أعرف أن البحث في ماهية الدوافع الخفية عند 'بارتولدي'، والتي ساقته إلي نحت مثل ذلك التمثال، قد تحرض أذهان البعض علي الإذعان للخلط المرفوض بين 'الدين' اليهودي، و'العرق' اليهودي، وشتان الفارق بينهما.. فنحن نقدس الديانة ليقيننا بأن الله عز وجل هو من أنزلها، حتي وإن كنا نؤمن ونعتنق غيرها من الأديان السماوية، ولا نرضي بسواها بديلاً.. أما ونحن بصدد استنطاق الحقيقة، فقد أصبح لزاماً علينا تناول مواقف وسلوكيات العرق اليهودي علي مدي الأزمان.فقد عكف حاخاماتهم المتطرفون علي إرضاع أنسالهم جيلاً بعد جيلٍ، من أثداء تنز بغضاً تجاه الأمم أو 'الأغيار' بحسب مصطلحاتهم، وفطمهم علي وجوب التمييز والفصل التام بينهم وبين ما دونهم من سائر البشر، وهدهدتهم علي حواديت مضلة من فلكلورهم الكلاسيكي.. تبدأ بأنشودة الشعب المختار من الله، والمظلوم من جميع شعوب الأرض.. وما يلبث أن يذهب التسلسل الدرامي لحكاية قبل النوم- كل ليلة وكل يوم-إلي ضرورة التميز والتفوق علي أعدائهم المحيطين بهم في كل مكان وزمان، واستخدام الحيلة كوسيلة تبررها الغاية النبيلة في تحقيق وعود الله، بحصولهم علي ميراث أجدادهم المزعوم من النيل إلي الفرات.. ليتم الخلاص في المشهد الأخير. حتي أن ديفيد بن جوريون 'أول رئيس وزراء إسرائيلي' لخص ذلك في قوله:'قد لا تكون فلسطين لنا من طريق الحق السياسي أو القانوني، ولكنها حق لنا علي أساس ديني، فهي الأرض التي وعدنا الله، وأعطانا إياها من الفرات إلي النيل'. وهذا الشحن العنصري المتراكم برع بامتياز في استثارة شهوة النجاح والتفرد داخل الشخصية اليهودية، وهو ما يفسر استحواذهم علي أرفع المناصب، وأثمن الفرص في كافة المجالات، ولا سيما في دنيا المال والأعمال التي تجلس عائلة 'روتشيلد' علي عرشها منذ 1821 فهي العائلة التي مولت صفقة شراء انجلترا لأسهم مصر في قناة السويس خلال عهد الخديوي اسماعيل نيابة عن الحكومة البريطانية، مما مهد السبيل أمام الانجليز لاحتلال مصر.. كذلك فقد تبنت عائلة روتشيلد فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين.. وأنفقت المال لدعم النشاط الاستيطاني علي أراضيها.. بالإضافة إلي تدخلها لدي بريطانيا لاستصدار 'وعد بلفور'.. كما يتردد ضلوع نفس العائلة فيما يسمي بثورات الربيع العربي. فضلاً عن ذلك فقد حصد اليهود ما يزيد علي 20% من جوائز نوبل التي حصل عليها منذ إطلاقها عام 1901 وحتي عام 2008 حوالي 859 شخصاً من بينهم 177 يهوديا، رغم أن تعداد اليهود لا يتجاوز 0.2% '0.002' من سكان كوكبنا. ومع هذا ظل المصريون دوماً بمثابة حجر العثرة في طريق مطامع الصهاينة، والشوكة العالقة بحلوقهم، فلا هم قادرون أن يبتلعوها، أو حتي يلفظوها.. كابوساً مفزعاً يؤرقهم في يقظتهم كما في نومهم. لذا دأب الماسونيون علي ضرورة نشر عبادة الذات، والاتجاه نحو العلمانية الشاملة التي تتمثل في نزع القداسة عن أي شيء في العالم، وإنكار الغيبيات، والإيمان بمدي قوة القانون الطبيعي في كافة مجالات الحياة، لإمكان التحكم في الكون الذي يتألف من عنصرين فقط هما الإنسان والطبيعة، ومن ثم تسخيره لخدمة البشر.. ولأن التركيبة الإنسانية تتمحور حول ذاتها وتميل إلي الجموح، والاستكبار، والتمرد علي القيود، فقد استطاعت تلك الأفكار الشيطانية الهدامة إغواء الكثير والكثير من الأجيال علي اختلاف أديانهم وثقافاتهم وجنسياتهم ومستوياتهم. وهكذا فإن جريمة النحات الفرنسي المنتمي لجماعة 'البناءون الأحرار' تعد إحدي الفواحش الماسونية الممتدة والمتواصلة عبر التاريخ في حق مصر، فما كانت ترمي إلا لتتفيه وتسفيه مباعث العزة، وتجفيف منابع الافتخار، بهدف تشتيت مكامن القدرة، وتفتيت مفاصل العزم، ومن ثم ردم قنوات الأمل لدي المصريين. فلا عليك لو أردت أن تسحق أمة إلا أن تذبح أحلام أبنائها أمام أعينهم، وتصرع طموحاتهم، فيصيروا أناساً بلا رجاء في الغد.. أي مجرد حاضر هزيل ممسوخ لا مستقبل له. ويبقي الحلم الصهيوني حائراً قلقاً، لا يجد من يفسره لأبناء صهيون.. فإن كانت القدس في عقيدتهم هي منتهاه، فمصر مبتدأه.. ولنستكمل العدد القادم بمشيئة الله. [email protected]