ترك الملايين وقرر العودة إلي مصر لتولي المسئولية في ظروف بالغة الصعوبة والمخاطر استطاع أن يقدم نموذجا للمسئول الميداني ومن قبل أنقذ المقاولين من خطر الإفلاس واجه المشاكل بلا تردد.. ولكن بعض من جاء بهم خذلوه قرار إقالته كان مفاجئا.. وللرئيس أسبابه أقول 'للمتنطعين' انزلوا إلي الشارع واسألوه عن 'إبراهيم محلب' كان يدرك منذ البداية، أنه جندي في كتيبة الوطن، كان يقول دائمًا، أنا مجرد مواطن، أنا واحد من أبناء هذا الشعب العظيم.. منذ سنوات طوال عرفته، لا يعرف الطريق إلي الهدوء، يصحو في الخامسة من صباح كل يوم، يتوجه إلي نادي المقاولين العرب ليكون أول الحاضرين هناك. استطاع بفكره ورؤيته أن يحدث نقلة نوعية في الشركة التي تعرضت لخسائر فادحة، كان ذلك هو التحدي الأكبر في مواجهته، احتوي الغاضبين، وأعاد حق المظلومين، وبدأ في فتح الأسواق المغلقة، ثم جاء بتقاريره أمام برلمان 2005 2010، وكنا جميعًا نفاخر بها ونشيد به أثناء المناقشة. بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإعلان الحرب 'المكارثية' علي الجميع، تم عزل إبراهيم محلب من منصبه كرئيس لمجلس إدارة المقاولين العرب، كانت جماعة الإخوان له بالمرصاد، أتذكر أنه في عام 2012، التقينا أنا وهو والأستاذ عبد النعيم آدم عضو مجلس إدارة المقاولين في لقاء خاص جلسنا ندرس هموم الوطن ومخاطر الإخوان، يومها التقانا اللواء محمد أمين عضو المجلس العسكري، جلس معنا لبعض الوقت، وكنا جميعًا مهمومين، لكن الأمل لم يفارقنا. حكي لي إبراهيم محلب في هذا الوقت عن مؤامرات الإخوان ضده وكان همه هو شركة 'المقاولين العرب' قال أشعر بأنهم يريدون تخريبها، وهذه ستكون كارثة، الشركة واحدة من أعمدة الاقتصاد في البلد. بعد الجلسة المطولة مضي إبراهيم محلب، كنت أشعر بحسرته علي الشركة ومخاوفه علي الوطن، غادر إلي السعودية تلهفت عليه الشركات الكبري، فتحت له الحكومة السعودية كل الأبواب بلا حدود، بلغ راتبه مبلغًا خياليًا، كان يؤلمه أن يزج باسمه في قضية القصور الرئاسية بصفته رئيسًا سابقًا لشركة المقاولين العرب، ووضع اسمه علي قائمة 'الترقب' في المطارات والموانئ، بلا ذنب أو جريرة، كان يحدثني من هناك، وكنت أحادثه هاتفيا، وكان يقول لي 'كل الدنيا لا تهمني ولكن أن امنع من دخول بلدي، هذا يجعلني أموت في اليوم ألف مرة، أموال الدنيا كلها لا تهمني، ولكن مصر في دمي، لا أستطيع الابتعاد عنها'.. مضت الأيام واندلعت ثورة الثلاثين من يونيو، وبعد التحقيقات التي جرت في القضية في زمن حكم مرسي، استبعد محلب من أية مسئولية، تم الاتصال به وعرض عليه منصب وزير الاسكان، مصر محتاجة لك، قال محلب لمحدثه 'أسيب الدنيا كلها وآجي اشتغل عامل في مصر'. في ساعات محدودة أنهي كل أعماله وقرر العودة، في اليوم الثالث من عودته كان قد عين وزيرا للاسكان، اتفقنا أنا وهو شقيقي محمود والوزير عادل لبيب علي أن نلتقي علي حفل إفطار في فندق 'الموفنبيك' بالسادس من أكتوبر، وكان محلب يومها يتحدث عن معني 'الوطن والناس' بالنسبة له، وكان علي ثقة من أن الفريق أول السيسي سيكون خيار الشعب المصري القادم، وكان يقول لو أن السيسي لم يفعل شيئا في حياته سوي انحيازه للشعب في 30 يونيو، لظل بطلا طيلة الدهر.. مضت الأيام سريعا، وبعد اختياره في 24 فبراير 2014 رئيسا للحكومة وأدائه القسم، التقيته في ذات المساء بمبني مجلس الوزراء، وتحادثنا طويلا في المرحلة 'القادمة' وكان الرجل متفائلا رغم الظروف الصعبة، وعندما قلت له 'أنا أشفق عليك'، قال 'علينا أن نتكاتف وأتمني من الإعلام أن يعطينا الفرصة وأن يتم التوقف عن التشكيك، نحن جميعا أبناء لمصر ومستعدون لتقديم أرواحنا. قلت له: عليك أن تتحمل، حملات بعض الإعلاميين والنشطاء لن تتوقف. قال: إذا كانت صحيحة، سأراجع نفسي، أما غير ذلك فثق أنني سأمضي في الطريق. ظل مكتبه مفتوحا للجميع، كنت أقول له: أخاف عليك من الزيارات الميدانية والمفاجئة دون حراسة تذكر، فكان يقول 'الروح ياخدها ربك.. لازم نطمن الناس'. وعندما زار محافظة قنا علي رأس وفد من 6 وزراء و10 محافظين لافتتاح مشروع التنمية المحلية للمشروعات الصغيرة، دعاني اللواء عادل لبيب للمشاركة في الاحتفال، وعندما ذهبت وقابلت إبراهيم محلب، قلت له: يجب أن تزور بلدتنا، دار الأيتام والمعوقين، اعترضت المراسم لضيق الوقت، واعترض الأمن لأن المطلب لا يوجدفي الخطة والمخاوف الأمنية واردة، لكنه قال أمام مرأي من الجميع 'مصطفي ومحمود دول أعز أخواتي'.. وأنا حروح بلدهم 'المعني' مهما كان، وبالفعل قام بزيارة دار الأيتام ودار المعوقين، ثم عاد ليكمل زيارته.. يمتلك إبراهيم محلب قلبًا نقيًا، وروحا انسانية عالية، وعزيمة علي العمل لا تلين، التقيته في السابعة صباحا في مكتبه، والتقيته في الواحدة صباحا، وأتحدث معه أنا وغيري في أي وقت، ذاكرة حديدية، وعطاء لا يتوقف. هناك أخطاء في اختيارات بعض المسئولين، هذا أمر وارد، وهناك أخطاء في بعض السياسات أمر لا يمكن انكاره، وهناك تراجع في معدلات أداء البعض هذا طبيعي، وهناك 'محافظون' نالوا من رصيده، كل ذلك من الأمور التي تعودنا عليها وأصبحت للأسف جزءا من 'ثقافتنا' ولكن محلب كان يحاول الترشيد دوما، ووصل به الحال إلي حد عزل رؤوساء أحياء ومديري مستشفيات.. إن التاريخ وحده الذي سيقيم فترة تولي 'محلب' رئاسة الحكومة، غير أن رصيده الشعبي لا يزال عاليا، فالناس تعاملت معه علي أنه منهم وبيشتغل وبيحب البلد، ورصيده من المقاولين العرب حيث قضي فيها 11 عاما وبعد خسارتها 4.5 مليار أصبحت رابحة، مرورا بكل المحطات يجب أن يوضع في حسبان التقييم الموضوعي. كان الحديث يدور علي أن محلب سيبقي حتي انتخابات البرلمان، وستكون هناك حكومة جديدة في هذا الوقت، أو من يدري، وكانت المعلومات تقول إن ما سيجري هو مجرد تعديل ينال ستة أو سبعة وزراء وعددا من المحافظين، لكن المفاجأة حدثت والقت بدويها بعيدا، فراح البعض يقول إنها قضية الفساد الأخيرة، وهناك من قال هذا بسبب انسحابه من المؤتمر الصحفي في تونس، وهناك من قال اختياراته لم تكن دقيقة في الوزراء والمسئولين وأنه جامل البعض، إلي غير ذلك من التحليلات والآراء.. قولوا ما تقولون، واطرحوا أسبابكم كما تشاءون، ولكن انزلوا إلي الشارع واسمعوا رأي الناس في 'إبراهيم محلب'، هنا ستكون الفارقة الكبري، وهذا هو الاستفتاء الحقيقي علي المسئول. مشاعر 'الناس' وأحاسيسهم لا تكذب، وأقل تكريم لإبراهيم محلب أن نقول له 'شكرًا' مصر لا تنكر جهود أبنائها المخلصين وتخلد في ذاكرتها، الشرفاء والمحترمين أما قرار إقالته في هذا الوقت فللرئيس أسبابه وقد ينتقل محلب إلي موقع آخر، لأن خبرته وقدرته علي العطاء تتأكد يوما بعد يوم.