هناك دائما حد أدني لتقبل سلوك أو فعل أو موقف أو حديث الآخرين .. الكل يكره الكذب وينبذه كمطلب ديني أولا ثم أخلاقي .. ولكن الكل يكذب .. والكل يكره الإنتقاد .. ولكن الكل أيضا ينقد وينتقد !! .. دائما هناك صفات غير مقبولة من الآخرين تجاهنا ولكننا نفعلها تجاه الآخر .. هكذا هي العلاقة الاجتماعية المبنية علي فلسفة حب الذات قبل الاتصال بالآخر .. الموضوعية والحيادية نسبية جدا .. فإن إختلف الأشخاص أو الموضوعات أو المواقف أوالاتجاهات فالنتائج السلبية متكررة وواقعة .. والقضية هي قبول الآخر بالتجربة وليس بالظن.. ليس من العدل قول أنا لا أهضم فلانا أو علانا بناء علي الشكل أوالمظهر فقط .. وليس من العدل أن نتجاهل المحاسن مقابل السوء أو نتناسي الإيجابية مقابل السلبية .. فلابد من تفعيل قاعدة الحد الأدني في قلوبنا وعقولنا .. وقبول الآخر بسهولة دون تعقيد .. فليس هناك من هو كامل الخلق ولا تام الطيب .. وإنما يبقي حد أدني مادام خير الآخر أكثر من شره فقبوله بيننا ليس مرفوضا .. فلسفة القبول من عدمه تبني علي الارتياح والألفة قبل أي شئ وهو ما يتعلق بالعاطفة والروح والمشاعر ..أما التقييم والنقد والمراقبة فتبني علي فلسفة التفكير والعقل .. والمشكلة تكمن خلف الأفكارالنمطية ووراء الصور الذهنية التقليدية التي تجعلنا نقدم ما يسن علي ما يجب .. ونأخذ بالانطباع قبل الحكم .. كم هو مرهق هذا القبول وعدمه .. وكم هو متعب هذا التقبل من غيره فحكمنا علي الآخرين يزعجنا لأننا لا نعرف كيف نحاكمهم إلا من خلال رؤيتنا وعاطفتنا المتحركة بالأهواء والرغبات .. نظلم الآخر أحيانا ولا نقبل أن يظلمنا أو يحكم علينا جورا.. إن قدرة المرء علي إصدار حكمه بطريقة شفافة وموضوعية أمر قد يحسد عليه خاصة حين يقدم حسن الظن علي سوئه .. إن واقع المجتمع يكشف لنا الكثير من الآهات في التعامل مع الآخر سواء القريب أوالصديق أوالزميل أوحتي عابر السبيل والغريب .. فدائما ما نكون في سباق مع تصوراتنا وظنوننا والحكم سريعا .. حتي خطأ الآخر المقرب لا يغتفر ولا يقبل عذره في لحظة إحساس .. مع أن شريعتنا السمحة تدعونا دوما لتلمس العذر .. وحمل المعروف وشكر المتفضل وحفظ الوفاء .. وحسن الظن.. إلا أن هناك من الناس من لا يعرف إلا لحظته فقط ولا يربط سلسلة حياته مع الآخر ولا يذكر له فضلا ولا خيرا في لحظة خلاف أو تقصير مهما كان .. الآخر في حياتنا هو ما يمنحنا حقيقة التفاعل في معيشتنا .. الآخر هو كل قريب وبعيد ونحن نصنفه بطريقتنا ومشاعرنا ورغباتنا وأفكارنا ..الحد الأدني درجة ثبات لأي علاقة مبنية علي الخير وليس المصلحة .. الحد الأدني هو ما نضعه معيارا حقيقيا لقبول الآخر فلا أحد كامل وكل ابن آدم خطاء .. فلو سقطت العلاقات من خطأ أو تقصير لما بنيت علاقات جديدة .. ولما إستمرت علاقات طيبة ولهدمت المجتمعات .. الحد الأدني هو ما يجعلنا نتنفس بالحياة والراحة .. فليكن لكل منا حد أدني لنفهم ونستوعب الآخر فتنجح علاقاتنا .