كان أسامة أنور عكاشة يكتب في جريدة »الأهرام« القومية، وجريدة »العربي« الناصرية، وجريدة »الوفد« الوفدية طبعا!! كان التناقض يدهشني، تناقض الكاتب وتناقض الجرائد أيضا!! هل هو التناقض بالفعل؟ أم ذوبان التناقض واختفاء الفروق بين الجرائد المختلفة؟ أسامة أنور عكاشة »هنا« هو أسامة أنور عكاشة »هناك« .. تلك المهارة الدرامية العالية في تقديم رؤاه إلي الناس جميعا.. أحلام البسطاء والفقراء.. العدالة الاجتماعية برؤاها الناصرية.. مجابهة قيم السوق وفوضي الانفتاح، محاور اساسية في فكره ومشروعه، كتبها في صحف الوفد وفي تليفزيون الحكومة واصبحت خبز الناس اليومي عبر مسلسلات درامية ساهمت في تشكيل وعي الملايين من البشر. في البدء كانت »الرواية« وفي نهاية مشواره ايضا.. كتب عكاشة 6 روايات ظلت هي انتماؤه وهاجسه، فعندما كتب الدراما التليفزيونية »أكثر من 02 عملا« حرص علي تسميتها »بالرواية التليفزيونية« وكان حريصا علي طبع سيناريو مسلسل »ليالي الحلمية« في كتاب مستقل لتأكيد حقيقة لديه.. ان »السيناريو« هو عمل أدبي بالضرورة. 4 مسرحيات و6 أفلام سينمائية لكنه لم يحقق في كل الاشكال الإبداعية ما حققه في الدراما التليفزيونية.. وكان ذلك يغضبه.. يوما انتقد »مسرحياته« الكاتب المسرحي الراحل نبيل بدران فكتب عكاشة »المسرح مش بيت أبوكم« فرد بدران بسخرية لاذعة »قوم اقف وانت بتكلمني«! مجد عكاشة الحقيقي، صوته المتفرد والخاص هو »الدراما التليفزيونية« تلك المكانة التي احدثها لكتّاب السيناريو لتتقدم الصفوف جميعا.. اسم اسامة أنور عكاشة يكتب قبل النجوم جميعا وقبل المخرج وهو ضمان الجودة والتسويق لأي عمل درامي. صوته الخاص والمتفرد جزئ من مواجهة لتيار الاستهلاك والسذاجة وتغيب الوعي .. وقدره النص علي مجابهة استعراضية النجم وسطوه الاعلان وانتاج الخليج المشروط. سلطة المؤلف أو سلطة النص وحدها هي نجم العمل وهي ما تمنح ابطالها من الممثلين نجوميتهم وتوهجهم كان يحيي الفخراني وصلاح السعدني في أفضل أدوارهما مع أسامة انور عكاشة ، وكانت » لوسي وسيد عبدالكريم وصفية العمري، وآثار الحكيم« كثير من مسلسلات عكاشة اعادت صياغة الممثل بصورة مختلفة ومتوهجة في الوقت الذي جابهت فكرة النجومية والاستعراضية ... لا احد من الممثلين قادر علي فرض شروطه أو المطالبة بالحذف أو الاضافة.. لا بطولة مطلقة لممثل فرد حيث العمل هو رؤية عالم متعدد الشخصيات. نجوم السينما القادمون باعلاناتهم واسواقهم وشروطهم لا مكانة لهم في اعمال أسامة أنور عكاشة حيث »النص« هو البطل الحقيقي.. وحيث »العدالة« قضية محورية! مكانة نص عكاشة امتدت ايضا إلي المشاهدين بحجم تأثير هذه الأعمال ومساهمتها في تشكيل وعيهم وثقافتهم.