، الخوف ينتشر في كل مكان، والعراق ينهار أمام مرأي ومسمع من بوش وعصابته، وأوباما وزمرته، وأيضًا الحكام الذين مهدوا للغزو علي العراق. كان المخطط معروفًا، قبيل الحديث عن مبررات الغزو الكاذبة، والتي جاء تقرير لجنة التحقيق البريطانية التي ترأسها «تشيلكوت» ليؤكد أنها كنت مجرد أؤهام اصطنعوها، وأن السياسة حيال العراق تقررت علي أساس المعلومات الاستخباراتية والتقييمات الخاطئة. خرج علينا توني بلير بعد تقرير الأربعاء الماضي والمكون من نحو 2.6 مليون كلمة تنضح بالإدانة، ليقول لنا إنه شعر بالحزن والأسف بشأن حرب العراق، وإنه يتحمل المسئولية الكاملة عن اتخاذ القرار، وقبله كان قد ردد نفس الكلمات جورج بوش الابن، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي إبان الحرب، وكولن باول وزير الخارجية في هذا الوقت، جميعهم اعترفوا بخطأ التقديرات الاستخباراتية، حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل في هذا الوقت، سالت دموع التماسيح، ولكن بعد فوات الأوان. لم يكن هؤلاء وحدهم، لكن الأمر امتد إلي المواطنين الذين وقفوا معهم في ذات الخندق، وشكلوا طابورًا طويلاً يبرر للغزو ويمهد له، كاظم الجبوري الذي كان أول من حطم تمثال صدام حسين وأسقطه مع بداية الغزو يعلن عن الندم، ويتمني أن يعود صدام حسين مجددًا وقال: سأكون أول من يقف إلي جواره لأنه الأفضل، أما الكاتبة العراقية «سمر الألوسي» التي كانت واحدة من الذين أطلقوا سهامهم وكتاباتهم ضد صدام حسين، فقد راحت تبدي الندم، وتهيل الثري علي مواقفها السابقة وتقول وهي تنتحب علي صفحتها ب«الفيس بوك» الثلاثاء الماضي «اعتذر منك يا صدام حسين، لأنني رقصت وفرحت يوم سقوطك، لقد نسيت مجانية التعليم، ونسيت التغذية المدرسية، ونسيت الخدمات الصحية المجانية، ونسيت الصناعة العراقية، ونسيت الزراعة، ونسيت قضاءك علي الأمية، ونسيت الخطوط السريعة والأسواق المركزية والحصة التموينية، وعدم السماح بالطائفية، وتوزيع الأراضي، وقروض الزواج، وتوزيع السلع المعمرة للمتزوجين وحماية العراق، وإعدام اللصوص والخونة والسارقين، اعتذر منك لأنني لم أدافع عنك وعن بلدي». كانت «سمر الألوسي» المعارضة الشرسة لحكم صدام حسين تنطق بكلمات دامية، يطلقها كل العراقيين عدا الخونة منهم، الندم علي زمن صدام حسين، زمن العزة والكرامة، وحماية الأرض والعرض، زمن التصدي للمعادين للعروبة، زمن فرسان وحماة البوابة الشرقية للأمة العربية. منذ ثلاثة عشر عامًا مضت، كانت حرب الأكاذيب في الإعلام وداخل الأممالمتحدة وفي المنتديات والمؤتمرات لا تتوقف، كانت حربًا رخيصة، استهدفت غزو بلد عربي وتحطيمه ونهب ثروته وتفكيك جيشه وتسليمه للعناصر الإرهابية المتطرفة لتمزق جسده وتقطع أوصاله، حتي لا يعود مرة أخري، يتصدي ويواجه. فعلوا أكثر مما فعله «هولاكو» الذي دمر عاصمة الرشيد ونشر الموت في انحائه، لقد ذبحوا العراق بمنهجية ووحشية لا يحسدون عليها، فتحول الوطن إلي ساحة مستباحة، وغطت الدماء علي مياه دجلة والفرات، تشرد العراقيون في أرجاء المعمورة، يبكون وطنًا كان من أجمل الأوطان. كأنني أسمع صوت أم كلثوم تشدو كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وتغني «بغداد يا قلعة الأسود، يا كعبة المجد والخلود، يا جبهة الشمس للوجود، سمعت في فجرك الوليد توهج النار في القيود، ويبرق النصر من جديد، يعود في ساحة الرشيد». رغم الألم والحزن، رغم الدمار والموت، لكن الأمل يبقي، هكذا علمتنا دروس التاريخ، والحروب التي دمرت بغداد، فعادت قلعة للأسود التي أكدت للعالم أكثر من مرة أنها كعبة المجد والخلود. أدرك أن المؤامرة هذه المرة كانت كبيرة وأن المخطط لم يكن اعتباطيًا، بل كان البداية التي ستنطلق من هناك إلي كل انحاء وطننا العربي الكبير، كانت المؤامرة تقول علي لسان مدير الاستخبارات الأمريكية السابق «جيمس ويلسي» «العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف استراتيجي، ومصر هي الجائزة الكبري»، وها هو المخطط ينطلق ليأخذ في طريقه العديد من العواصم، وينشر الحرب والموت والدمار.. لينتج في النهاية شرق أوسط جديد، خال من العروبة والوطنية، والعقيدة والإيمان، أمة يعاد إنتاجها لتقبل بالسيادة الصهيونية الامبريالية ونعود نحن عبيدا نقدم الثروات ونركع لولاة أمورنا الجدد، ليدفعوا بنا إلي آتون التخلف والسقوط من جديد. الآن وبعد أن تكشفت الحقائق، التي قلنا بها منذ زمن طويل، الآن هل يعتذر الصحفيون والإعلاميون الذين مهدوا للغزو، وهل يعتذر من كانوا مجرد أدوات فتحت الطريق وعبدته أمام سادة العالم الجديد، أم أنهم سيبقون يكابرون ويبررون، أو يطنشون، أظن أنهم لن يمتلكوا شجاعة الاعتراف بالحقيقة. أما أنت يا شعب العراق، يا من تصديت، وضحيت كثيرًا من أجل الأمة، يا من قاتلت وصمدت، وفتحت أبوابك للعرب من كل حدب وصوب، آن لك أن تنتفض، وأن تزيل عنك غبار السنين وأن تداوي جراحك، وتعود لتبني مجدك من جديد. حتمًا سيعود العراق ولو بعد سنين، أما أنت يا صدام، فقد عشت رجلاً، ومت بطلاً، وليخسأ الخاسئون!!