الحكمة هي الإتقان في القول أو الفعل والمعرفة بدين الله والفقه فيه والتفكير في أمر الله والانصياع لأوامره والفهم في القرآن العقيدة هي الأفكار الأساسية التي يجب علي المؤمن بالدين أن يصدقها ويقبلها، أي يعتقدها والعقيدة الصحيحة هي التي تحدد للإنسان مكانه الصحيح في الكون وتسدد خطاه في الزمان والمكان وتحدد وجهته الصائبة وترسم له طريقه المستقيم، فيستقيم وجدانه وسلوكه ومشاعره وأعماله ومبادئه.. من هنا يتضح ان الإفتراض الزائف للثنائية بين العقل والإيمان لايوجد في الإسلام وإنما هو وليد ظروف شهدها الصراع بين العقل والدين المسيحي. وأهم مباحث الفلسفة العلم الإلهي والحق فيه قليل وغالبه علم بأحكام ذهنية لا حقائق خارجية إذا ينقصه الإيمان بالله وباليوم الآخر. والتصورات الإنسانية البشرية ايا كان مصدرها تتسم بالقصور وتعجز عن التوجيه الكامل لشئون الحياة سواء في العقيدة أو السلوك أو الانظمة الاجتماعية إذ لا تكتمل هذه كلها إلا بالدين ونحن نخص الإسلام بالذكر وهو المنهج المبرأ من عوامل العجز البشري لأنه من لدن عليم خبير. ويتفق مؤرخو الفلسفة علي أن العلم لم ينهض في مطلع العصر الاوربي الحديث إلا بعد الثورة المزدوجة علي السلطة العلمية ممثلة في المنطق والسلطة الدينية ممثلة في رجال الكنيسة. وعلي العكس من ذلك لم تقم الحضارة الإسلامية إلا بتحرير المسلمين من هذه القيود بفضل القرآن الذي وجه علماءهم ومفكريهم فقد فتح آفاقهم للنظر في الكون والانفس والتاريخ وأمدهم بتقريرات كاملة عن الخالق وعن منشأ الكون وأصل الإنسان ومصيره وفي هذه النقطة يتضح سبق المسلمين لمعرفة المنهج التجريبي بفضل القرآن الكريم مقارنا بينه وبين روح ثقافة اليونان. فإن فلسفة سقراط في رأي محمد إقبال مخالفة لروح القرآن لأن سقراط يقصر فلسفته علي الإنسان بينما يحض القرآن الإنسان علي النظر ويحثه علي التأمل في المخلوقات كالنمل والنعكبوت والذباب مع ضعفها، ثم عن السحاب والنجوم وتعاقب الليل والنهار والكواكب وغيرها. كما يتضح ايضا مخالفة فلسفة افلاطون في الإدراك الحسي عما جاء بالمنهج القرآني لأن القرآن يعتبر السمع والإبصار من أجل نعم الله إلي عباده، وسوف يسأل الإنسان في الآخرة عما فعل بهما في الحياة الدنيا. ولإيضاح ذلك نقول إن فلسفة اليونان إمتازت بالتفكير النظري المجرد وإغفال الواقع المحسوس. أما القرآن فإن روحه تتجلي في النظرة الواقعية وتتعدد في مصادر المعرفة التي يمضي الإنسان علي الإغتراف من معينها وهي التقوي والأنفس والآفاق أي الطبيعة والتاريخ وغيرها فهو يري آيات الحق في الشمس والقمر وامتداد الظل واختلاف الليل والنهار واختلاف الألسنة والألوان وتداول الأيام بين الناس وحث المسلم علي الاعتبار بهذه الآيات. وقد أثبت محمد إقبال أن مولد الإسلام هو في حقيقته مولد العقل مستندا إلي أن النبوة بلغت كمالها الأخير ببعث الرسول صلي الله عليه وسلم. عالم الغيب في الإسلام والإيمان بالغيب والتسليم بحدود الله هو الأساس الأول للدين. لأن معرفة الإنسان محدودة بحدود كثيرة، هي محدودة بحكم طاقة الحواس التي يستمد منها المعرفة، وهي محدودة بحكم الحيز الذي يعيش فيه ويدركه لايعرف ما قبله وما بعده، وهي محدودة بحكم الحيز المكاني الذي يحيط به والذي لا يعرف ماوراءه من آفاق الفضاء بل وأعماق الأرض والبحار. وقد اتفق علماء المسلمين أنه يلزم الإيمان بجميع ما أخبر به الرسل من الملائكة والانبياء والكتب والبعث والقدر وصفات الله وصفات اليوم الآخر كالصراط والميزان والجنة والنار.ومما يقرب عالم الغيب للأذهان أن نعيش بين عالمنا المحسوس المنظور الذي نراه بالأعين المجردة والمخلوقات الأخري في عالمنا أيضا ولكن لا نحسها ولانراها ولكن يخبرنا بطبيعتها ومكوناتها علماء متخصصون. الحكمة في الإسلام: والحكمة هي الاتقان في القول أو الفعل والمعرفة بدين الله والفقه فيه والتفكر في أمر الله والإنصياع لأوامره والفهم في القرآن والحكمة أيضا هي الخشية والنبوة والورع وهي السنة. الرسل والأنبياء: لقد حفلت البشرية حينما ظنت واهمة إنها تستطيع أن تستبدل بالرسل العلماء والفلاسفة والأدباء والمصلحين الإجتماعيين وقادة السياسة والحروب. فقد ثبت العجز عن تحقيق السعادة البشرية بالرغم من التقدم الحضاري المادي الأخذ بالألباب وفي تحليل الأسباب يذكر الكسيس كاريل عوامل متعددة منها أن الأطباء والمعلمين وعلماء الصحة لم يبلغوا هدفهم لأنهم يعالجون خططا تشتمل علي جزء فقط من الحقيقة الإنسانية ويرجع ذلك إلي تعقد ظاهرة الحياة نفسها ومن ثم حققت علوم الجماد تقدما عظيما بينما بقيت علوم البشر في حالة بدائية وحتي العلوم الإنسانية كالاجتماع والاقتصاد فهي علوم افتراضية تخمينية ولم تفلح الانظمة التي أنشأها أصحاب المذاهب في عقولهم إلا في تقديم مزيد من الضحايا دون تحقيق الأهداف التي رسموها، فمبادئ الثورة الفرنسية وخيالات ماركس تنطبق فقط علي الرجال الجامدين أي علي تشخيص نظري للإنسان دون معرفة حقيقته وجوهره، ثم يقول كاريل أننا قوم تعساء لأننا ننحط أخلاقيا وعقليا فالأمم التي بلغت فيها الحضارة أعظم نمو وتقدم هي الأمم التي أخذت في الضعف ويري أن العلاج الوحيد الجائز هو معرفة أكثر عمقا لأنفسنا. وهنا يظهر أهمية دور الرسل والانبياء فنتساءل بدورنا ما الذي يمنع بني الإنسان من الانقياد للرواد الوحيدين المختصين بفهم أعماق النفس البشرية وهم أطباء النفوس ونعني بهم الرسل وخاتمهم صلي الله عليه وسلم الذي لم يكن نبيا فقط بل رئيس دولة وقائد جيش وزوج ومشرع وقاض. وقد آمن المسلمون الأوائل بالحقائق الغيبية واستقرت في عقولهم وقلوبهم وظل الأمر كذلك ومازال الأمر كذلك وهو الذي يربط المسلمين بالفهم الصحيح للإسلام وبالمصادر الإسلامية وهي الكتاب والسنة وفهم السلف. وكلما كان المسلم أقرب إلي اتباع سنة الرسول صلي الله وعليه وسلم، كان إلي السعادة أقرب لأنه صلوات الله عليه وسلم يسلك طريقه في الحياة وفقا للوحي وبعلم تام وحكمة بالغة شاملة للإنسان في كل الاحوال. وكما أنه ليس للجند والعسكر ان يسألوا عن حكمة وأسباب وعلل الأوامر العسكرية بل عليهم تنفيذها فورا بلا تردد وإلا أصبح أمر المعارك فوضي وليس لهم أن يناقشوا مصدرها، فما بالك بالحق جل وعلا، ومابالك بأوامر الرسول صلي الله عليه وسلم، علي أنه يمكننا إيضا شرح الحكمة في إتباع السنة في الآتي: 1 تمرين المسلم بطريقة منتظمة علي ان يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي واليقظة وضبط النفس وهذا يؤدي إلي التخلص من الاعمال والعادات العفوية، فالعادات والأعمال التي تقوم عفوا لساعة تقف عشرة في طريق التقدم الروحي للإنسان، عكس العادات المطلوبة مسبقا والمعروف آثارها السامية كالصلاة والزكاة والصدقة والحب والرحمة والمهادنة وصفاء القلب والرضا. 2 تحقيق نفع المسلمين إجتماعيا لأنهم بإتباع السنة تصحح عاداتهم وطباعهم متماثلة وتقارب الفوارق وعدم تنافر أخلاقياتهم. 3 ضمان الهداية إلي الحية الإنسانية الكاملة الكفيلة بتحقيق السعادة والحياة الطبيعية لأنه صلي الله عليه وسلم يعمل بوحي إلهي. يقول توينبي المؤرخ إن مشكلة الحضارة الغربية كمشكلة الحضارات السابقة في التردي إلي عبادة وثن من صنع المجتمع وهو تأليه الدولة السائد لأن بين 09٪ من سكان العالم لقد أدي هذا التأليه إلي انهيار 41 أو 61 حضارة سابقة من عشرين حضارة وتأليه اليوم أشد إرهابا لأنه تدعمه إيديولوجيات وتمكن له التكنولوجيا الحديثة سواء في وسائل الإعلام أو غيرها. إن التعصب للدولة الاقليمية قد تستر خلف الاشتراكية الوطنية في النازية والفاشية والقول إن هزيمة النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية قد أدي إلي القضاء علي النزعة الحربية موضع شك كبير. وتعد هذه الانظمة تأليها للدولة لأن النظم الديكتاتورية تعد صورة مماثلة لعبادة قيصر فضلا عن أنها تعد غيرها شعوبا بربرية ومازال الفراغ الروحي مستبدا بالنفوس في الغرب فانفتحت الأبواب لتدخل شياطين التعصب للدولة وتستبدل بعبادة الله الواحد وثنا إسمه عبادة الدولة كما تستبدل بالاديان ايديولوجيات من صنع المجتمع. ولقد أراد بعض الفلاسفة إحلال أهداف بديلة عن الدين كفكرة دين الإنسانية أو الماركسية واليهودية. وتمني الناس بفردوس علي الأرض بديلا عن نعيم الجنات ولكن ليس بالخبز وحده يحيي الانسان. إن أزمة المجتمع الغربي هي في جوهرها أزمة روحية وليست مادية. أما في الإسلام فالطاقة في الإيمان تمليه في أكثر أحوالها تعتمد علي الرشد والنقد وقواعدها العصر العلمي الاخير بمدد لايغني من الحج والبراهين وهكذا يصبح من السهل إستعادة إستقلالنا في مجال الافكار ولن يتحقق هذا الإستقلال إلا بتعديل جذري من مناهج دراسة الثقافة الاوروبية سواء في الآداب أو الفلسفة أو التاريخ لكي تنقذ أجيالنا من روح المدنية الغربية بسعة الثقافة الإسلامية وغناها. وان الغرب ينظر إلي الإنسان علي أنه كتلة من الانسجة مضافا إليها عقل اليكتروني أو كمبيوتر في رأسه يدير هذا الجهاز وان الكون عبارة عن مرئيات ومحسوسات. وقد مني الإسلام بخصوم وتيارات إلحادية وإباحية ترد إلينا من الداخل والخارج تضلل الشباب وتهدد العقائد وتنذر بشر مستطير. ومهمة الدعاة المخلصين ان يعيدوا للإسلام روحه وقوته ويصححوا المفاهيم كما فعل الصوفية الذين تعرضوا للهجوم العنيف وتشويه معالمه. ولكن الله جل وعلا حفظهم وصانهم من المطاعن. ولعله من المناسب في هذا المقام أن نتحدث عن الحركة الصوفية في الإسلام لأنها وسيلة لإحياء المناهج الدينية السليمة. فالتصوف علم، قال الشيخ أحمد زروق عنه أنه قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالي عما سواه وصلاح الأعمال وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام والاصول وتحلية الايمان بالإيقان كالطب للأبدان وكالنحو لإصلاح اللسان. والتصوف يعرف به كيفية السلوك إلي حضرة ملك الملوك وتصفية الباطن من الرذائل وهو تدريب للنفس علي العبودية. وإنكار بعض الناس علي لفظ الصوفية بأنه لم يسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود عليه إذ كثير من الإصطلاحات أحدثت بعد زمان الصحابة واستعملت كالنحو والفقه، كما أن السبب في عدم انتشار الصوفية في صدر الإسلام انه لم تكن هناك حاجة إليها في وجود الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم وصحابته الذين كانوا القدوة والاسوة والشمس المضيئة، فالمجتمع لم يكن يحتاج إلي نجوم، كما ان لفظ الصحابي أو التابعي الذي ينم علي الرابطة المضيئة بالرسول صلي الله عليه وسلم لايعلو عليه لفظ آخر كالصوفي، أضف إلي ذلك ان اهل العصر الأول كانوا أهل ورع وتقوي وأصحاب مجاهدة بحكم قرب إتصالهم برسول الله صلي الله عليه وسلم، فكانوا يتبارون في الاقتداء به فلم يكن ثمة سبب يدعو إلي تلقينهم علما أو شرحا لطريق الوصول إلي الحق جل وعلا لأنهم قائمون بذلك فعلا مثلهم في ذلك كما قال الدكتور أحمد غلوش كمثل العربي الذي يعرف اللغة العربية بالتوارث حتي أنه ليعرض الشعر بالفطرة دون أن يعلم قواعد اللغة.