تؤكد كل الوقائع التاريخية، والوثائق المتاحة.. ومذكرات قادة الإخوان.. أنه الرجل الأخطر بين أعضاء جماعة الإخوان كافة.. منذ نشأتها وحتي الآن.. ولا يكاد ينافسه علي موقعه في الجماعة إلا الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان ومرشدهم الأول.. وحتي هذه يشكك فيها بعض الإخوان.. لأن عبد الرحمن السندي كما رأوه وعرفوه بدأ يشعر بعلو مكانته.. وخطورة موقعه.. واستحواذه دون غيره علي 'القوة' التي دعا البنا إلي تقديمها علي أية قيم وأية أهداف أخري.. حتي أنه وبشهادة الكثيرين كان يتعامل مع البنا معاملة الند.. وهو المرشد المؤسس الذي كان قادة الجماعة يتلاشون في وجوده.. ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.. وقد عارض البنا وحاججه كند له.. في وجود قادة مكتب الإرشاد.. عقب مصرع المستشار أحمد الخازندار.. وعندما أنكر البنا أنه أمر باغتياله.. وقال للسندي: أنا لم أقل لك.. ولا أتحمل المسئولية.. واجهه السندي قائلا: لا.. أنت قلت.. وتتحمل المسئولية.. وقد قال الشيخ عمر التلمساني المرشد الثالث أنه سمع السندي أثناء ولاية حسن الهضيبي يقول: أنا من بني هذه الجماعة مع البنا طوبة.. طوبة.. ومستعد أيضا لهدمها طوبة.. طوبة.. أنه عبد الرحمن السندي.. الذي قاد الجهاز السري المسلح وعمره 23 عاما.. ولمدة عشرين سنة تقريبا.. لأنه توفي مبكرا.. فلم يعش أكثر من 44 عاما.. ولكنه ترك بصماته غائرة علي مسيرة الإخوان.. ومن تناسل منهم.. وتفرع عنهم في مصر وأنحاء العالم.. ومازالت بصماته تامة الوضوح علي كل الحركات الإرهابية ربما في العالم لأنه كان أول من وضع دستورا للإرهاب.. وخطط مع أستاذه حسن البنا لصنع.. 'الشاب الإرهابي'.. وتمكنا البنا والسندي ومن لحق بهما مثل سيد قطب من تأسيس منظومة فكرية للإرهاب.. إن جاز ذلك.. وحتي نري عبد الرحمن علي فراج السندي جيدا.. وعلي حقيقته.. ونتعرف علي فكره.. وفلسفته.. نبتعد عنه قليلا.. لنعود إلي البداية.. والبداية صنعها الشيخ حسن البنا وحده.. الذي كان مؤمنا بالقوة.. أكثر ربما من ايمانه بأي شيء آخر.. وكان يؤكد أن أركان دعوة الإخوان هي: العلم والرياضة والجهاد.. ويجاهر بأنه: بدون استعداد كل فرد في الجماعة للجندية لا يكون شيئا.. ويبدو أن.. القوة.. والجهاد والجندية.. والسلاح.. والاستعداد.. كانت كلها هواجس سيطرت علي الشيخ حسن البنا.. وربما يؤيد ذلك المعني ما قاله أقرب معاونيه 'د.زكريا البيومي'.. الذي أكد أن: فكرة التنظيم السري ذي الصفة العسكرية قد ولدت مع الدعوة.. وفي السنة الأولي منها.. لأن البنا كان يري أن الاستعداد بالتسلح والتدريب أمر ضروري لاكتمال دعوتها.. وحتي يعرف الأعضاء معني الجهاد. أما د.محمد خميس الذي قاد الجهاز لفترة وجيزة، فقال إنه نشأ أولا كجهاز استخبارات لجمع معلومات عن التنظيمات الشيوعية لمحاربتها.. والحقيقة أن الأمور لم تكن ميسرة أمام الشيخ حسن البنا.. ودعوته للقوة.. والاستعداد المسلح.. لأن الدعوة للإسلام تقوم علي الاقناع.. والحجة.. والموعظة الحسنة.. ومن ثم احتاج البنا لمبررات اسلامية مقنعة، حتي ينشر دعوته بين تابعيه.. وحتي يتدرج بهم في سلم الاستعداد.. حتي بلوغ الهدف.. وهو تشكيل الجهاز السري المسلح.. ويستطيع المتابع أن يلحظ حرص البنا في خطبه، ومقالاته، ورسائله علي ترسيخ عقيدة القوة في عقول أتباعه.. في رسالته نحو النور يكتب تحت عنوان الإسلام والقوة والجندية قائلا: تحتاج الأمم الناهضة إلي القوة، وطبع أبنائها بطابع الجندية.. ولا سيما في هذه العصور التي لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب والتي صار شعار أبنائها جميعا القوة أضمن طريق لاحقاق الحق ثم يقول: والإسلام لم يغفل هذه الناحية.. بل جعلها فريضة محكمة من فرائضه.. ولم يفرق بينها وبين الصلاة والصوم في شيء.. وقد جعل البنا لعضوية الإخوان مراتب.. أعلاها جميعا مرتبة المجاهد.. وجعل يوما كل أسبوع ضمن الأنشطة للجندية.. كان يحرص علي مشاركتهم في ذلك اليوم والحياة معهم والخضوع للتدريب مثلهم تماما.. لأنه كان يري كما يقول معاونوه أن الاستعداد بالتسليح والتدريب.. أمر ضروري.. وربما مسألة حياة أو موت. وكان يقول إن القوة كالدواء المرّ الذي تحمل عليه الانسانية العابثة المتهالكة حملا.. ليرد جماحها.. ويكسر جبروتها وطغيانها.. وكان دائما ما يردد: أن السيف في يد المسلم كالمشرط في يد الجراح.. لحسم الداء الاجتماعي.. وفي رسالة المؤتمر الخامس يقول: أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته.. بل إن القوة شعار الإسلام حتي في الدعاء وهو مظهر الخشوع والسكينة.. فماذا تريد من انسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء.. شعاره القوة في كل شيء.. فالإخوان لابد أن يكونوا أقوياء ولابد أن يعملوا في قوة.. والقوة بالنسبة للجماعة ثلاث درجات متحدة: قوة العقيدة والايمان.. مع قوة الوحدة والارتباط.. ثم بعدها قوة الساعد والسلاح.. وفي رسالة الجهاد يقول: إن الأمة التي تحسن صناعة الموت.. وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة.. يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم في الآخرة.. وما الوهم الذي أذلنا إلا حب الدنيا.. وكراهية الموت.. فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم.. واحرصوا علي الموت توهب لكم الحياة. ومازلنا نقترب من 'عبد الرحمن السندي'..