في كتابه 'تشرشل وهتلر والحرب غير الضرورية' وجه السياسي الأمريكي 'باتريك بوكانن' انتقادات لاذعة إلي 'ونستون تشرشل' متهماً إياه بالسذاجة، والرعونة في اتخاذ القرارات، وبارتكابه العديد من الجرائم المخالفة للمواثيق الدولية خلال الحرب العالمية الثانية، التي يري الكاتب أنه كان يمكن تلافيها لولا الأخطاء التي وقعت فيها بريطانيا برعاية تشرشل. كذلك راح الباحث الإنجليزي 'كريستوفر كاثروود' في كتابه 'حماقة تشرشل' يفند ملابسات قيام الملكية الكرتونية التي ساهم تشرشل في فرضها علي العراق لتحقيق خريطة الشرق الأوسط الجديدة التي رسمها في مخيلته، متجاهلاً مخاطر تلك التركيبة المستحيلة.. مما ساق الأحداث إلي المشهد الحالي في العراق الذي لا يزال ينتظر الأسوأ كل يوم، مُصَدراً تداعيات تشرذمه إلي المنطقة بأسرها. ولكن تلك المآخذ لم تستطع النيل من تاريخ السير ونستون تشرشل، السياسي المُحنك، ابن الحسب والنسب، صاحب الكاريزما النادرة، والمواهب المتنوعة، وحاصد الكم الهائل من الألقاب، والمناصب، والأوسمة عبر سنوات عمره التسعين.. إذ كان ضابطاً بالجيش، وأميراً للبحرية، وعضواً بمجلس العموم، ووزيراً للصناعة، والتجارة، والخزانة، والطيران، والداخلية، والذخائر، وشئون المستعمرات، والحربية، ورئيساً لوزراء بريطانيا.. وهو أيضاً المراسل العسكري، والكاتب، والمؤرخ، وكذلك الرسام، والروائي الحائز علي جائزة نوبل في الأدب، بل ولاعب البولو الماهر. وبالطبع لا يُعقَل أن يعتلي الرجل مراكز علي هذه الدرجة من الأهمية خلال أخطر حقبة مرت بها بلاده لولا عقليتة الفذة وشخصيتة الأسطورية.. ما دعا مليون مواطن للتصويت له كأعظم العظماء المائة في تاريخ بريطانيا. ومع بلوغه الخامسة والسبعين، وأثناء فترة توليه رئاسة الوزراء عام 1949 بدأ تشرشل يتعرض لسلسلة من السكتات الدماغية أثرت علي نطقه ومشيته، وتراجعت بقدراته العقلية والجسدية، وانتابته نوبات اكتئاب شديدة كأحد الأعراض المصاحبة لمرض 'الاضطراب الوجداني ثنائي القطب' الذي أصابه.. ورغم ذلك كان تشرشل ينكر علته ويتحداها محاولاً إما الصمود والبقاء، أو الموت واقفاً. وفي عام 2006 أقامت إحدي الجمعيات الخيرية المختصة برعاية المرضي النفسيين تمثالاً بارتفاع 2.75 متر يصور 'تشرشل' وهو مرتدٍ القميص ذا الكمين الطويلين الخاص بذوي الأمراض العقلية، ونصبته في قلب مدينة 'نورويتش' بإنجلترا.. فتعالت صيحات الغاضبين بسبب ظهور تمثال رأوا أنه يسيء لأهم رموزهم الوطنية، ودخل حفيد تشرشل علي الخط مستنكراً، كما أصدرت العائلة بياناً تشجب فيه التمثال وتوجه اللوم لصانعيه، كذلك لم يتباطأ مجلس العموم في إدانة الواقعة، وطالبوا جميعاً بضرورة إزالة التمثال.. في حين عللت الجمعية فعلتها بأن الاقتداء بتشرشل سيحث ضحايا الاكتئاب علي الاعتراف بمرضهم، ومن ثم الامتثال لبروتوكولات العلاج بعد التخلص من الاحساس بالعار الذي يحاصرهم. لكن تبريرات الجمعية لم تفلح في منع إصدار الأمر بسرعة إزالة التمثال.. احتراماً لكرامة بريطانيا، ورمزها، وشعبها.