كان موقف عبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب مؤلمًا لعلي عشماوي.. فسلم 'الأخ السوداني' خطابًا بوقف تسليم شحنة الأسلحة حتي إشعار آخر.. لأن الظروف في مصر غير مواتية.. فحدثه السوداني في موضوع آخر يمكن أن يجنيا من ورائه ثروة طائلة.. وهو تهريب الذهب من السودان إلي مصر.. وأخبره أن في حوزتهم كميات يريدون أن يدخلوها إلي مصر.. لأن الذهب في السودان رخيص جدًا.. وهذا حديث آخر.. المهم أن شحنة السلاح قد توقفت.. وعندما عاد عبد الفتاح إسماعيل يطالب باستئناف العمل.. واستلام الشحنة أعلن علي عشماوي أن علاقته بالأمر قد انقطعت نهائيًا.. ويبدو أن عبد الفتاح إسماعيل كان يدير الأمر برمته.. داخل التنظيم.. وتؤكد اعترافات د.محمد بديع أنه كان شابًا متدينًا يصادق بعض زملائه المتدينين.. وأنه لم يكن يعرف شيئًا عن تلك التنظيمات إلا بعد أن قابل 'الحاج عبد الفتاح إسماعيل' نوفمبر 1964.. الذي زرعه في أحد أقسام التنظيم.. وظل يتابعه بنفسه ويصحبه في تجواله.. ويقوم بتعريفه علي أعضاء التنظيم في القاهرة والإسكندرية ومحافظات الوجه البحري.. وعندما نقل بديع معيدًا في طب بيطري أسيوط زرعه عبد الفتاح إسماعيل في أحد المواقع هناك.. ثم جعل منه مسئولًا ورئيسًا للمجموعة هناك.. وهو الذي صحبه إلي رأس البر.. وقدمه لسيد قطب.. وكاد يزوجه وحال دون ذلك كبر سن العروس.. كما اعترف بديع وبقية المتهمين أن عبد الفتاح إسماعيل كان يقوم بتصنيف الشباب المنتمي للتنظيم وفقًا لتخصصات كل منهم.. وقدرته علي الإسهام في إعداد الاحتياجات الملحة.. وقد نجح في دفع مجموعة من المتخصصين في هيئة الطاقة النووية والمركز القومي للبحوث والجامعات ومراكز البحوث لتصنيع أنواع من المتفجرات.. والمواد الحارقة.. ودراسة الأسلوب الأمثل لنسف عدد من المنشآت المهمة.. ثم.. نسف القناطر الخيرية.. ومحطات توليد الكهرباء.. لإرباك الدولة.. والقيام بعمليات اغتيال واسعة.. يكتب علي عشماوي في مذكراته: 'حضرت اجتماعًا للقيادة.. وكان خاصًا بترتيب خطة المواجهة مع الحكومة.. والتي كانت تتلخص في: اغتيال كبار الشخصيات.. والشخصيات المؤثرة في دولاب الحكم.. وتخريب بعض المنشآت التي يمكن أن تساعد في إحداث خلل وفراغ وارتباك في الدولة.. ولم يكن من الأمور المحسوبة ماذا سيحدث بعد أن ينهار الحكم؟!.. ومن الذي سوف يثب إلي الدولة فيحكمها؟!.. لم يكن ذلك في حسبان أحد.. وكأننا من ضيقتنا أردنا أن ننفجر.. فقط!!.. وكان الرئيس عبد الناصر أول المرشحين للاغتيال بالطبع ومعه المشير عامر وزكريا محيي الدين.. أما المنشأت التي تقرر نسفها بالكامل فكانت مبني الإذاعة والتليفزيون، ومحطات الكهرباء.. وهدم القناطر الخيرية.. وكانت الخطط المُعَدّة لذلك مدروسة بالتفاصيل.. وطلب عبد الفتاح إسماعيل تأجيل البت في التنفيذ حتي يتم اللقاء مع سيد قطب.. وعرض خطة التنفيذ في مواجهة تعرض الحكومة للتنظيم.. ومن المثير أن سيد قطب اعترض علي اغتيال شخصيات أخري -غير جمال عبد الناصر- فالمشير عامر في رأيه شخصية غير مؤثرة في شيء.. وأنه لا حول له ولا قوة.. وقال بالنص: 'إن الشخصية المؤثرة والخطيرة في البلد -بعد جمال عبد الناصر- هي شخصية علي صبري.. رجل الأمريكان الأول في مصر' وعجب من استمعوا إليه لأن الجميع يعرف أن علي صبري ذو ميول يسارية.. وأنه قريب جدًا من الاتحاد السوفيتي.. وقتها.. استقر سيد قطب في رأس البر التي اعتاد قضاء أشهر الصيف الثلاثة فيها.. وكان عبد الفتاح إسماعيل يتردد عليه باستمرار.. وتم ترتيب أمور التنظيم في حال اعتقال سيد قطب.. حيث يحل محله محمد يوسف هواش.. تلقائيًا.. وينفذ ما يقوله وكأنه 'سيد قطب' نفسه.. وفوجئ عبد الفتاح إسماعيل وعلي عشماوي باستدعائهما العاجل للقاء سيد قطب في رأس البر.. وهناك قال لهما: 'إن الأخبار لديه تتوالي.. وتؤكد أن الصدام قائم وأن لا ريب فيه.. وإنه يحس بشدة أن أوامر ضرب الحركة الإسلامية آتية من الخارج.. فإنها -كما وصفها- نتيجة مجسات فكرية غريبة قرأت ما يصدر في مصر.. وأحست أن هناك تنظيمًا.. وأنهم بالتأكيد لا يعرفون شيئًا عن هذا التنظيم.. ولكنهم سيحاولون الضرب العشوائي حتي يحصلوا علي بداية الخيط'.. وقد تقرر اعتبار مجموعة القيادة في اجتماع دائم.. وكانوا في اجتماعاتهم اليومية يستعرضون آخر التقاريرعن الموقف المهم.. كان عبد الفتاح إسماعيل موزعًا بين لقاءات سيد قطب ومتابعة الاجتماعات اليومية لقادة التنظيم.. وفي أحد الاجتماعات أخبرهم أحمد عبد المجيد 'الموظف بوزارة الحربية.. ومسئول مخابرات التنظيم' أن تأكيدات جاءته من المستشار 'علي جريشة' الذي يتعاون معه.. في معرفة أخبار المسئولين، لما له من اتصالات ببعض الإخوة في أجهزة الأمن.. تقول هذه التأكيدات أنه لا نية إطلاقًا لضرب الإخوان، وإنهم -أجهزة الأمن- يعلمون جيدًا أنه لا يوجد تنظيم للإخوان في مصر.. وبالتالي فإن مسألة الضرب غير واردة.. ومن ثم كان التنظيم يعيش حيرة ما بعدها حيرة.. بين تأكيدات 'علي جريشة' من أنه لا صدام مع الإخوان.. وأمام تأكيدات سيد قطب التي يقول إنها آتية من مكتب المشير بأن الصدام قادم.. وإنهم فقط يختارون الوقت المناسب للضربة.. وكان الإخوان يعتقدون أن معلومات سيد قطب تأتيه من زينب الغزالي.. أما مسألة مكتب المشير.. فيمكن تأملها في ضوء عمل زوجة 'علي شفيق' مدير مكتب المشير لدي زينب الغزالي وجمعيتها للسيدات المسلمات!! كانت الأخبار والأحداث تندلع في كل مكان كالحريق.. ثم اعتقال محمد قطب شقيق سيد قطب.. كما تم اعتقال علي إسماعيل شقيق عبد الفتاح إسماعيل.. وصدرت الأوامر لكافة الإخوان بضرورة أن يتصل كل إخواني بمسئوله المباشر يوميًا.. ومن لا يتصل سيكون قد تم اعتقاله.. وجاءت رسالة سيد قطب الواضحة بالحرف الواحد: 'أنا لا أريد زوبعة في فنجان.. إذا كنتم قادرين علي تنفيذ عمل ضخم يهز أركان الدولة.. فافعلوا.. وإن لم تكونوا علي مقدرة بذلك فألغوا جميع الأوامر والخطط المتفق عليها.. وهذا خير لنا جميعًا'.. وكان من رأي زينب الغزالي أنه لابد من تنفيذ العمليات المتفق عليها.. وأولها قتل جمال عبد الناصر بأي ثمن.. وأن المرشد يبارك ذلك.. وجري ارتباك شديد بين تنفيذ الخطة.. أم التوقف.. أم هروب القادة الخمسة واختفائهم تمامًا.. ثم كانت المفاجأة.. لقد وجدوا أنفسهم جميعًا في السجن الحربي.. وقيل وقتها: إنها أجهزة المباحث الجنائية العسكرية.. ومازلنا مع.. عبد الفتاح إسماعيل.. وهو يقترب من نهايته..