كم كنت اتمني أن تسارع جميع قنواتنا الفضائية بإيقاف عرض جميع المسلسلات التي تتسابق في تناول مشاهد العري والمخدرات والقبح بعد العمليات الإرهابية في سيناء واستشهاد عدد من جنودنا.. هل من المعقول يا سادة أن يضحي هؤلاء الأبطال بأرواحهم وتسيل دماؤهم الطاهرة بينما نري علي الشاشة الصغيرة هذا التسابق في الخلاعة والعري، وما يجري داخل الكباريهات وبيوت الدعارة؟! وماذا كان يجري لو تنازل كبار الفنانين والفنانات عن أجورهم الرمضانية الفلكية لصالح الشهداء، ويتنازل أصحاب القنوات أيضًا الذين يجمعون مئات الملايين من الحصيلة الإعلانية؟ إنه لغز محير أيضًا أن نري تلك العثرة لقنوات فضائية كبري بما جعلها تعجز عن سداد مديونياتها، بل ورواتب مذيعيها مما اضطر بعضهم إلي الرحيل الإجباري هل نقول إنه سوء إدارة وتخبط قرارات؟! وهل كان واجبًا علي من رحلوا أن يقفوا إلي جانب قنواتهم في ظروفها العصيبة لدواعي الانتماء بعد أن اغدقت عليهم ولا يتركونها بعد توقف مؤقت لتلك الرواتب المجزية؟! ربما يكون المشاهد قد أعاد حساباته وانصرف فجأة عن برامج بعينها في قناة أو أخري تبين له بعد طول انتظار أنها برامج عديمة الجدوي، وترتب علي ذلك وقوع هذا الزلزال الإعلامي.. فهل نقول إن الساحة الإعلامية في الفترة المقبلة سوف تخلو من إعلاميين وإعلاميات بعد أن اهتزت صورتهم أمام المشاهد وسقطت الأقنعة وتبين أنهم يمثلون إساءة بالغة لتلك المهنة؟! هل نقول إن عددًا ليس بالقليل من إعلاميين وإعلاميات قد ضلوا طريقهم وجانبهم الصواب حينما ظل شاغلهم الشاغل جذب المشاهد بكل السبل وصولًا لتواصل وتعاظم الجلب الإعلاني بما يضمن بقاءهم في موقعهم وتزايد دخلهم من الحصيلة الإعلانية؟! ومع ذلك فما تفسير أن تحظي برامج بعينها علي أعلي نسبة مشاهدة في الفترة الماضية، ثم يصاحب ذلك تعثر مالي مفزع للقناة التي تبث تلك البرامج؟! هل نلوم المشاهد لأنه انصرف عن برامج جادة هادفة وسارع بتحويل الريموت إلي برامج للسحر والشعوذة والمثليين لنجدها احتلت موقعها في الصدارة دون استحقاق؟ ما الذي عاد علي المشاهد من رؤية حلقة كاملة عن شاب تحول إلي فتاة أو ضبط مجموعة من الشواذ في إحدي الحمامات الصحية؟! ألم يكن الأجدي التركيز علي هموم المواطن ومواجعه والاستماع إلي مطالبه؟! هل من المعقول أن يتوقف برنامج لهذا الكاتب القدير الذي سبق ترشيحه لمنصب وزاري لمحدودية الفاصل الإعلاني لديه؟! بينما تبقي برامج أخري تافهة لا لون لها وكأن العدوي انتقلت من الأفلام السينمائية الهابطة إلي الشاشة الصغيرة، هل معقول أن يضرب بالتخصص عرض الحائط لنري هذا الشاب المنفلت يسب الآئمة ويتطاول علي رجال الأزهر ويصفهم أنهم فاقدو الصلاحية ويشكك في الأحاديث النبوية؟! والغريب أن قناته فتحت له ذراعيها!! حتي هذا الإعلامي الذي له مواقف تسجل له يهل علينا بفتوي دينية مؤداها أن تارك الصلاة لا عقاب عليه في الآخرة والعبرة برصيده من الحسنات، هل من اللائق أن نجد من يضع السم في العسل واعتاد عن عمد أن ينقل تلك الصورة السوداوية؟ بما يولد مزيدًا من الإحباط واليأس لتصبح الدولة بأكملها في ظلام دامس دون أدني اعتبار لعمليات التخريب المتواصلة في أبراج الكهرباء، وحينما يتطاول مواطن علي محافظ ويرد الأخير عليه يصبح مدانًا ونطالبه بالاعتذار، وكأن المسئول قبل المنصب لا يهان وفقًا لعرف هؤلاء الإعلاميين، ونأتي بمدير مدرسة في أحد البرامج لتصب عليه الإهانات واللعنات في كل مداخلة ونبرر ذلك أن تلميذًا أُصيب لديه، وحينما يضرب معلم أحد التلاميذ تقوم الدنيا ونجيء بعد ذلك نبحث في انهيار العملية التعليمية وانتكاستها وضياع هيبة القائمين عليها، كيف نري أمام أعيننا هذا الانتشار المفزع المذري لإعلانات يندي لها الجبين دون حسيب أو رقيب عن المنشطات الجنسية وملحقاتها؟! وكيف يتحول الرجل بقدرة قادر إلي حصان طاقته بلا حدود؟! وإعلانات فك السحر والإسراع بقدوم زوج المستقبل إلي هذا الحد يجيء الاستخفاف بالمشاهد، كيف يتسابق المهرولون في تلك القنوات إلي الفوز بهذا النمط الإعلاني المسيئ لهم ولقناتهم ولكل من يعمل بها؟ أليس هذا الانفلات الإعلاني لا بد أن يصاحبه انفلات إعلامي مماثل؟! هل من المصلحة أن نجد في هذا التوقيت الحرج دعاوي لا هدف منها سوي الهدم وإحداث البلبلة سواء المطالبة بخلع المرأة للحجاب أو ما اتحفتنا به تلك المخرجة أستاذة الإباحية والتي تراجعت عن قولها المخزي مبررة أن اللفظ خانها؟! لمصلحة من أن نجد حلقة كاملة عن إلغاء تجريم تعاطي المخدرات، بينما البيوت يملؤها الفزع من شبح الإدمان؟! وما جدوي هذا الهجوم غير المبرر علي ثورة يناير ووصفها أنها مؤامرة، وكأننا نسعي إعلاميًا إلي الوقيعة بين فئات المجتمع؟! وما جدوي أن نأتي براقصة اعتزمت دخول البرلمان لتثري المناقشات حول عودة القيم لمجتمعنا؟! كيف تقوم الدنيا ولا تقعد لنجد ما تسمي بسيدة المطار مادة مقررة ومفروضة لتحتكر كل الشاشات؟! هل هو إفلاس؟! هل رأينا بالفعل التزامًا بالحيدة من جانب إعلامنا أم أن كثيرًا من الحوارات توجه وفقًا لأهواء رؤساء القنوات وبناء علي مصالحهم؟! هل هناك أمل أن تنقح هذه المهنة مما يشوبها ويسيء إليها وحتي لا يحمل لقب إعلامي كل من هب ودب؟! هل نأمل سرعة قدوم البرلمان حتي لا نري إعلاميين ينصبون أنفسهم نوابًا عن الشعب لهم الجدارة في ملء الفراغ وأداء دور رقابي له فاعليته؟! هل من اللائق أن نري إعلاميين يتعالون في الحوار علي المسئول ويتهكمون عليه ويستخفون بتصريحاته؟! هل أصبح بالفعل رؤساء بعض القنوات الفضائية فوق المساءلة؟! هل من تشريع عاجل يضع الضوابط التي تكفل تصحيح المسار الإعلامي وانطلاقه نحو أهدافه الوطنية بعيدًا عن الإثارة والهدم؟!