اعتاد الإنسان علي جسده فلم يعد يثير انتباهه، إلا أن الأمر كان مختلفًا تمامًا بالنسبة لمايكل أنجلو أحد أعظم أقطاب عصر النهضة ومؤسسيه، إذ رأي في جسد الإنسان ما يستحق التأمل والاستغراق، فراح يصور الأجساد بتفاصيلها المركبة رسمًا ونحتًا في محاكاة عبقرية كادت بها أعماله أن تحادث ناظريها من شدة الإتقان. وتمثال 'داوود' البالغ ارتفاعه حوالي 5.2 مترًا، والذي كُشِف عنه النقاب عام 1504 يُعَد واحدًا من أروع تلك الإبداعات لمايكل أنجلو حيث يجسد فيه الملك داوود أحد أهم أنبياء العهد القديم وهو عارٍ تمامًا!! ورغم توافد الآلاف من جميع أنحاء العالم سنويًا علي متحف أكاديمية فلورنسا للفنون بإيطاليا لمشاهدة التمثال، إلا أن الأستراليين من سكان ملبورن لم يرحبوا به عندما اشتري زوجان مسنين نسخة طبق الأصل منه لوضعها في حديقة منزلهما الكائن بأحد ضواحي المدينة.. فالبعض رأي التمثال مسيئًا ومقززًا، والبعض رآه غير مناسب للمكان، ومنهم من اعتبره خادشًا للحياء، وبمضي الوقت أخذت حكاية التمثال تنتشر في أرجاء المدينة الكبري حتي أصبح عنوان المنزل معروفًا لدي الكثيرين الذين كانوا يأتون من أحياء بعيدة لمشاهدة التمثال والتقاط الصور معه، مما أدي إلي استجلاب الغرباء إلي المجمع السكني الهادئ الذي يضم المنزل الشهير فتكدست الشوارع بالسيارات والمارة المزعجين. وكل يوم كانت الأصوات المعارضة تتضاعف حتي وصلت إلي آذان المسئولين بمجلس المدينة الذين لم يجدوا في القوانين ما يخول لهم إلزام مالكي التمثال بإزالته.. لكن استمرار موجات الاستنكار والرفض من الجيران تجاه التمثال هو ما دفع أصحابه إلي رفعه من الحديقة الأمامية للمنزل وإخفائه بعيدًا عن العيون.. بل ذهب الخوف بهم إلي اتخاذ نفس الإجراء مع نافورة صغيرة عبارة عن نسخة مقلدة لتمثال قديم ببروكسل يصور طفلًا عاريًا يتبول في حوض النافورة، لينتهي الأمر بالتمثالين إلي الإنزواء في ركن منعزل بالمساحة الخلفية للمنزل، ولا أحد يستطيع رؤيتهما إلا العجوزان المغلوب علي أمرهما!! وهكذا فبالرغم من أن 'أستراليا' هي واحدة من أثمن درر التاج البريطاني حيث الديمقراطيات العريقة والحريات الطليقة، غير أن ذلك لم يشفع لزوجين من عشاق الفنون اللذين استسلما في النهاية لضغوط الجيران الاستراليين، واضطرا إلي التنازل عن حقهما المزعوم في الاستمتاع المطلق بالفن والإبداع بلا قيود. [email protected]