كان التنظيم الإخواني الجديد.. الذي يسعي الشيخ عبد الفتاح عبده إسماعيل لبنائه.. يكاد يتشكل.. وتلتئم أطرافه.. وقد لعبت زينب الغزالي ومنزلها دورًا مهمًا في ذلك.. وفي إزالة أكثر المعوقات التي واجهت التنظيم وأعضاءه.. يقول علي عشماوي في مذكراته: 'وصحبني الشيخ عبد الفتاح إسماعيل للقاء زينب الغزالي في منزلها.. لأول مرة.. وسمعت منها كلامًا غريبًا.. كانت تفاخر بأن سكرتيرتها.. كرئيسة لجمعية السيدات المسلمات.. هي زوجة علي شفيق مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر.. وابنة الممثل والسينمائي الراحل حسين صدقي.. وتدلل بذلك أنها تعمل علي تجنيد زوجات المسئولين الكبار تعزيزًا للدعوة.. ثم أكدت أن التنظيم الذي يرأسه الشيخ عبد الفتاح إسماعيل يتمتع بالشرعية.. لأن المرشد 'حسن الهضيبي' أقره.. وأقر أهدافه عندما عرضت عليه الأمر.. ثم أضافت إضافة لها معني فقالت إنه.. في إمكان التنظيمات الأخري أن تتمتع بتلك الشرعية إذا سارعت بالانضمام إلي تنظيم الشيخ عبد الفتاح إسماعيل'.. كان علي عشماوي كشاب نشط ومندفع قد جمع عددًا من الشباب حول فكرته في ضرورة إحياء جماعة الإخوان من جديد.. وكان بهذه الصفات وغيرها إضافة يسعي عبد الفتاح إسماعيل حثيثًا للإفادة منها.. ولكن علي عشماوي لم يكن مستريحًا تمامًا.. كان يشغله أن كل ما كان يقال في الاجتماعات تدور حول اغتيال عبد الناصر ورفاقه ضباط الثورة.. أما نشر الدعوة وحماية القيم الإسلامية.. فهي أمور مؤجلة.. وعندما ألمحت له زينب الغزالي بضرورة الانضمام إلي تنظيم عبد الفتاح إسماعيل لكي يحظي بالشرعية.. فقال لها: إنه لا يمانع في الاندماج مع تنظيم عبد الفتاح.. إلا أن اعتراضه الوحيد يتعلق بالهدف الأساسي للتنظيم.. وهو اغتيال جمال عبد الناصر.. لأنه يري أنه ليس الطريق.. 'فقاطعتني بحدة.. قائلة: بل هو الطريق.. ولا طريق غيره.. وهذا ما أقره المرشد'.. ولا أحد يدري ذلك القدر من العنف.. وتلك القدرة علي الحض علي القتل وسفك الدماء التي تبدت في سلوك زينب الغزالي.. وتصرفاتها.. ولعل ذلك كان السبب في تأكيد اللقاء الذي جمعها بعبد الفتاح إسماعيل.. ذلك التطابق في الآراء والمشاعر والميل الشديد إلي العنف.. وتفانيها في تأييد 'تنظيم عبد الفتاح' والدعوة للاندماج معه.. واكتساب الشرعية.. ناهيك عن المجالات التي فتحتها للتنظيم الوليد.. والعلاقات الخارجية مع الإخوان الهاربين.. والمتعاطفين مع الجماعة من بعض المسئولين في دول عربية.. ولكن المشكلة الأساسية التي قابلت عبد الفتاح إسماعيل في فترة التكوين هي إعراض أكثر الإخوان القدامي.. ومعارضتهم.. وإجراء الاتصالات للتحذير من عبد الفتاح إسماعيل وجماعته.. ورصد تحركاته.. وإعاقة مساعيه.. باعتباره وأنصاره مجموعة من العابثين المغامرين الذين يتحركون دون وعي.. ودون خطط.. ودخولهم في علاقات مريبة.. وهم بذلك يشكلون خطرًا علي البقية الباقية من أفراد الجماعة.. ويقفون حائلًا دون أي إمكانية لإعادة لم الشتات.. وبناء الجماعة.. وعودتها.. وقد بلغ الأمر.. دعوة القيادات القديمة إلي ضرورة إبلاغ سلطات الدولة عن عبد الفتاح إسماعيل وجماعته.. وكان الداعي إلي ذلك بالتحديد القيادي المعروف صلاح شادي.. وقد أبلغ بذلك صهره الدكتور محمد فريد عبد الخالق.. وقد اعترف فيما بعد بذلك.. مؤكدًا أنهم كانوا ينظرون لأي تحرك لا يحظي بإذنهم -كقيادات- ومباركتهم أنه تحرك مريب.. ومعاد.. وربما يكون مصنوعًا من الأمن.. ولعل ذلك ما دفع عبد الفتاح إسماعيل وجماعته إلي التركيز علي تجنيد نوعية من الشباب ممن لا علاقة لهم بالإخوان.. ولا يملكون غير الحماس الديني.. والعاطفة.. واندفاع الشباب.. وقد تم حشدهم تحت شعارات العمل للإسلام.. وبعدها شحنهم بالبرنامج الثقافي المعتمد علي كتب أبو الأعلي المودودي.. وكتب سيد قطب.. ومنشوراته التي بدأت تنهمر علي زينب الغزالي وعبد الفتاح إسماعيل.. وكانت الخطة تنتظر نضوج الثمرة.. حتي يتم الدفع بهم إلي المعسكرات لممارسة الرياضة.. والتدريب علي السلاح.. 'لإقامة المجتمع الإسلامي.. والقضاء علي المجتمع الجاهلي'.. وكان محمد بديع المرشد الثامن ومحمود عزت.. ومعظم القيادات الحالية للإخوان.. بين ذلك الشباب الذي تم تجنيده علي يد عبد الفتاح إسماعيل في تلك الفترة.. ولا أحد يعرف الحقيقة كاملة.. وهل كانت مصادفة.. أم أن الأمر كان مخططًا له؟!.. فقد اتضح أن الشباب الذي تم تجنيده للتنظيم الجديد كان يضم طلاب الجامعات المتفوقين.. وشباب المعيدين.. وشباب الباحثين في مجالات الأنشطة النووية.. والمتخصصين في مجالات الهندسة.. والطيران.. والكيمياء.. ممن كان تأثيرهم الخطير فيما بعد وعلي أكثر من صعيد ومجال.. ومن الطريف.. إذا كان في الأمر طرافة.. أنه كان للشيخ عبد الفتاح إسماعيل أخ هو الشيخ علي إسماعيل.. كان يعيش في المطرية.. وكان متحمسًا جدًا.. ولكن عيبه أنه لا يخفي سرًا.. فكان من الخطورة أن يعرف شيئًا.. أو يؤتمن علي سر.. وقد قرر قادة التنظيم ألا يفتحوا معه مناقشة أو جدلًا أو حديثًا.. أو يطلعوه علي شيء مما يقومون به.. ولكن الشيخ عبد الفتاح إسماعيل00 ربما ثقة في النفس.. وزهوًا بالقوة.. لم يكن بهذا الحرص.. فكان يذهب لمنزل أخيه ويعقد اللقاءات مع إخوانه.. ويسمح لأخيه بحضورها.. وقد تخيل علي أن وراء أخيه أمورًا.. وأمورًا.. وصور له خياله أن شقيقه من ذوي الشأن.. حكام المستقبل.. فكان يتحدث عن ذلك كثيرًا.. وعندما سقط التنظيم كان 'الشيخ علي إسماعيل' مخزن كل ما جري.. ومستودع كل الأسرار.. التي سحبت شقيقه إلي حبل المشنقة.. ومازلنا.. مع عبد الفتاح عبده إسماعيل