اتسمت شخصية الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بكثير من الصلادة، خاصة فيما يتصل بمبادئه التى اقتنع بها. معارك كثيرة، شريفة خاضها وخرج منتصرا .. الوحيد الذى هزمه هو المرض. أقسى معركة واجهها - رحمه الله - كانت مع الذين مارسوا معه لعبة الإرهاب الفكرى، عندما صرح أسامة أنور عكاشة أن الصحابى عمرو بن العاص لا يستحق التمجيد فى عمل درامى من تأليفه ،قامت الدنيا فى الأوساط الدينية وأحلوا دمه فى المساجد، البعض شكك فى إيمانه، وبالطبع واجه أسامة أنور عكاشة المعركة بشجاعة الفرسان ووضح موقفه على الفضائيات بأنه لم يتحدث عن عمرو بن العاص من الناحية الدينية وحديثه كان المقصود به توضيح السلوك السياسى لعمرو بن العاص. الكاتب محمد صفاء عامر بحكم صداقته الوطيدة بالمبدع أسامة أنور عكاشة لم يتركه فى أزمة عمرو بن العاص (المدهش أن قبل صداقتهما مباشرة نشب خلاف بسيط بينهما لم يستمر سوى أيام ليصبحا فيما بعد من أقرب الأصدقاء لبعضهما البعض). وعن تلك الأزمة قال محمد صفاء عامر: أولا أسامة أنور عكاشة به مميزات عديدة كمفكر ولأنه من كبار المثقفين فى مصر كان يحمل هموم الوطن على أكتافه ويرفض مسايرة التيار، لذلك نجد كل معاركه شريفة، معركة عمرو بن العاص تحديدا تحدث فيها بتلقائية، وحكمه كان من الناحية التاريخية وليس السياسية وعندما هوجم بشراسة فى هذه المعركة دافع عن نفسه دفاعاً مجيداً شأنه فى ذلك شأن أى معركة أخرى له. اللهم لا اعتراض «قامة» مثل أسامة أنور عكاشة يخطفه الموت عندما ذهبت للجنازة شعرت أننى أشيع الدراما المصرية وليس أسامة أنور عكاشة وحتى هذه اللحظة لا أتصور الحياة بدونه. * أيضا خاض أسامة أنور عكاشة معركة من نوع مختلف بينه وبين إحدى المؤسسات الصحفية وكان كل ذنبه أنه رشح لكتابة فيلم سينمائى عن حرب أكتوبر، وبالفعل عقدت جلسات مسجلة وبمجرد إعلان التعاقد معه لكتابة مسلسل عن حرب أكتوبر قامت الدنيا ولم تقعد وفوجئ بحملة صحفية شرسة هدفها استبعاده من كتابة هذا الفيلم من منطلق أنه ناصرى وسيقوم بتجاهل الرئيس السادات لينسب النصر إلى عبدالناصر، وزادت حدة الهجوم عليه عندما صرح أن البطل الحقيقى لحرب أكتوبر هو المواطن البسيط ووقتها وجه أسامة أنور عكاشة أسئلة لخصومه دفعتهم للتراجع والكف عن هجومه منها هل حرب أكتوبر بمثابة العزبة الخاصة بى لكى أعطيها لمن أريد؟! وهل لا توجد وثائق ولا مستندات عن حرب أكتوبر تثبت الحقائق، هل أنت تعلمون بما فى ضميرى وماذا سأكتب؟! وكيف تصدرون أساسا أحكاما مسبقة على عمل لم يظهر للنور؟! * لم يكن أسامة أنور عكاشة ضد الحجاب لكنه تصدى لظاهرة حجاب الفنانات واعتزالهن ثم تراجعهن عن قراراتهن بحثا عن المكسب والشهرة والأضواء، الطريف أنه تلقى تهديدات بهذا الصدد لدرجة أن المسئولين عرضوا عليه تعيين حراسة خاصة به إلا أنه رفض ولم يتوقف عن التصدى لظاهرة عودة المعتزلات للفن. * أيضا تصدى أسامة أنور عكاشة لبعض أبطال مسلسلاته الذين حاولوا لى ذراعه فى مسلسلات الأجزاء التى كتبها، كثيرا واجه أبطالا وضعوه بين خيارين إما أن يقوم بزيادة مساحة أدوارهم وتصعيدهم أو التلويح بعدم التواجد فى الأجزاء الجديدة وكان يعتبر - رحمه الله - أن الممثل يهين جمهوره عندما يرفض استكمال دوره فى الأجزاء الجديدة من المسلسلات بحجج غير منطقية ليصبح الممثل فى موقف إدانة أمام جمهوره، وكان مقتنعا تماما أن مفيش مسلسل يتوقف على ممثل، البطل لديه هو السيناريو والممثل الذى يعتذر له أكثر من بديل. وعن ذلك تقول الناقدة ماجدة خير الله: قبل رحيل أسامة أنور عكاشة الدراما التليفزيونية دخلت فى منزلق سيئ لم يكن سيستطيع مواكبة المهازل التى تحدث من قبل النجوم ولا أعتقد أنه كان سيسمح بإهانة تاريخه ويقبل أن ممثلا مهما كانت قيمته يملى عليه ما يكتبه، طبعا فى وقت من الأوقات كان المنتج أو المخرج عندما كان يقول لممثل ها ابعث لك سيناريو لأسامة أنور عكاشة كان الممثل يعتبر أن ليلة القدر انفتحت له عكس الآن الممثل لايعنيه سوى أجره الذى يبدأ من 5 ملايين. وعن بدايات أسامة أنور عكاشة مع الدراما تقول: فى الثمانينيات كنت أشاهد مسلسل «عابر سبيل» لعبدالله غيث ومن شدة إعجابى بالعمل حرصت على قراءة اسم مؤلفه على التيترات وأعتقد أن هو فخر الدين صلاح والذى توفى فى الطائرة هو صانع هذا المسلسل، وأعتقد أنه كان مخرجه المفضل قبل إسماعيل عبدالحافظ، وفيما بعد تابعت «المشربية» و«الشهد والدموع» لأسامة أنور عكاشة، وإذا تأملت بداياته ستجدينها أعلى 90 درجة من بدايات المؤلفين حاليا. لى معه موقفان اختلفت فيهما معه الأول عندما كتبت رأيى فى نيته عن كتابة الجزء الخامس والسادس لمسلسله «ليالى الحلمية» وكانت وجهة نظرى أن المسلسل لا يتحمل أجزاء أخرى بعد استنفاد أغراضه بنهاية الجزء الرابع وكتبت أن إصراره على كتابة الجزء الخامس ثم السادس سيعطى انطباعاً أنك متشبث بنجاحات الأجزاء الأولى من المسلسل. وبعدما أعلنت رأيى سُئل فى إحدى الجرائد عن رأيه فى ماجدة خيرالله فقال صحفية مجتهدة وهو يقصد أن رأيى مش نقدى». وبعدها بفترة تعرض لأزمة قلبية ولم أتردد فى الاطمئنان عليه وحدثته هاتفيا قال لى مين قلت له «أنا الصحفية المجتهدة»، وكان لطيفاً معى جدا، بعد ذلك بسنوات قليلة شاهدت مسلسل أرابيسك وكتبت أيضا رأيى ولم يعجبه، رد علىّ بقسوة شديدة وكانت كلماته موجهة إلى شخصى دون أن يكتب اسمى وبعد فترة شاهدته منتظرا للأسانسير بمبنى التليفزيون، وعندما لمحنى حاول تجنب الالتقاء بى معتقدا أننى سأتوجه لأسانسير آخر، لكننى حرصت على إنهاء الموقف وذهبت له لمصافحته وصعدنا سويا فى الأسانسير لأننا كنا متوجهين إلى «لجنة الدراما» بحكم أننا أعضاء بها وأثناء اجتماعنا فى لجنة الدراما كان حريصا على تأييد ما كنت أقوله فى المناقشات التى دارت بيننا فى الاجتماع. عملية الشد والجذب بين المؤلف والناقد لا أعتبرها كارثة فهى تحدث كثيرا واعتدنا عليها.