مِسكين الحمار في بلادي شأنه شأن سائر المخلوقات، وعلي رأسها البشر أنفسهم!! ولكونه رفيقاً للإنسان علي مر الأزمان، بل شريكاً له في العديد من الإنجازات.. فليس غريباً أن يتقاسم معه البؤس والإحباط كلٌ من موقعه، وحسب طموحه!! وما بين الزهد والجَلَد عاش الحِمار معطياً ظهره للدنيا، حاملاً صاحبه وأثقاله معه، محتملاً غِلظته وأنانيته.. لم يأخذه الفضول يوماً لمعرفة ماذا يَجُر خلفه، أياً كان أسفاراً أم أصفاراً فالأمر لا يعنيه في شيء، فقد ترك المعرفة لبني الإنسان واكتفي هو بفطرته التي لا تخطئ!! ولأنه كائن أعجم فلا مجال عنده للنميمة أو الثرثرة.. وقت العمل للعمل بجَد، بينما لا تتعدي أجرته حفنة من الدريس وأخري من الماء، وأشباراً للنوم أحياناً.. مما أغري البشر علي تسخيره في تجارتهم، وزراعتهم، ورعيهم، يعاونهم في كل شيء وأي شيء.. في الكوارث والاضطرابات يحمل المعونات للمنكوبين واللاجئين.. يشارك وقت الحروب في نقل السلاح والعتاد، بجانب القتلي والجرحي عبر الطرق الوعرة.. وثقةً منهم في قدرته الفذة علي الذهاب والإياب بمفرده حرص المناضلون الفلسطينيون علي تجنيده أثناء الانتفاضات المتعاقبة لإمدادهم بالحجارة وقِطع الزجاج المكسور. حتي الإرهابيين لم يتركوا الحمار في حاله فكثيرا ما حَملوه بعبوات ناسفة وفجروه عن بعد بمجرد وصوله للهدف المطلوب.. أما إحرازه المستحَق للقب 'صديق المهربين' فهو نتيجة طبيعية للزج به قسراً فيما لا يمكن إحصائه من عمليات التهريب المنظمة عبر الحدود.. تلك الانتهازية البشرية لم تراعِ ذلك المخلوق الذي ورد ذكره في جميع الأديان، وكان رمزاً للآلهة عند قدماء المصريين، وكذلك الإغريق والرومان، كما تناوله الأدباء والشعراء المصريون والعرب ونظرائهم من مختلف أنحاء العالم.. فيما لا يزال الحزب الديمقراطي الأمريكي 'حزب أوباما' يتخذ الحِمار شعاراً له حتي اليوم. ويبدو أن الضمير الإنساني 'إستشعر الحرج' مع بدايات القرن الماضي، فظهرت أندية وجمعيات للحَمير في انجلترا، وفرنسا، ومصر، وسوريا، ولبنان، والأردن، والعراق.. حتي أن جمعية حمير كردستان تحولت عام 2010 إلي حزب سياسي، وفي ساحة 'نالي' بوسط السليمانية قام 'عمر كلول' رئيس الحزب بإزاحة الستار عن تمثال نصفي لحمار يرتدي بذلة، وقميص، ورابطة عنق طويلة تتدلي علي قاعدة التمثال البرونزي الذي نحته الفنان الكردي 'زيرك ميره'، ولكن بعد أسبوع واحد من نصبه قام مجهولون بإتلاف أجزاء منه، فقرر 'ميره' عمل تمثال آخر للحمار بتصميم مختلف، وتم الاحتفال بنصبه في حديقة 'آزادي' بالسليمانية'. ورغم حل الحزب عام 2014 لعدم قدرته علي الصمود في المعترك السياسي، ومع استمرار الجدل حول التمثالَين.. إلا أن أحداً لم يجرؤ علي إهانة الحمار كرمز سابق لحزب منحل.. بينما فعلوها في وقاحة نادرة برأس الفرعون عنوان 'مصر' صاحبة أعظم حضارة في زمانها، وإلي منتهي الأزمان. [email protected]