ادعت هروبها من مصر.. لميس الحديدي تهاجم نعمت شفيق: كنا نعتبرها أيقونة مصرية    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    أكسيوس: أعضاء بالكونجرس الأمريكي "يهددون" الجنائية الدولية بعدم اعتقال مسئولين إسرائيليين    إصابة محمد الشناوي في مران الأهلي (خاص)    عفت نصار: مستوى الأندية الإفريقية تراجع.. والدوري لن يستكمل هذا الموسم    "شوبير أم الشناوي".. مفاجأة كبرى في حديث يانكون مع حراس الأهلي    تشكيل بايرن ميونخ المتوقع أمام ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    أشرف زكى: "هناك نهضة فنية فى معظم الدول العربية لكن لا يزال الفن المصرى راسخًا فى وجدان الأجيال"    بين تقديم بلاغ للنائب العام ودفاعٌ عبر الفيسبوك.. إلي أين تتجه أزمة ميار الببلاوي والشيح محمَّد أبو بكر؟    بعد إنكاره لوجود أدلة أثرية للأنبياء في مصر.. زاهي حواس: آرائي مبنية على تحليل للنصوص والكتابات    هذه المشروبات تنعش الجسم وترطبه في الأجواء الحارَّة    باحث في الأمن الإقليمي: مظاهرات الطلبة بالجامعات العالمية ضاغط على الإدارة الأمريكية    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    موسم مبشر.. حصاد 14280 فدان بصل بالوادي الجديد (صور)    أستاذ مناخ يكشف أسباب الأعاصير في اليمن والسعودية والإمارات    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    أحمد سالم: أزمة بوطيب مستفزة ومصر كانت أولى بهذه الدولارات.. وهذا تفسير احتفال شلبي    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة بقنا    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    الجنائية الدولية تأخذ إفادات العاملين بالمجال الصحى فى غزة بشأن جرائم إسرائيل    بالأسود الجريء.. نور الزاهد تبرز أنوثتها بإطلالة ناعمة    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    محلل سياسي: أمريكا تحتاج الهدنة وتبادل الأسرى مع المقاومة أكثر من إسرائيل    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصدر أمني يوضح حقيقة القبض على عاطل دون وجه حق في الإسكندرية    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    متحدث الحكومة يرد على غضب المواطنين تجاه المقيمين غير المصريين: لدينا التزامات دولية    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    مجدي بدران يفجر مفاجأة عن فيروس «X»: أخطر من كورونا 20 مرة    سر طول العمر.. دراسة تكشف عن علاقة مذهلة بين قصر القامة والحماية من الأمراض    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    تعيين إمام محمدين رئيسًا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    إذاعة القرآن الكريم تحيي ذكرى رحيل القارئ الشيخ أحمد سليمان السعدني    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    جامعة المنصورة تكرم نقيب المهن التمثيلية خلال ندوة الصالون الثقافي    7 معلومات عن تطوير مصانع شركة غزل شبين الكوم ضمن المشروع القومى للصناعة    محطة مترو جامعة القاهرة الجديدة تدخل الخدمة وتستقبل الجمهور خلال أيام    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    مدير تعليم دمياط يشهد ملتقى مسؤلات المرشدات بدمياط    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكري يكشف في كتاب لغز المشير لماذا رفض طنطاوي الانقلاب علي مبارك في 29 يناير؟!

بعد رحيل مبارك المشير يطلب من رئيس المحكمة الدستوريه تولي منصب الرئيس . طنطاوي حذر من المخطط في ندوه مع العسكريين قبل 25 يناير بأسبوعين المشير يرفض عرض مبارك بتولي منصب نائب الرئيس ويقول أنا مستعد اشتغل مع شفيق، المهم انقاذ البلد !! في الحلقة الثانية من كتابه 'لغز المشير' تحت الطبع' يكشف الكاتب الصحفي مصطفي بكري تفاصيل موقف المشير طنطاوي والمجلس الأعلي للقوات المسلحة من الأحداث التي شهدتها البلاد خلال ثورة 25 يناير.. ويلقي المؤلف الضوء علي الأسباب التي دفعت المشير طنطاوي إلي رفض اقتراح الفريق سامي عنان رئيس الأركان بالانقلاب علي نظام مبارك بعد أربعة أيام من اندلاع المظاهرات مرورًا بالأحداث التي شهدتها البلاد حتي رحيل الرئيس مبارك عن السلطة في الحادي عشر من فبراير. وتتناول الحلقة تفاصيل اللقاء الهام الذي جري برئاسة مبارك وحضور اللواء عمر سليمان نائب الرئيس والمشير حسين طنطاوي القائد العام، والطلب الذي أبلغه زكريا عزمي رئيس الديوان إلي المشير طنطاوي بأن يتولي الجيش إدارة البلاد قبل تدهور الأوضاع. في الثامن والعشرين من يناير 2011، كانت الأوضاع الأمنية في البلاد تزداد سوءًا، لقد انهارت الشرطة في هذا اليوم، بفعل المؤامرة الإخوانية، حيث بدأت عمليات واسعة لحرق الأقسام والاعتداء علي مديريات الأمن ومبني وزارة الداخلية، كما شملت الاعتداءات عددًا من المنشآت الحيوية الحكومية والخاصة كان الجيش المصري يرقب الأوضاع ويتابعها، لقد تولي المشير حسين طنطاوي القائد العام ووزير الدفاع بنفسه قيادة مركز عمليات القوات المسلحة الرئيسي رقم ''66' منذ اليوم الأول لاندلاع الأحداث في الخامس والعشرين من يناير.. وكان لدي المشير قناعة بأن الاحتجاجات سوف تتصاعد سريعًا 0وقد تقود إلي صدامات بين الشرطة والمتظاهرين.. أدرك المشير أن الرئيس مبارك لن يستجب لمطالب المتظاهرين، كان المشير يعرف أن الرئيس لم يعد يستمع إلا لمجموعة صغيرة تحيط به، ولا تجرؤ علي إبلاغه بحقائق الأوضاع، وكان يعرف أن كل من يقترب من هذه الدائرة أو يسعي إلي مواجهتها أو كشف دورها لن ينجو من تآمرها، لذا ظل يحذر الرئيس من خطورة الأوضاع حتي فترة طويلة، إلا أنه لم يجد آذانًا مصغية فقرر التزام الصمت.. !! وعندما اتصل به حبيب العادلي وزير الداخلية ظهر الجمعة 28 يناير ليقول له أن الرئيس طلب منه إبلاغه بضرورة نزول الجيش إلي الشارع بعد انهيار الشرطة، سأله علي الفور: ولماذا لم يتصل بي؟! * قال حبيب العادلي: لقد أبلغت الرئيس بأن الشرطة انهارت وباتت عاجزة عن التصدي للمخاطر والمؤامرة التي تتعرض لها البلاد فطلب مني أن أبلغك بضرورة نزول الجيش إلي الشارع علي الفور. * قال المشير: أنا حتصرف.. لم يكن المشير مرتاحًا للتعامل مع حبيب العادلي، كانت هناك جفوة غير معلنة بين الطرفين، وكان المشير يحمّل حبيب العادلي مسئولية الكثير من الأحداث التي شهدتها البلاد وأثارت سخط الكثيرين، غير أنه أدرك أن اللحظة تستوجب النظر إلي الأمام.. وعلي الفور قام المشير طنطاوي بالاتصال بالرئيس مبارك وقال له: لقد أبلغني حبيب العادلي علي لسانك بضرورة نزول الجيش إلي الشارع لحماية البلاد بعد انهيار الشرطة. * قال مبارك: نعم هذا صحيح، وأرجو منك أن تحرك القوات علي الفور لحماية المنشآت الهامة ومنع تدهور الأوضاع. لم ينتظر المشير كثيرًا، أصدر أوامره علي الفور بنزول القوات بعد أن عقد اجتماعًا قصيرًا مع القيادة العامة للقوات المسلحة، وقبيل الخامسة بقليل كانت طلائع قوات الجيش قد بدأت تصل إلي ميدان التحرير، كما أن قوات من الحرس الجمهوري بدأت تطوق مبني الإذاعة والتليفزيون لحمايته بعد أن وصلت معلومات عن احتمال اقتحامه.. كما تم إعلان حظر التجول ليبدأ في هذا اليوم من الساعة السادسة مساء وحتي السابعة صباح اليوم التالي. وفي الوقت الذي تقدمت فيه بعض السيارات العسكرية المدرعة إلي ميدان التحرير قام عدد من المتظاهرين بإحراق ثلاثة منها علي الأقل ظنًا منهم أنها من قوات الحرس الجمهوري وأنها جاءت لإمداد رجال الشرطة بالأسلحة والذخائر. وعندما اتصل اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية بالمشير طنطاوي ليبلغه بما حدث قال له: لا يجب التصدي لأحد، اتركوهم، ولا تنجروا إلي الصدام مع المتظاهرين بأي حال من الأحوال. قال اللواء الرويني: ولكن هناك سيارة عسكرية تم اختطافها!. قال المشير: ليس مهمًا، حتمًا سيتمكن رجالنا من إعادتها مرة أخري. في مساء ذات اليوم جري عقد اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة تم خلاله تدارس الأوضاع، كانت الصورة الماثلة أمام الجميع أن النظام بات في خطر شديد، وأن حركة الاحتجاجات سوف تتزايد، خاصة بعد نزول عناصر الإخوان بكامل طاقتهم وارتكابهم أعمال عنف واسعة في البلاد. كان السؤال المطروح في هذا الاجتماع: ماذا نفعل؟، وأي طريق سوف نسلك؟ جاءت الإجابة علي لسان المشير طنطاوي: نحن مع الشعب ولن نستخدم العنف أبدًا ضده مهما كان، ومهما حدث.. كان رئيس الأركان الفريق سامي عنان غائبًا عن القاهرة في هذا الوقت، حيث قام بزيارة إلي الولايات المتحدة لبحث أسس التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة، كانت محددة سلفًا وقبل تدهور الأوضاع في البلاد. وقد استمرت زيارة الفريق سامي عنان نحو أربعة ايام، حيث غادر القاهرة يوم 24 يناير متجهًا إلي باريس ومنها إلي الولايات المتحدة. وفي الثامن والعشرين من يناير قرر الفريق سامي عنان قطع زيارته إلي الولايات المتحدة للعودة إلي مصر، خاصة بعد أن جري اتصال بينه وبين المشير طنطاوي أكد فيه المشير تدهور الأوضاع في البلاد. كان سامي عنان يتناول إفطاره في هذا الوقت مع اثنين من القادة العسكريين الأمريكيين، حيث تلقي اتصالًا من المشير طالبه فيه بضرورة العودة فورًا، فقام بإبلاغ القيادة العسكرية الأمريكية بقطع زيارته والعودة إلي مصر. كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد شكل غرفة عمليات رئيسية داخل البيت الأبيض من كبار مسئولي الخارجية والأمن القومي والبنتاجون ووكالة الاستخبارات الأمريكية برئاسته لمتابعة تطورات الأوضاع في مصر. وعندما علم اوباما بأن رئيس أركان حرب القوات المسلحة قد قطع زيارته وقرر العودة إلي مصر أرسل إليه قائد القوات الأمريكية المشتركة، حيث التقاه في قاعدة 'اندروز' التي توجه إليها سامي عنان لبدء رحلة العودة إلي مصر. أبلغ القائد الأمريكي الفريق عنان قلق الإدارة الأمريكية من جراء الأحداث المتصاعدة في مصر، واستفسر منه عن موقف الجيش المصري تجاه التعامل مع المتظاهرين، وعما إذا كان سيلتزم الحياد أم لا؟! كانت إجابة الفريق عنان: 'إن الجيش المصري لن يستخدم القوة أبدًا ضد أبناء الشعب، بل ستكون مهمته هي حماية المتظاهرين والحفاظ علي الأمن والاستقرار في البلاد'. وعندما وصل الفريق سامي عنان إلي القاهرة في صباح يوم السبت 92 يناير توجه علي الفور إلي مبني وزارة الدفاع والتقي المشير طنطاوي، وبعد مناقشات حول أبعاد ما جري، طرح الفريق عنان علي المشير طنطاوي حسم الموقف والقيام بانقلاب عسكري للحيلولة دون تدهور الأوضاع، ثم يتلو ذلك إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية التي يجب ألا تزيد علي عام واحد ولكن المشير طنطاوي رفض ذلك، وقال: 'إن زمن الانقلابات العسكرية قد ولي، وإن القوات المسلحة ستترك الخيار للشعب، هو الذي يقرر مصيره بنفسه، وإن كل دورنا هو حماية هذا الشعب ومنع استخدام أي عنف يمارس ضده'. اقتنع الفريق سامي عنان بوجهة نظر المشير، وتم صرف النظر عن هذا الاقتراح، خاصة أن الرئيس مبارك كان قد عين السيد عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، في منصب نائب رئيس الجمهورية بعد أن رفض المشير طنطاوي تولي المنصب رغم الإلحاح الشديد من الرئيس مبارك وفضل أن يظل في منصبه كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة.، وقال له لايصح ان تبقي وزيرا وعضوا في حكومة يترأسها الفريق احمد شفيق والذي هو اقل منك في الرتبة العسكرية، الا ان المشير طنطاوي قال هذا ليس مهما، المهم هو ان يودي كل منا دوره في حماية البلد من الانهيار، حاول مبارك كثيراً، لكن المشير كان يقول للمقربين، ' انه لايريد شيئا، ويوم ان يترك وزارة الدفاع فلن يذهب الا الي منزله، ولن يقبل باي منصب اخر قبل أن يعرض مبارك المنصب علي المشير طنطاوي كان قد خرج في ليلة الجمعة 28 يناير بخطاب لم يلق تجاوبًا جماهيريًا كما توقع، بالرغم انه أقال الحكومة في هذا الخطاب ووعد بتكليف حكومة جديدة. في اليوم التالي تجددت المظاهرات، وقدمت الحكومة استقالتها وأصدر الرئيس قرارًا باستمرارها في تسيير الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الفريق أحمد شفيق. كان المشير يتابع الموقف عن كثب، وقد انزعج كثيرًا من المحاولة التي استهدفت حياة اللواء عمر سليمان نائب الرئيس مساء 30 يناير وأصبح لديه قناعة بأن هناك من لا يريد حدوث أي تغيير في البلاد، وعندما حضر الاجتماع الذي عقد برئاسة الرئيس مبارك يوم الاثنين 31 يناير للحكومة الجديدة أدرك أن الرئيس مصمم علي المضي في ذات الطريق، وأن الأحداث التي تمر بها البلاد لم تدفعه إلي مراجعة مواقفه وأنه يتعامل مع الأحداث الجارية بدون اكتراث، واعتقد أن المظاهرات سرعان ما ستنفض ويعود المتظاهرون إلي ديارهم.. كان المشير طنطاوي يتحسب لاحتمالية صدور أمر من القائد الأعلي للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية إلي الجيش بالتصدي للاحتجاجات الشعبية، ولذلك قرر أن يعلن موقف الجيش مبكرًا.. في صباح الأول من فبراير 2011 دعا المشير إلي اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة برئاسته وبحضور الفريق سامي عنان رئيس الأركان ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقادة الجيوش الرئيسية ومدير المخابرات الحربية وبعض القادة الآخرين. في هذا اللقاء تحدث المشير مطولاً عن المخاطر التي تمر بها البلاد، وقال: 'إن الجيش المصري أخذ علي نفسه عهدًا منذ زمن طويل باحترام إرادة الشعب المصري، باعتباره أصل الشرعية'. وقال: 'إن المرحلة التاريخية التي تمر بها مصر.. والاحتجاجات التي شهدتها البلاد هي تعبير عن مطالب شعبية مشروعة، وأن الجيش المصري لا يمكن أن يقف في مواجهة هذه المطالب'. وقال المشير: إن القوات المسلحة حسمت خيارها وانحازت إلي الشعب منذ اللحظة الأولي، ونحن لن نسمح أبدًا باستخدام القوة أو أي شكل من أشكال العنف ضد المتظاهرين.وقال المشير ان جماعة الاخوان نجحت في احتواء المظاهرات وقيادتها من خلف ستار، وان احداث العنف التي شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية أكدت اننا امام تنظيم مسلح، وقال ان الحل ليس في الصدام مع المتظاهرين، بغض النظر عن مخطط الاخوان، ، ولكن تحركنا في المرحلة الاولي يجب ان يضع نظره علي الشعب وحماية الدوله من مخطط السقوط المعد لها واقترح المشير طنطاوي إصدار بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يؤكد هذه المعاني، وقال: إن هذا البيان سيكون إلزامًا للجميع وهو رسالة أيضًا موجهة إلي الشعب وإلي النظام، وبالفعل تمت صياغة البيان الذي أكد رفض استخدام القوة وتفهم المطالب المشروعة للشعب.لقد أكد البيان أن القوات المسلحة هي الدرع الواقي والحصن الأمين لهذا الشعب العظيم وحمايته من الأخطار المحيطة به وأن تراب هذا البلد ممزوج بدماء المصريين علي مر التاريخ. بعد الموافقة علي هذا البيان أقسم الحاضرون علي المصحف الشريف لحماية الشعب وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. بعد انتهاء الاجتماع تم تكليف اللواء إسماعيل عتمان بإذاعة البيان في التليفزيون المصري دون إخطار وزير الاعلام أنس الفقي، حيث قام عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون بتسهيل المهمة، مما أثار غضب كبار المسئولين وفي مقدمتهم الرئيس مبارك الذي فوجئ بصدور هذا البيان الذي اعتبره البعض مؤشرًا علي بداية النهاية للنظام أحدثت إذاعة البيان ردود فعل إيجابية واسعة في الشارع المصري، وأدرك المتظاهرون أن الجيش المصري لن يتخلي عن مطالبهم، ووجدوا فيه سندًا قويًا، وهتفوا في الميدان للجيش وللمشير طنطاوي. كانت الشائعات قد انطلقت حول موقف الجيش بعد زيارة الرئيس مبارك ونجله إلي مركز عمليات القوات المسلحة '66' يوم 30 يناير، حيث راح البعض يردد أن الجيش ربما يدعم الرئيس. ورغم أن المشير طنطاوي نزل في نفس اليوم إلي مبني
الاذاعة والتليفزيون، وظهر وهو يقول لأحد الجنود 'شدوا حيلكم.. مصر محتاجة لكم' إلا إن الشائعات لم تتوقف، إلا بصدور البيان التاريخي للقوات المسلحة في الأول من فبراير.لم يدرك البعض ان المشير كان يريد ان يبعث برسالة للجميع، وان دور القوات المسلحه سيكون أساسيا وفاصلا في هذه الأحداث في مساء ذات اليوم، الأول من فبراير، عقد الرئيس مبارك اجتماعًا بحضور كل من عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وأحمد شفيق رئيس الوزراء والمشير طنطاوي القائد العام ووزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان واللواء نجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهوري، بينما بقي كرسي وزير الداخلية الجديد اللواء محمود وجدي شاغرًا إلي حين وصوله في هذا الاجتماع وجه الرئيس اللوم إلي المشير طنطاوي بسبب البيان الذي أصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة، وأكدت فيه تفهمها للمطالب المشروعة للمتظاهرين وعدم استخدام العنف ضدهم. وعندما تساءل الرئيس عن السبب في إصدار هذا البيان رد المشير بأن البيان يعكس موقف القوات المسلحة المعروف برفض استخدام العنف ضد ابناء الشعب المصري، وهو موقف ليس بجديد، بل هي عقيدة ثابته! وعندما قال الرئيس: ولكن هذا البيان سوف يشجع المتظاهرين علي الاستمرار في التصعيد ورفع سقف المطالب وأن ذلك ما كان يجب أن يتم بدون التشاور مع القائد الأعلي، قال المشير: كان يجب ان تكون هناك خطوات عملية لتهدئة مشاعر الغاضبين والمتظاهرين. وساعتها قال الرئيس: 'ألا تدركون انكم انتم المسئولون عن حماية الشرعية؟! فرد الفريق سامي عنان قائلاً: نحن قلنا إننا لن نتورط في إراقة دم المتظاهرين، وهنا قاطعه الرئيس مبارك وقال 'دم.. دم ايه كفانا الله شر الدماء، أنا أردت فقط أن أقول إنكم حسمتم أمركم مبكرًا دون العودة إليّ بصفتي القائد الأعلي للقوات المسلحة، واكرر كلامي أرجو ألا تنسوا انكم مسئولون عن حماية الشرعية'!! في مساء هذا اليوم، اذاع التليفزيون المصري خطابًا جديدًا للرئيس مبارك حذر فيه من خطر الفوضي ووعد فيه بعدم الترشح مرة أخري لرئاسة الجمهورية. تميز خطاب مبارك في هذا اليوم بالعاطفية الشديدة، وهو ما دفع الكثيرين إلي الانصراف من ميدان التحرير في اليوم التالي، ولولا أحداث موقعة 'الجمل' ودور الإخوان في إشعالها لانتهي كل شيء في هذا الوقت. ***** في الثامن من فبراير 2011، دعا نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان كبار الصحفيين ورؤساء التحرير إلي اجتماع بالقصر الجمهوري بالاتحادية، كان القصر محاطًا بمركبات عسكرية وأسلاك شائكة من كل اتجاه، وبعد انتهاء الحوار الذي استمر لعدة ساعات، خرجنا للانصراف. في هذا الوقت التقيت المشير طنطاوي في الصالة الرئيسية للقصر، كان في طريقه إلي الصعود لمقابلة الرئيس مبارك، سألته عن الأخبار، قال: ربنا يسهل، حاولت أن أحصل منه علي معلومة واحدة عن سيناريو الأحداث المقبلة، قال بابتسامته المعروفة.. متخافش علي مصر، ثم سرعان ما انصرف!! مضيت في طريقي إلي مقر الصحيفة بوسط القاهرة، كان التوتر في الشارع المصري يتزايد، وكان الإخوان يدفعون المتظاهرين لممارسة المزيد من الضغط علي الرئيس مبارك للرحيل. في هذا الوقت التقي زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية بالمشير طنطاوي وكرر عليه مجددًا القول: 'شيلها يا سيادة المشير انت توافق بس واحنا نطرح الموضوع علي الرئيس وهو لن يمانع أبدًا، هو نفسه لا يريد الاستمرار وخايف يسيب البلد تضيع، لكن مع الجيش موش حتضيع!! لم تكن هناك إجابة محددة لدي المشير، كان يعرف تمامًا، أن القرار هو بيد الرئيس، وأن مبارك مازال متمسكًا بالسلطة بفعل ضغوط داخل البيت الرئاسي، حتي وإن كان لا يرغب بالاستمرار في تحمل المسئولية. كان المشير يريد انتقالاً سلميًا للسلطة، خوفًا من ردود الأفعال وحدوث انشقاقات، وكان يعرف أن القرار لم يصدر بعد، وان الرئيس يتعامل مع الأحداث ببطء شديد.كان الموقف في منتهي الخطورة والحساسية، وكان يتمني الايحدث اي صدام بين الجيش والرئيس، لانه كان يعرف خطورة ذلك وتداعياته في ظل محاولات التربص بمصر والضغوط التي تمارسها الولايات المتحده والعديد من الدول الغربيه جنبا الي جنب مع جماعة الاخوان. كانت المعلومات تقول في هذا الوقت ان الرئيس اوباما يضغط من اجل تشكيل حكومة انتقالية برئاسة البرادعي، وان مبارك يرفض ذلك بكل قوة بدأت الشائعات تنتشر في كل مكان، لقد قيل: إن مبارك يريد إجراء تغييرات في القيادة العسكرية والإتيان بوزير دفاع ورئيس للأركان جديدين، طرحت أسماء عديدة، إلا أن عمر سليمان حذر من خطورة أي تغيير في المناصب العسكرية لأن ذلك من شأنه إحداث قلاقل كبيرة داخل الجيش، كما أن مبارك لم يكن متحمسًا لهذا التغيير الذي يحاول البعض دفعه إليه. وفي يوم الأربعاء التاسع من فبراير التقي الرئيس بنائبه عمر سليمان ووزير الدفاع المشير طنطاوي، في جلسة مشتركة وكان الهدف من اللقاء هو الاطلاع علي سيناريو الأحداث، شعر المشير في هذا اللقاء أن مبارك قد تراجع عن وعوده بنقل السلطة إلي عمر سليمان، وأنه لايزال مصرا علي التعامل مع الأحداث الساخنة في الشارع المصري بنفس سياسة رد الفعل والبطء الشديد في اتخاذ القرارات ! في اليوم التالي دعا المشير طنطاوي إلي اجتماع للمجلس الأعلي للقوات المسلحة وكان هذا الاجتماع رسالة واضحة للرئيس مبارك ، الذي فوجيء بعقد الاجتماع دون أن يدعي له، فأدرك حقيقة الموقف خاصة بعد صدور البيان الأول في الساعة الخامسة وخمس وعشرين دقيقة من ذلك اليوم 'الخميس 10فبراير' حيث اكد البيان ' أن المجلس سيظل مستمرًا في الانعقاد لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ علي الوطن ومكتسبات وطموح شعب مصر العظيم. وفي مساء ذات الليلة كان خطاب الرئيس مبارك الذي اعترف فيه أن نظامه ارتكب أخطاء عديدة وقال إنه عازم علي تصحيحها وإنه لن يرشح نفسه مرة أخري وإنه يفوض نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان في اختصاصات رئيس الجمهورية علي النحو الذي يحدده الدستور. وأكد مبارك في خطابه الذي جري إعادة صياغته بطريقة مملة أنه بصدد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة ومتابعتها، وأنه أصدر تعليماته بالانتهاء من التحقيقات في سقوط الشهداء والجرحي وإحالتها للنائب العام. بعد خطاب مبارك، أشعل الإخوان الاحتجاجات مرة أخري، وراحوا يهتفون ويطالبون مبارك بالرحيل، لقد استطاعوا حشد الجميع خلفهم، وأصبح الميدان بأيديهم كاملاً، نظموا أنفسهم وأصبحوا علي قناعة تامة، أن بقاء مبارك يعني تصفية وجودهم التنظيمي والقبض عليهم جميعًا، ومحاسبتهم علي جرائمهم التي كانت ملامحها قد بدأت في الظهور تدريجيًا. مارس الإخوان ضغوطهم علي وائل غنيم الناشط السياسي الذي لعب دورًا في إثارة الجماهير وتحريضها من خلال موقع 'كلنا خالد سعيد'، فقد أدلي بتصريحات يؤيد فيها نقل اختصاصات الرئيس إلي عمر سليمان إلا أنه سرعان ما تراجع عنها بعد الهجوم الشديد الذي تعرض له وقال إن تصريحاته قد جري تحريفها. وبعد أن اشتعل ميدان التحرير بهتاف 'ارحل' قرر المجلس الأعلي للقوات المسلحة عقد جلسة أخري في تمام الثانية عشرة والنصف من بعد منتصف ذات اليوم وظل الاجتماع مستمرًا حتي الثالثة والنصف فجرًا. وقد استعرض المجلس برئاسة المشير الأوضاع في البلاد بعد خطاب الرئيس مبارك، وكان الاتجاه الأغلب هو تأييد نقل الاختصاصات إلي نائب رئيس الجمهورية، دار نقاش طويل، وكان المشير من أنصار نقل السلطة سلميًا لتجنيب البلاد مخاطر الفوضي والانهيار. وعندما طرح البعض من أعضاء المجلس الموقف الجماهيري الرافض لمضمون هذا الخطاب، وحذر من خطورة الزحف الجماهيري الذي دعت إليه عناصر الإخوان إلي مبني القصر الجمهوري ومحاصرة مؤسسات الدولة ومباني الحكومة ومجلسي الشعب والشوري ومبني الإذاعة والتليفزيون، كان الحل هو إصدار بيان يتعهد فيه الجيش بضمان تنفيذ المطالب الشعبية المعلنة. كان اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة قد أكد في اتصال مع كل من عمر سليمان والمشير طنطاوي أن المعلومات التي لديه تؤكد احتمال وقوع صدامات واسعة خلال زحف المتظاهرين إلي القصر الجمهوري حال عدم إقناعهم بالتراجع. لقد ناقش أعضاء المجلس الأعلي مضمون هذا التقرير وخطورته في ضوء الرفض الشعبي وتقرر عقد اجتماع آخر للمجلس في العاشرة من صباح اليوم التالي الجمعة 11 فبراير، وفي ضوء المناقشات تقرر إصدار بيان للجماهير لتحديد الموقف من المطالب الشعبية. وفي الحادية عشرة وخمسين دقيقة أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة بيانًا تعهد فيه بإجراء التعديلات الدستورية وإنهاء حالة الطوارئ بعد انتهاء الظروف الحالية والفصل في الطعون الانتخابية وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في ضوء ما سيتقرر من تعديلات دستورية، علي أن تضمن القوات المسلحة تنفيذ هذه الإجراءات في التوقيتات المحددة. لم يكن المشير طنطاوي يرغب في الانقلاب علي مبارك، بل كان يأمل في تنفيذ المطالب الجماهيرية، وتهدئة الشارع بضمانة من الجيش المصري، الذي أعلن عن انحيازه لهذه المطالب الشعبية منذ اليوم الأول. كان المشير يعرف أن الإخوان هم الذين يقودون التظاهرات ويحرضون علي الصدام، وكان يدرك أن البلاد تتعرض في هذا الوقت لمؤامرة كبري، أطرافها خارجية وداخلية وأن الهدف ليس تغيير النظام وإنما إسقاط الدولة.، وكان ذلك مبنيا علي معلومات سابقه أكدتها الأحداث الجارية لقد نشرت صفحة تدعي 'سلاح الجو المصري' علي موقع التواصل الاجتماعي 'فيس بوك' فيديو للمشير طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة تحدث فيه بصراحة ووضوح عن الأعداء المتربصين بالوطن من الداخل والخارج. وقال المشير طنطاوي في كلمة ألقاها وسط جنود وضباط القوات المسلحة قبيل ثورة 25 يناير بأسبوعين 'إنه لا يهتم كثيرًا بأعداء الخارج لأنهم معروفون جيدًا'، إلا أنه قال 'إن المصيبة في عملاء الداخل لأن هؤلاء الأشد خطرًا علي مصر'. وقال المشير 'إن الأحداث التي تشهدها المنطقة ليست صدفة، بل ينفذها عملاء وخونة من الداخل'، وأضاف 'لا يجب أن نيأس أبدًا، لأننا نعرف أن عدو الداخل هو من يعمل لمصلحته ومصالح أعداء الوطن، وهو خائن وأخطر علينا من العدو الخارجي'. وقال المشير 'إن القوات المسلحة مسئولة عن أمن مصر ويجب أن نكون جاهزين لأي مهمة تطلب منا حتي لا تصبح مصر مثل أفغانستان أو العراق، يجب الحرص علي مصر لأن مصر هي القلب المراد، ولو حدث شيء تكون المنطقة بأسرها قد انتهت، وهذا لن يحدث ومصر ستستمر شعلة الوطنية والقومية والأمن والآمان في المنطقة كلها'. كانت تلك كلمات المشير قبل انطلاق أحداث الثورة بأسبوعين، وكان ذلك مبنيًا علي معلومات موثقة قدمتها إليه المخابرات الحربية المصرية، التي حذرت مبكرًا من خطورة مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي يهدف إلي استغلال الرفض الشعبي لممارسات النظام في مصر في تفجير الأوضاع ونشر الفوضي في البلاد والعمل علي إسقاط الدولة بزعم تغيير النظام. كان هاجس المشير طنطاوي هو الحفاظ علي الجيش المصري وتماسكه ووحدته، كان يدرك تمامًا أن المخطط يستهدف الجيش أولاً وأخيرًا، ذلك أنه لو تمكنت أطراف المؤامرة من احداث صدام بين الجيش والمتظاهرين فستكون تلك هي بداية الانهيار. من هنا كان إصرار المشير طنطاوي علي الحذر في كل التحركات، والتأكيد لدي قادة الجيوش والأفرع علي عدم الصدام والخضوع للاستفزازات وتفويت الفرصة علي هؤلاء الذين يسعون إلي جرجرة الجيش المصري. وكان المشير يدرك أيضًَا أن التحريض الحاصل في الشارع من الإخوان تحديدًا يحتاج إلي تعامل من نوع مختلف، ولذلك كانت تعليماته للحرس الجمهوري بالامتناع عن الرد علي أي استفزازات يتعرض لها خلال محاصرة المتظاهرين للقصر الجمهوري، بل زيادة في الحرص صدرت التعليمات إلي كبار الضباط بالحرس بجمع الذخيرة الحية من رجال الحرس وتسليمهم ذخيرة 'فشنك'، خوفًا من أن يتهور أحدهم ويطلق الرصاص الحي علي المتظاهرين، فتدخل البلاد إلي مرحلة خطيرة قد تؤدي إلي فوضي يعقبها تدخل دولي وفرض عقوبات علي الجيش المصري لاضعافه وتفكيكه. وبالرغم من أن كثيرًا من الشباب الذين كانوا يقودون المظاهرات ومنهم وائل غنيم وعمرو سلامة ومصطفي النجار وعبد الرحمن يوسف ومحمد دياب ومحمد إمام قد رحبوا ببيان القوات المسلحة رقم '2' إلا أن الصوت الأعلي كان لعناصر الإخوان في الميادين، ومن ثم فقد ضاعت جميع
الأصوات الأخري التي رحبت بالضمانات التي وضعتها القوات المسلحة. في هذا الوقت كان أمام المشير طنطاوي وأعضاء المجلس الأعلي أحد خيارين: إما مواجهة المتظاهرين والصدام معهم. وإما استيعاب الموقف وتفويت الفرصة. كان المشير طنطاوي من أنصار الحل الثاني، وكان يدرك أن الصدام مع المتظاهرين سيحقق هدف الإخوان، ولم يكن بقدرته في هذا الوقت أن يكشف عن مخطط الإخوان الذين استعدوا جيدًا لهذا الصدام، كما أن أحدًا من المتظاهرين الغاضبين لن يصدق غير ما يعتقد أنه صحيح، ناهيك عن الموقف الدولي ومحاولة التربص بمصر. وكان مبارك أيضًَا علي قناعة بخطورة هذا المخطط، إلا أن حساباته كانت خاطئة منذ البداية، ولذلك عندما تصاعدت الأوضاع، لم يكن أمامه من خيار سوي الانتقال إلي شرم الشيخ بعد نصيحة من المقربين فغادر في اليوم التالي في تمام الثانية عشرة والنصف ظهرًا أي مع بدايات زحف المتظاهرين إلي القصر الجمهوري. وفي هذا الوقت التقي عمر سليمان والفريق أحمد شفيق ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط ووزير الداخلية اللواء محمود وجدي والدكتور زكريا عزمي رئيس الديوان في مكتب رئيس الحرس الجمهوري بمقر إدارة الحرس القريب من القصر الرئاسي بحضور اللواء نجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهوري. وقد تدارس الحاضرون تطورات الأوضاع الخطيرة التي تمر بها البلاد وبعد المناقشات، اتصل اللواء عمر سليمان بالمشير طنطاوي وقال له: سأحضر إليك أنا والفريق أحمد شفيق. كان أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة في حالة انعقاد مستمر، ظلوا جميعًا في أماكنهم وباستثناء قادة الجيوش فإن أحدًا لم يغادر مبني القيادة العامة في وزارة الدفاع. وفي الواحدة والنصف ظهرا وصل إلي مكتب المشير كل من النائب عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، كان الموقف صعبًا للغاية، أدرك الجميع أن أحدًا لن يستطيع إقناع الأصوات الهادرة التي كانت تزحف إلي القصر الجمهوري وبقية المنشآت الاستراتيجية، بعد ان أصبحوا وحدهم في الشارع، وبات الوضع مهيأ لاقتحام هذه المؤسسات رغم التنبيهات. كان أكثر ما يخيف المشير طنطاوي في هذا الوقت، هو انفلات الأوضاع، حاول الإخوان في هذا الوقت افتعال الصدام مع الحرس الجمهوري، إلا أن حكمة العسكريين فوتت عليهم الفرصة ! لقد اعتمد المشير طنطاوي في هذا الوقت سياسة 'الأحتواء' باعتبارها الخيار الوحيد الأكثر أماناً، كان يدرك أن الشحن المجتمعي ورفض النظام بسبب ممارساته، أكبر من أن ينتهي بطلقة رصاص، ذلك أن الطرف الآخر 'الإخوان وتابعيهم' كانوا قد استعدوا لذلك اليوم جيدًا والدليل في ذلك نجاحهم في حرق وتدمير أكثر من 161 قسمًا للشرطة في يوم واحد، والاستيلاء علي كثير من أسلحة الشرطة، ناهيك عن إفراجهم المتعمد علي أكثر من 23500 سجين من العناصر الإجرامية الخطرة من جميع السجون المصرية التي جري اقتحامها. وكانت التقارير المقدمة من الشرطة العسكرية وقائدها اللواء حمدي بدين تؤيد معلومات المخابرات الحربية والعامة من أن هناك عناصر أجنبية من جنسيات متعددة أمريكية وبريطانية وألمانية وإسرائيلية وتونسية وقطرية وحمساوية كلها متواجدة في ميدان التحرير وبعض الميادين الأخري، وأنها تلعب دورًا مهمًا في التحريض والإثارة.، وكان لدي القيادة العسكرية معلومات تقول إن عناصر الإخوان والتنظيم الخاص تمتلك الأسلحة التي يمكن استخدامها في أي وقت لإحداث سيناريو كالذي شهدته سوريا أو ليبيا فيما بعد، وأنها ستجد في هذا الوقت رد فعل شعبيًا مؤازرًا لهذه التحركات. عندما وصل النائب عمر سليمان والفريق أحمد شفيق إلي مبني وزارة الدفاع كان الزحف الجماهيري قد حاصر القصر الجمهوري، لقد رفض المشير وضع حواجز في الطرق المؤدية إلي القصر الجمهوري، لأنه كان يعرف أن ذلك حتمًا سيقود إلي الصدام، ولذلك طلب رفع الأسلاك الشائكة التي كانت قد وضعت بالقرب من رئاسة الجمهورية، وكان رهانه في هذا الوقت، أن ذلك من شأنه أن يهدئ الأوضاع ويمنع الصدام بهدف الوصول إلي القصر الرئاسي. كان المشير يعرف أن قرار الصدام لن تكون عواقبه مضمونة النجاح، بل سيؤدي إلي اتساع حركة الاحتجاجات والعنف، وسقوط الضحايا ومن ثم حدوث انشقاقات داخل المؤسسات الكبري، وكان يعرف أيضًا أن ذلك يعني تخلي الجيش عن دوره في حماية الشعب ومشروعية مطالبه. لقد كانت المعلومات التي لدي المشير والتي أفصح عن بعضها قبل الثورة تقول إن هناك عاصفة شديدة في الطريق وأن التعامل مع هذه العاصفة بالحكمة والموضوعية هو الذي سيؤدي إلي انقاذ الوطن وحماية الجيش وتماسكه. لقد سعي المشير كثيرًا إلي إقناع مبارك بالتغيير، لكنه فشل، وحاول البعض الإيقاع بينه وبين الرئيس، كان أشد ما يؤلم المشير في هذا الوقت هو انتشار الفساد وبيع أصول الدولة وسيناريو التوريث المتوقع حدوثه في عام 2011، وفي عام 2010 طلب المشير طنطاوي من اللواء صلاح حلبي أن يعزمه علي العشاء وأن يدعو أيضًا صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري وأمين عام الحزب الوطني لحضور هذا العشاء، وفي هذا اللقاء طلب المشير طنطاوي بوضوح من صفوت الشريف أن يبلغ الرئيس مبارك أن الجيش لن يوافق أبدًا علي مسلسل التوريث. كان المشير طنطاوي يسعي بكل ما يملك إلي انقاذ البلاد من المخاطر التي كانت تحيق بها، وكان يعلم تمامًا أبعاد المخططات التي تستهدف هذا الوطن، ويحذر منها، غير أن كل نداءاته ذهبت أدراج الرياح. كان يحدثني اللواء سمير فرج وكان في هذا الوقت رئيسًا للأوبرا، ومن بعدها محافظًا للأقصر ويقول لي 'إن المشير أصبح علي آخره، وأنه يري أن مصير البلاد يمضي إلي المجهول'، وكان يقول لي ان المشير أعرب عن غضبه اكثر من مره للرئيس وعندما التقيت المشير طنطاوي في حفل زفاف ابنة اللواء أبو الوفا رشوان رئيس سكرتارية الرئيس، جلست إلي جواره بعض الوقت، وكانت لديه مخاوف جادة علي مصير البلاد، وكان دائمًا يقول: ربنا يستر.. كان ذلك في عام 2010. كانت كل هذه الصور تدور في ذهن المشير طنطاوي ولذلك عندما اقترح الفريق شفيق ضرورة إقناع الرئيس بالتنحي عن منصبه. كان المشير يظن أن مبارك سوف يعاند كالعادة، وقال لن يوافق، وإذا فعلها يكون أنقذ مصر من الخطر المحدق بها، وبالفعل عندما اتصل عمر سليمان بالرئيس مبارك وحدثه عن المخاطر قال له مبارك وأنا شخصيًا موافق ولكن بشرطين تغيير كلمة 'تنحي' إلي 'تخلي الرئيس عن الحكم'، وأن يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، والأمر الآخر ألا تتم إذاعة بيان 'التخلي عن السلطة' إلا بعد وصول سوزان وجمال مبارك إلي شرم الشيخ. وبالفعل هذا هو ما حدث، وقد تمت إذاعة البيان الذي سجله السيد عمر سليمان في وزارة الدفاع في تمام السادسة من مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011، لتبدأ مصر صفحة جديدة في تاريخها!! وقد جري الاتفاق بين القادة علي اللقاء في تمام العاشرة من صباح السبت 12 فبراير لبحث فكرة تشكيل مجلس رئاسي الي جانب المجلس الاعلي للقوات المسلحه لإدارة شوون البلاد، وفي هذا الوقت تم استدعاء وزير العدل في هذا الوقت المستشار ممدوح ومعه المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستوريه العليا لأخذ رأيهما في فكرة المجلس الرئاسي وإعداد الدستور، الا ان المشير فاجأ الجميع وطلب من فاروق سلطان تولي منصب رئيس الجمهورية بشكل موقت !! والي الحلقة القادمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.