جمال الشرقاوى رغم أن التهديد الامريكي بقطع المعونة عن مصر، إذا أصرت علي التعامل قضائيا مع مواطنيها المتسترين بمنظمات »مجتمع مدني« ويقومون بأعمال غير قانونية.. فمصر لا تستطيع أن تمتنع عن تلقي هذه المعونة. ولذلك يبحث الخبراء السياسيون والاقتصاديون المصريون عن مخرج آمن للأزمة.. خصوصا الآن. فالمعونة الأمريكية بملابسات »منحها« واستمرارها، ليست أبدا لمساعدة مصر، لقد تقررت ك»ثمن« لقبول اتفاقية »كامب ديڤيد«، بشروطها الملحقة، التي تعطي اسرائيل -رغم هزيمة اكتوبر- حرية مطلقة في المنطقة، بينما قيدت مصر حتي في عدد القوات التي تحمي »أمن« سيناء، وقد ادعت الولاياتالمتحدةالامريكية أنها تمنح مصر ما يجعلها قادرة علي تعويض خسائرها العسكرية -طبعا حتي تبعد الاتحاد السوفيتي- بما يعادل قوة اسرائيل العسكرية، وكان ذلك خداعا وغشا.. تفضحه تصريحات كل المسئولين الامريكيين. فهي معونة ليست ممنوحة لمصر، وانما هي قيد علي مصر، مفروضة فرضا، لتأمين اسرائيل، والتأكد من أن وضع مصر العسكري تحت المراقبة الدائمة، ولذلك، فلا أحد الآن يستطيع أن ينادي برفض هذه المعونة، لأن ذلك لن يكون له، لدي امريكا واسرائيل، الا معني واحدا: الحرب.. بكل صورها. النفسية والاقتصادية وغيرها. وفضلا عن أن المعونة الامريكية »مفروضة« علينا بهذه الشروط الأساسية، فلم تلبث الولاياتالمتحدة أن عززت فرضها، بفرض اتفاقية »الكويز« علي مصر والأردن، تأكيدا للتطبيع مع اسرائيل، رغم كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، باشتراط ألا تورد أي سلع مصرية الي امريكا، الا اذا كان بها بديل مكون اسرائيلي! ثم، ان المعونة الامريكية، مع الأزمة الاقتصادية التي دخلت مراحل الخطر منذ عام 8002، أخذت في التناقص شيئا فشيئا، فانخفضت في جزئها الاقتصادي مثلا من 057 مليون دولار، الي 052 مليونا فقط الآن، فقد تضاعفت لاسرائيل بلا حدود. وهذه المعونة لا تحصل مصر عليها كاملة أبدا. فشروط المعونة تنص علي أن جميع السلع والمعدات والأجهزة التي تمولها المعونة، لابد ان تشتري من الولاياتالمتحدة، والخبراء الذين يأتون للعمل في المشروعات التي تمولها، لابد ان يكونوا امريكيين، تدفع مرتباتهم الضخمة، وكل مزاياهم الكثيرة منها.. وتشحن السلع والمعدات علي سفن أمريكية، وتذاكر الخبراء علي الطائرات الامريكية.. منها. ويقدر الخبراء ما تسلبه الولاياتالمتحدة بذلك، من المنحة المقدمة لمصر بما يعادل ثلث قيمة المنحة علي الأقل. ولم تساهم هذه المعونة في تنمية حقيقية ذات شأن، طبعا مولت المعونة »مشروعات« كثيرة، لكنها كانت دائما صغيرة، ولا تستمر.. ومعظمها كانت وهمية، أو لو تحلينا بحسن النية، لا تلائم الظروف المصرية. بل ان خبراء المعونة الامريكية كانوا دائما عيونا لمراقبة النشاط الاقتصادي المصري، وأذكر واقعتين أنا وبعض خبرائنا شهود عليهما، كان من ضمن الشروط، علي ما يبدو، أن للقمح الامريكي الأفضلية في واردات مصر منه، ففي احدي السنوات، أرسل القسم الاقتصادي بالسفارة الامريكيةبالقاهرة رسالة رسمية الي ادارة الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة، تنبه فيها الي ان الوزارة استوردت ذلك العام نصف مليون طن زيادة من العام السابق.. وأنها استوردته من فرنسا.. طبعا مفهوم: وليس من الولاياتالمتحدة. المدهش ان الرسالة سجلت كل كميات القمح المستوردة في ذلك، والكمية المستوردة.. من كل جهة! الواقعة الثانية: في احدي جولاتي السنوية لمتابعة محصول القمح، كنا في طريقنا، أنا وزميلي المصور مناع محمد، والخبيران المصريان الدكتور محمود مراد، والدكتور محمد ثناء حسان، من القاهرة الي الاسكندرية فبرج العرب.. الي الساحل الشمالي. لاحظنا ان سيارة تتبعنا طول الطريق وعندما وصلنا برج العرب توقفنا، وطلبنا من هذه السيارة أن تتوقف ليتناول راكبوها الشاي معنا في استراحة مركز البحوث الزراعية، وكانت المفاجأة أن السيارة للمعونة الامريكية، بها خبراء امريكيون ومرافق مصري، وانهم يريدون ان يشاهدوا كيف يزرع وينضج القمح علي المطر. شيء آخر خطير علي مجتمعنا، فالمعونة تتطلب شركاء مصريين يتعاونون مع الخبراء الامريكيين في تنفيذ »المشروعات«. هؤلاء تمنحهم المعونة مرتبات ومزايا ضخمة، ولا تستطيع الحكومة المصرية مراجعتهم في ذلك، لأنهم سيردون فورا: هذا من مال المعونة وليس من المال العام. ونحن لا نزال نذكر قضية القيادي في جامعة عين شمس، الذي ظهر عليه الثراء والسيارات الفارهة. فالمعونة الامريكية تشتري أشخاصا ذوي مكانة في البلد.. والباقي مفهوم. كل ذلك كان معلوما لنا.. أما أن نقرأ ما كتبه زميلنا ورئيس تحريرنا ياسر رزق عن ضبط خرائط تقسم مصر.. ثم يعلن قاضيا التحقيق أن من ضمن مضبوطات هؤلاء الذين يدعون انهم جمعيات مجتمع مدني، ويمولون من ذات المعونة الامركية لمصر، خرائط بمواقع تمركز القوات المسلحة.. فهذا ما لم نكن نعلمه.. فأي مجتمع مدني.. وأي مساعدة مع التحول الديمقراطي هذا.. انه تجسس صريح!! أليست هذه فعلا »معونة«.. ملعونة!