وكأنها قاصرة لم تبلغ سن الرشد بعد.. هكذا تعامل المرأة المصرية للأسف في القرن الحادي والعشرين.. صولات وجولات ومعارك كلامية ومشادات لفظية وجدل ولغط هنا وهناك.. جميعها تدور حول المرأة، وتتعدد أطراف النزاع دون أن تكون هي جزءًا منه. الأوصياء علي المرأة كثر.. وحدث ولا حرج بداية من مدعي التدين ومشايخ 'الفتنة' والعقول الظلامية.. وانتهاء بدعاة التحرر المظهري ورافعي لواء الانفتاح بالتقليد'الاعمي' للثقافات الاخري.. وبين هذا وذاك تضيع حقوق المرأة بالفعل.. ولعل الضجة المثارة حاليا حول موضوع خلع الحجاب بعد الدعوة التي أطلقها الكاتب شريف الشوباشي.. تأتي في هذا الاطار، الذي برأيي يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام.. حول توقيت الدعوة، وهل ذلك مرتبط بشغل الرأي العام بقضايا هامشية بعيدا عن جوهر قضاياه الحقيقية التي تمس حياته اليومية؟ولماذا تعتبر المرأة دوما هي الوقود الفعلي لأي زوابع تنتهي إلي لا شيء غالبا؟.. قبل عامين فقط وأثناء تولي جماعة الإخوان السلطة كانت الدعوات الشاذة والاجتهادات الطائشة تخرج علينا بين الفينة والاخري لتصدم الرأي العام بفتوي جديدة أو تعديل في مواد قانونية، وكلها للآسف ترتد بالمرأة إلي عصور الجاهلية، فكان الحديث عن تخفيض سن الزواج إلي تسع سنوات وقبول الزوجة لتعدد الزوجات حلا لمشكلة العنوسة وفرض الحجاب وما إلي ذلك من نقاشات وأحاديث ولت كما ولي أصحابها.. اليوم ونحن نراقب ما يثار حول الدعوة للخروج في مليونية لخلع الحجاب.. تذكرت كل ذلك الماضي بأحداثه المؤلمة مرة أخري.. ذلك لأن التطرف في الدعوات الخاصة بالمرأة وبالذات في قضية ارتداء أو خلع الحجاب، يدعو إلي التساؤل المشروع.. ومن نصبكم أوصياء علي المرأة؟! وهل هي بعد كل هذا العلم والثقافة والمراكز العلمية والمهنية التي تبوأها الكثير منهن.. تحتاج إلي مشورتكم وإسداء النصح لها بضرورة خلع الحجاب حتي يتحرر العقل؟.. ما هذا الهراء؟ الحجاب يا سادة حرية شخصية بالتأكيد.. لا تتعارض مع وعي وتحضر من ترتديه، أما من ناحية الشرع فهي علاقة خالصة بين المرء وربه ليس من حق كائن من كان أن يتدخل فيها.. ناهيك عن أن 'الحشمة' في بعض المناطق من بلدنا تدخل في إطار ثقافة مجتمع وإلا ما رأينا أخواتنا الأقباط في الصعيد يضعون غطاء الرأس. وإذا كانت الدعوة لخلع الحجاب المراد منها التحرر، فالأولي بمن يطلق الدعوة أن يحاول فعلا حمل لواء الدفاع عن حقوق المرأة وتحريرها من الإغلال الاجتماعية والاقتصادية التي ما زالت تكبلها حتي يومنا هذا، انظروا إلي ملايين النساء اللائي تعملن كتفا بكتف إلي جانب شريك حياتها وتتحملن من جهدهن وصحتهن الكثير حتي ترسو سفينة أسرهن إلي بر الأمان.. انظروا إلي ملايين النساء المعيلات اللائي تعملن في مهن شاقة لا تتناسب مع طبيعتهن الجسمانية ومع ذلك تتحملن في سبيل تربية الابناء.. وانظروا إلي واقع التخلف الاجتماعي الذي مازال حتي الآن لا يسمح للفتاة بالتعليم ويزوجها عرفيا قبل أن تصل إلي سن الثمانية عشر عاما تحايلا علي نص القانون.. انظروا إلي النساء العاملات اللائي لايقدم لهن المجتمع الدعم الذي يمكنهن من رعاية أبنائهن من توفير دور الحضانة والرعاية الصحية.. كل ذلك يستدعي من نشطاء حقوق المرأة جهدا كبيرا، وغير ذلك لا يمكن اعتباره إلا سفسطة فارغة تحدث ضجيجا بلا طحن.. ارفعوا وصايتكم عن المرأة.. وساعدوها لنيل حقوقها.. أو اصمتوا جزاكم الله خيرا..