6 شهداء جراء غارة للاحتلال استهدفت منزلًا في جباليا شمال قطاع غزة    المدنيون في خاركيف يعانون والناتو لا يتوقع حدوث اختراق روسي استراتيجي    صلاح: هذا هو تشكيل الزمالك المثالي أمام نهضة بركان    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    طلعت يوسف: قدمنا 70% فقط من مستوى مودرن فيوتشر أمام إنبي    عاجل - العظمى 35 درجة.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة في محافظة القاهرة    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالبورصة والأسواق بعد آخر ارتفاع    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    أحمد سليمان يكشف عن مفاجأة الزمالك أمام نهضة بركان    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    زلزال يضرب ولاية البويرة الجزائرية، هل صدقت توقعات العالم الهولندي؟    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    "الدوري الإيطالي وقمة عربية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    الوادى الجديد: استمرار رفع درجة الاستعداد جراء عواصف ترابية شديدة    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعب العربي.. حين يُسحَب منَ التاريخ علي أقساط..؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 13 - 02 - 2014

يمر تاريخنا الوطني والعربي في مرحلة اختبار عسير يتساءل المواطن خلالها بقلق عن البدائل الراهنة المفروضة والمرفوضة مع حالة الانزياح والانحراف التي يئن تحت وطأتها الشعب العربي. هذا الشعب وعلي امتداد ساحات الوطن والأمة يستنكر ويستغرب الحاضر العربي وهو يري تحالف الإرهاب والرجعية والاستعمار ضد المصير والعيش المشترك، والتاريخ والمستقبل العربي.
إن محاولة قراءة الواقع، بكل تعقيداته وتشابكاته وعناصره المتعددة، ليس بالأمر الهين واليسير، علي أعظم المفكرين والمثقفين والسياسيين والمؤرخين، لأن هناك حركات سرية لما يجري، تشبه حركة الطبقات الجيولوجية تحت الأرض، ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.. أكاد ألمسها بيدي، أكاد أراها بعيني.. إنها تومض قليلاً، ثم سرعان ما تختفي.. ووحدها فلسفة التاريخ يمكنها أن تقدم بعض الأدوات لقراءتها أو الكشف عنها.
ما حدث ويحدث، يعني بما لا يقبل الشك أن التاريخ العربي قد انتكس وعاد إلي الوراء.. عاد إلي عصور الجاهلية، المتزمتة، المتحجرة، وإن حركة التاريخ أكدت أن مشروع العرب الحضاري قد انتهي، فكرياً، وقومياً، وقد دخلنا بكل أسف مرحلة العصبيات والقصور العقلي والطفولة السياسية..
فكل الكتاب القوميين في العالم، وبخاصة القوميات التي نهضت وتحركت وركزت وجودها الحضاري والنهضوي اعتبرت التاريخ حافزاً للنهوض وتأكيد الاستمرار، إلا نحن العرب، فمن خلال ما نراه اليوم من حال العرب، نجد أن التاريخ يشكل عبئاً مملوءاً بالأثقال، توقفنا عند فسوخ هذا التاريخ القبلية والطائفية والمذهبية والقطرية، وتجاهلنا قوة هذا التاريخ في بناء وحدة الأمة وقوتها العلمية والحضارية والثقافية والتنويرية.
والسؤال: ماذا فعل العرب النائمون علي أسرّة النفط والدعة والكسل..؟
علينا في العالم العربي ألا نتفاخر بألق التاريخ العربي في أزمنة الفتوحات والنهوض العلمي والثقافي والأدبي والفلسفي، وانفتاح العقل العربي علي مختلف الثقافات، وازدهار حرية الرأي والاجتهاد والإبداع في المجالات الثقافية والفلسفية والصوفية، والتباهي برقي أدب الغزل كما جاء في الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وفي أشعار عمرو بن أبي ربيعة وأبي نواس والوليد بن يزيد، وآخرين، وآخرين.
أطالب بالتوقف عن التفاخر بهذا التاريخ المجيد، ليس لأنني أريد للأمة الانفصال عن تاريخها، فالتاريخ بمضمونه المضيء يشكل الحافز لبناء مستقبل مضيء، وإنما لأننا لا نستحق هذا التاريخ، لأننا لا نشبهه أبداً، ولم نحافظ عليه ولم نمسك بأطراف أثوابه.
وكثيراً ما أتساءل: هل يا تري نحن أبناء تاريخ آخر؟!
التاريخ بالنسبة للشعوب الناهضة منصة استمرار إلي الأمام وحالة تقدم في المجالات الإبداعية كافة، إلا نحن في العالم العربي. ففي العالم العربي لم نستفد من ألق الماضي، ولم نحاول جعله منصة للارتقاء في حياتنا المأزومة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وسلوكياً.
نحن في العالم العربي اليوم نعيش حياة لا صلة لها بهذا التاريخ، مأزومون، غارقون في فتاوي التحليل والتحريم، غارقون في البحث عن العورة وغير العورة في جسد المرأة، عن الحلال في زواج المسيار أو زواج المؤانسة أو جهاد النكاح، عن الحلال والحرام في الأدب.. وأشياء أخري كثيرة.. باختصار إننا نجعل هوامش الأمور وتوافهها قضايا رئيسية.
للأسف تراجع دور الفكر الحقيقي، ونهض دور الفكر المعتم.. تراجع صوت الأمة العروبي، تراجع دور المثقف القومي والعروبي، وحل مكانه رجل التحليل والتحريم في كل شيء.
فأين يحصل التمايز إذاً بين الشعوب والأمم إذا كانوا جميعاً يواجهون 'الهُموم'، وهي التعبير الأدق المستوعب لكل مشكلات الحياة بكل صورها وأشكالها؟!..
أعتقد أن أبرز فارق يمكن أن يكون الحد الفاصل بين أمةٍ وأمةِ ومجتمع ومجتمع، هو في مدي استعداد هذه أو تلك، هذا أو ذاك، علي مواجهة هذه 'الهُموم'، وتجاوز نتائجها، بل وهزيمتها والانتصار عليها.. هذه الأداة المعتمدة لدي الشعوب لمواجهة 'الهُموم' هي في الحقيقة مجموع 'الهِمَمِ'، التي يتسلح بها هؤلاء وأولئك في مواجهة كل التحديات والمخاطر، والجوازات التي يعبرون بها إلي عوالم القوة والازدهار..
إذا كانت الهموم هي جمع 'الهمّ'، فإن 'الهِمَمَ' هي جمع ' الهِمَّة'.. كلمات متشابهة في المبني، إلا أنهما النقيضان اللذان لا يلتقيان إلا في ساحات الصراع علي الوجود لا في الصراع علي الحدود، فلا يكون هنالك 'هَمٌّ'، وإلا تقوم له ' هِمَّة' تسعي إلي إزالته ومحو آثاره فلا تكون الكلمة العليا إلا 'للهِمَّة'.. فقد وعي الغرب هذه الحقيقة، فأطلق 'هِمَمَ' أجياله لتأخذ دورها في صناعة الحياة، فماذا صنع شرقنا الإسلامي ومجتمعاتنا العربية، وأين هو من هذا كله؟!
للإجابة عن هذا السؤال لسنا بحاجة إلي كثيرِ تفكيرٍ أو عميقِ تحليلٍ، فالواقع العربي والإسلامي يتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن 'الهُمومَ' قد إجتاحت هذا الشرق المسلم إجتياح عدو لا يرحم، فأفسدت هذه 'الهُموم' الذمم والأرواح، كما أفسدت الواقع من قمته حتي قاعدته، حتي أصبح شرقنا الإسلامي أضحوكة العالم، وسِبَّةَ الوجود، وهو الذي يحمل أعظم دين، وينتمي إلي سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.. !
في مقابل هذا الإجتياح الغاشم لأصناف 'الهُموم' وأنواعها، لم نقم في عالمنا الإسلامي أو في مجتمعنا العربي، أو لنقل لم تسمح الأنظمة المستبدة فيه أن تقوم لهذه ' الهُموم' 'هِمّم' تعيد الأمور إلي نصابها، وتمحو آثار العدوان وترفع الأمة بعدما وضعتها همومها وإنحطاطها.
إن كان هذا هو حال الأمة حقاً، فلماذا نرضي نحن هنا أن نكون جزءاً من هذه الواقع المرير؟!
سيقول لي البعض: فهمنا ووعينا، فكيف السبيل إلي تنمية 'الهِمَّة' حتي نواجه بها هُموم المجتمع، فنَسْعَدَ ونُسْعِد؟!
هذا سؤال مشروع سيضعنا أمام حاجة ملحة لوضع خريطة لهذه المعضلة ترسم لنا البداية وتقودنا كذلك إلي النهاية التي أرجو أن تكون في خير مجتمعنا والناس أجمعين.
ف 'علوا الهِمَّة' هو في الحقيقة مطلب النفس والشخصية المتميزة، بعكس 'دنوِّ الهِمَّة' والتي هي سمة للنفس الضعيفة والشخصية الخاملة.. ويكفي أن نعرف هنا أن 'علوَّ الله' معناها تفجير الطاقات، وحتي التخطيط لكل شيء، وحسن التدبير لكل شؤون الحياة، ومحاسبة النفس الدائمة.
'علو الله' هي ضمان النجاح.. أما ' دنو الله' فتقف علي النقيض من ذلك كله.. إنها تضييع للإمكانات وقتل للطاقات وهدر سافر للأوقات والأعمار في غير ما يفيد.. فكلنا يحلم، ولكن من منا يعمل علي تحويل أحلامه إلي مشاريع إصلاح للمجتمع وللأمة في دنياها وأخرها؟!
لا بأس أن نقر هنا أن 'دنو الهمة' مرض خبيث إن إستفحل قتل، وإن إستشري أهلك وأفني.. وهو نتيجة الجهل بالنفس وبدورها، وبالدين وعظمته، وبحقائق الحياة، وهو دليل العجز والكسل وعدم القدرة علي الإبداع، وهي فوق كل ذلك، ركون إلي الباطل وإلي الحياة الدنيا، وقضاء للأعمار في اللهاث وراء متع الحياة المحرمة، والتي لا جدوي منها مطلقاً، وهي دليل علي هشاشة في البني التربوية للأجيال، وثمرة غزو فكري وثقافي وإعلامي معادٍ وموجَّهٍ يهدف إلي قتل كل إمكانية لدي الأجيال لحماية الكرامة والدين والوطن.
في مقابل ذلك، نقرر أيضاً أن 'علو الهمة' خصوصاً حينما لا تُطلَب لذاتها، ولكن إبتغاء مرضات الله سبحانه تعالي، هي الطريق إلي الخلاص، والسبيل إلي الخروج من عنق الزجاجة، والوسيلة إلي أعظم الغايات وأجل الهداف..
فكل من يحمل قلباً ذا هِمَّةٍ عالية، لا يمكن أن يقبل العيش علي هامش الحياة، بل يسعي لأن يكون في القلب منها. إنه يعلم تماماً أنه إن لم يزد شيئاً في هذه الدنيا يخدم فيه دينه ونفسه وأمته، فسوف يكون زائداً عليها. لنا أن نتصور والحال كما نري، كم من الملايين من المسلمين يعيشون حال 'الزائدين' علي الدنيا لمجرد أنهم قَتلوا 'هِمَمَهم' فما عادوا يحسون بآدميتهم ولا يعبأون بإنسانيتهم..
يتساءل ''جاك بيريل'' المستشرق الفرنسي، والمبهور بالتاريخ العربي والمفجوع بالواقع العربي الراهن: أنا معجب حتي الذهول بهذه الحضارة العربية الإسلامية التي قد لا تروقكم، نعم أنا مسكون حتي الفجيعة بهذا الشعب العربي الكبير، الذي يحاصر ويهان ويسحب من التاريخ علي أقساط.. !
ولا يخفي مرارته وغضبه فيقول: أنا أعيش ازدواجية عبثية تسلمني إلي ما يشبه الدوار، حينما أبقي جليس مكتبي، مع دواوين شعركم ومؤلفات حكمائكم وفلاسفتكم أرتقي إلي أعلي درجات التصوف والعشق الإلهي وحينما أزور عواصمكم وأتحدث مع سياسييكم أهبط إلي أدني درجات الإسفاف والفجاجة، يخيل إليّ أنه لا يوجد إلا تفسير لفهم هذا التباين الصارخ: إما أنكم لا تستحقون هذه الرسالة الإلهية التي هبطت عليكم، وإما أن الرسالة ليست للبشر وإنما للملائكة.
السؤال الذي يؤرقني هو: هل أنتم معشر العرب، مطاردون بلعنة إبليس أم أنكم ممسوسون، تفرطون بكل مخزونكم الروحي والثقافي..؟
والحقيقة التي لا يمكن أن يحجبها غربال، أن علينا جميعاً أن نخجل من أنفسنا، نحن نعيش في زمن معتم جداً من صنع أيدينا.
مشغولون بما يفرق، بما يشتت والعالم كله يتوحد، يتكامل يتواصل، يتفاعل.. مشغوفون بالآخر، ننفذ أدواته ونشهر سيوفنا كأن كل واحد منا عنترة زمانه.. وأمام الغزو الداهم لوجودنا ننكفيء، ننسي بطولاتنا، نلتمس للغازي ألف عذر وعذر.
وطننا العربيّ اليوم خراب هائل: حروب تلو حروب، وقتل يليه قتل ونهب للثروات والأعصاب يليه نهب، فننام علي كارثة لنستيقظ علي كارثة أخري في زمن التجاذبات الإقليميّة والعالميّة.
عجلة تنمية تسير إلي الخلف ونخب سياسيّة متصارعة متطاحنة وشعوب حائرة وبرامج مرجأة أو مُعطلة وإرهاب حقيقيّ يُمارسه الكل علي الكُل وإرهاب مغرض ثأريّ وإرهاب مفتعل للدعاية والتحريض والتسويق والتسويف لا غير..
هل بعد هذا الوهن من وَهن أشدّ؟ وهل بعد زلزال ''الربيع'' الذي حدث زلازل أخري قادمة..؟
وفي زحمة هذا الخراب يُثار السُؤال:
أهي الجاهلية..؟ لا.. ليست كذلك، فلو كانت الجاهلية لشعرنا بالعنفوان، لشدتنا العصبية العربية، لوحّدتنا الأخطار الداهمة التي تستفرد بنا قطراً وراء آخر، والمحصلة جماعية!
الأمر أبعد من ذلك وليت أعرابنا تمثلوا قول الشاعر الجاهلي:
ألا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا!
والجهل هنا، قد يعني الكبرياء، وإن كان يعني السفاهة لغة.. لا شيء يفرقنا، ومع ذلك فنحن أشتات ضائعة، ما من شيء يكسرنا ولكن الكثيرين منا يريدون أن ننكسر.. أن نتباعد، أن نحترب وتسيل دماؤنا غيرة..
لن نسأل لماذا.. بل ليكن السؤال:
كيف نغادر هذه الصحراء القاحلة.. هذا الانحدار نحو الهاوية.. ألا يدرك هؤلاء الفاعلون خط الجحيم الذي يدفعون إليه؟! من الماء إلي الماء، ومن شرقنا إلي غربنا كوطن عربي، يحاول أعرابنا أن يشعلوا النار في أجسادنا، ويتصرفون كأنهم أباطرة الأرض، كأنهم القدر النازل علينا ولا مهرب منه، كأنهم حقيقة قادة شعوب.
دمي تُحرك.. أصنام توضع لحين وتحطم بعد انتهاء صلاحيتها.. نعم ليتها كانت جاهلية لكنا وجدنا الحميّة العربية لكنها أبعد من ذلك وربما كان شاعرنا العربي القديم يقصدهم حين قال في الأصنام:
أربّ يبول الثعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالب
فالأعراب مهانون.. مدنسون.. محاصرون..
فثعالب الغرب، لم تبل عليهم وكفي بل أبعد من ذلك بكثير.. وهنيئاً للأعراب عطركم من ثعالب الغرب وانتظروا ما بعده فلن يوفركم.
فكل ما يحدث الآن يُغري الكاتب الموضوعي المحايد بمواصلة الاعتقاد ''بأنّ الانتظار عقيم ليس وراءه مطر أخضر، وأنّ الأمة التي نزِع منها فتيلُ القوة ودَسَم الإرادة أضحت اليوم ركاماً من اللحم الهشّ، بل وإسفنجة بملايين الأفواه الفاغرة التي تخلو من الألسنة ونعْمة النطق!
لكنّ سليل هذا الدّم العربيّ، والإبن غير العاق للأسلاف الأماجد الذين تقاطر سَلسَبيل الضوء من أرواحهم وأقلامهم ومواقفهم قد لا يمتثل لموعظة الغراب، وقد لا يُغمِد رأسه بين كتفيه كالنعامة، قائلاً: ما أظنّ أنّ الدور التاريخي للنخب المثقفة في وطننا الكبير، هو دور الندّابة المحترفة صاحبة المناديل السّود التي تتنقل من مأتمٍ لمأتم ومِنْ عزاءٍ لعزاء، كي تعدّد مزايا الموتي ومحاسِنهم مقابل حفنة من المال.
إنّ دَور النخب الحقيقي هو اجتراح الطريق في الغابة، وتعليق الأجراس بأعناق النمور وليس القطط والكلاب والمتآمرين فقط! لكنّ الأمصال واللقاحات المغشوشة المستورَدة، التي يُحقَن بها هذا العربيّ دائماً تشلّ مناعته وتصيبه ب ''أنيميا'' حادّة في ذاكرته وضميره وشرايين ''عروبته''!
فالتاريخ المجيد لا يصنعه مُخدَّر مأجور، أو عميل مرتزِق، أو متآمر دنيء، أو مجرم سفاح بحق ناسه وأبناء جِلدته، أو خائن لتراب الوطن، أو عِقال أبيض أو أحمر منقط صاحبه بالخزي والسقوط ونكران الجميل، الذي لا يمكن أن ينتمي لحبة تراب أو رمل في صحرائنا العربية بأية صلة، ولا حتي مختال متغطرس يتعثر بظله ولا يري أبعدَ من سيفه أو صَولجانه أو عباءته أو أرنبة أنفه!
لكنّ عزوفنا عن قراءة التاريخ قراءة موضوعية معمقة، واكتفاءنا بمتابعة ''فبركات'' الإعلام المضلل، وبالمنقول الشفاهي المشوّه، هما ما يُفقران مصدّاتنا ودفاعاتنا الذهنيّة ضدّ وابل التزوير وخبث النيات وانسحاق بعض الضمائر وتكلسها!
والحق، فإنّ الحرب التي تُعلَن الآن وتُمارَس ضد أكثر من بلد، هي حرب معلنة بالفعل علي العرب المؤجلين القادمين من أقصي المستقبل، والدور يماشيهم كظلهم بكل تأكيد، إن عاجلاً وإنْ آجلاً!
ألم يقل شاعر عربي يوماً:
فإن يك صدر هذا اليومِ ولي فإنَّ غداً لِناظِره قريبُ
أعذروني إن كنت مستفزاً ومحرضاً ومتحدياً، لكن لا خير فينا ولا فيكم إن لم نقل كلمة الحق ونصغي لها.. ما للمرء خير في حياة إذا عُدَّ من سَقَطِ المتاع، ولا خلاص لنا من ذلك إلا أن نطلِقَ هِمَمَنا التي إن انطلقت مع حوْلِ الله وقوته، حققت المعجزات، واقتحمت الأهوال والصعاب، وكانت أهلاً لوعد الله سبحانه وتعالي:
'ونريد أن نَمُنَّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين'..
فهل من مجيب..؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.