كان أمس الأول الجمعة 52 نوفمبر يوافق ذكري مرور 541 عاما علي إنعقاد أول مجلس نيابي في تاريخ مصر الاثنين: في خريف سنة 6681 وفي صبيحة يوم 52 نوفمبر علي التحديد، أخذ حضرات النواب يصلون الي مبني القلعة الرابضة فوق سفح المقطم، فهذا هو يوم انعقاد أول برلمان عرفته مصر في تاريخها الطويل. وكان الخديوي اسماعيل قد تورط في ديونه الكثيرة، وتعقدت علاقاته بالدائنين الاوروبيين الذين كانوا يبتسمون له المرة بعد المرة، فأصبحوا اليوم يعبسون في وجهه، كلما تلكأ في الوفاء بقسط من اقساط الفوائد. وبدأت الدول الاوروبية تتدخل لمصلحة الدائنين، ولم يجد اسماعيل قوة يستند اليها ازاء النفوذ الاجنبي الزاحف الا الشعب، الشعب الذي بذل كل ما في عروقه من دم ليدفع هذه الديون وفوائدها، ونفقات البذخ والاسراف، وهكذا قرر اسماعيل ان ينشئ اول مجلس نيابي منتخب وكان المجلس يتكون من 57 عضوا تنتخبهم عمد البلاد ومشايخها في الاقاليم، والاعيان في القاهرة والمحافظات أي انه لم يكن منتخبا من عامة الشعب، وكان رأيه في جميع المسائل استشاريا وللخديوي حق حله. وكان معظم النواب من العمد وكبار ملاك الاراضي.. وأكثرهم من الاسر التي ظلت تستأثر بمقاعد النيابة حتي الان، فنجد بينهم: أتربي بك أبوالعز »الغربية« سليمان الملواني »ميت حبيش« الحاج علي الجزار عمدة شبين الكوم، محمد افندي شعير عمدة كفر عشما، موسي أفندي الجندي عمدة كفر ربيع، الشيخ محمد الوكيل عمدة سمخراط، محمد الشواربي »قليوب« احمد افندي اباظة »مينا القمح« عامر أفندي الزمر »ناهيا بالجيزة« ابراهيم افندي الشريعي عمدة سمالوط، حسن أفندي شعراوي عمدة المطاهر »المنيا« عثمان غزالي عمدة بني زراح »مديرية أسيوط« حميد أبوستيت من أولاد عليو »مديرية جرجا« محمد سحلي عمدة فرشوط.
ووصل الخديوي اسماعيل الي ساحة القلعة وحوله وزراؤه، وأبرزهم شريف باشا واسماعيل صديق باشا المفتش، والقي الخديوي »مقالة الافتتاح« اي خطبة العرش وقد جاء فيها: كثيرا ما كان يخطر ببالي ايجاد مجلس شوري النواب، لانه من القضايا المسلمة التي لا ينكر نفعها ومزاياها أن يكون الامر شوري بين الراعي والرعية، ويكفينا كون الشارع حث عليه بقوله تعالي »وشاورهم في الأمر« وبقوله تعالي »وأمرهم شوري بينهم« ثم أعلن رئيس المجلس اسماعيل راغب باشا أن اليوم هو يوم عيد ميلاد الخديوي اسماعيل فلا يجب العمل فيه واختار المجلس قبل ان ينفض، لجنة من عشرة اعضاء قامت بكتابة الرد علي خطاب العرش. وقد كان ردها كله سردا لتاريخ مصر، وانحدارها، ثم نهضتها علي يد الاسرة العلوية ثم الثناء علي اسماعيل، والدعاء له ولأولاده. جاء في كلمته »بعد ما تشرفنا بالاصغاء للمقالة الجليلة الجامعة جوامع الكلم الجليلة، نبادر الي الاعتراف بما حوته بغاية الانشراح وكمال الارتياح«، ثم تحدث عن تقهقر مصر وانحطاطها حتي رجعت القهقري واصبح غيرها من الممالك في انواع التمدن متقدما الي ان أراد الله أن يعيد شبابها بعد الهرم، واستطرد الرد يذكر وفاة محمد علي وابراهيم ثم يهاجم من تولي العرش بعد ذلك فلم يحسن الحكم ويقصد »عباس وسعيد« الي ان نفحتنا النفحات الالهية، وأسعفتنا العناية الربانية، بالحضرة الاسماعيلية، فأعطي القوس باريها، لطفا بهذه الديار ومن فيها ثم يذكر بالحمد تغيير الخديوي اسماعيل لنظام وراثة العرش بحيث اصبح في أكبر الابناء لا في اكبر افراد الاسرة، وانشاء المجلس النيابي.
وانعقد المجلس لمدة شهرين هي المدة المحددة لكل دورة سنوية، حفلت كلها بالمقترحات المقدمة من النواب وكان معظمها يتصل بتحسين وسائل الري وشق الترع وتعديل مواعيد جباية الضرائب وما الي ذلك، غير أننا نجد من بين المقترحات المقدمة ما يلفت النظر مثل: اقتراح سليمان افندي الملواني نائب ميت حبيش منع معاقبة العمد بالضرب!. اقتراح أتربي بك أبوالعز إنشاء مدرسة ابتدائية في كل مديرية ووافق المجلس وأعلن الخديوي وقف اطيان احد تفاتيشه الزراعية لتحقيق هذا الغرض. اقتراح ميخائيل افندي ناسيوس، من نواب المنيا، الغاء نظام العهد الذي كان يقضي بأن تعهد الحكومة الي بعض الافراد بجباية ضرائب بعض المناطق فيدفع العمدة الضرائب من جيبه ويجبي ما يشاء من الاهلين، مستعملا شتي طرق التعسف والاضطهاد ووافقت الحكومة علي هذا الاقتراح ونفذته!. وفي 42 يناير 7681 انفضت الدورة بعد خطبة قصيرة القاها اسماعيل باشا راغب رئيس المجلس. مصر في مفترق الطرق! الثلاثاء: مصر الآن في مفترق الطرق في احرج ساعة من ساعات حياتها، فلابد ان يبلغ حبنا لها مستوي الموقف، وإلا كنا آثمين في حقها، بل آثمون في حق انفسنا وعائلاتنا واصدقائنا وارضنا التي نعيش عليها، وتزخر بذكرياتنا وآمالنا، وتدفن في صدرها آلامنا، وتأسو بيدها الرحيمة جراحنا. أن مصر عزيزة علينا جميعا سواء كنا فيها أغنياء أو فقراء محظوظين أو محرومين ممن يرجع اليهم الامر أو ممن يؤمرون، أننا نحبها وسيجعلنا هذا الحب نرتفع بها فوق الهامات سنكون جميعا علي أرضها نجاهد لكي تكون خيراتها لنا، وحريتها من أجلنا، وعزتها من عزتنا، سنرتفع بها وسترتفع بنا. ولن يغفر الوطن لابن من أبنائه لا يذود عن حقه، أو يتهاون فيه، لن يغفر لابن من ابنائه يغويه المنصب أو تنحرف به شهوات المال أو الحقد والحسد والبغضاء فيجعلها في المقام الأول ويجعل حق بلاده في المقام الثاني. ان أهون التضحيات ان نتخلص من شوائب الشهوات، ونتوجه الي حيث المصلحة العليا، إن الاف المواطنين بذلوا دماءهم من اجل مصر في ميدان التحرير دفاعا عن الثورة لم تلمع اسماؤهم لم يصبهم مجد او شهرة.. ان ارواحهم تطالبنا اليوم بأن نرعاها بأن نرد لها ما ادت من أجلنا وأجل وطننا، أن الحكومات تذهب وتجئ والمناصب تغري بأضوائها، ولكن خيرا منها جميعا النور المنبعث من الضمير اليقظ الذي يدرك الواجب ويؤديه فهو النور الذي ينبع من قلب الوطن. ليت هذا النور وحده يهدينا فلا نضل ولا نغوي ونقول مع شكسبير: »أين هو هذا الشرير الذي لا يحب وطنه!.« واضيف الي هذه الكلمات وأين هذا الشرير الذي لا يتصدي للعملاء من الفاسدين الذين يدبرون المؤامرات لمصر، ولا يريدون لها التقدم والعبور من هذه المرحلة الصعبة الي مرحلة الاستقرار والامن والامان، أنه لا يستحق ان يكون مصريا. ونحن نحتفل بعيد الهجرة الأربعاء: وصف »ه.ج ويلز« في كتابه »تاريخ العالم« انتشار الاسلام بقوله »وفجأة نهض العرب كالشعلة وفي أقل من قرن نشروا سلطانهم ولغتهم من اسبانيا الي حدود الصين، وقدموا للعالم ثقافة جديدة واعتنقوا دينا لا يزال حتي اليوم من اعظم القوي فعالية وتأثيرا في العالم وبعد ان أورد ويلز »اسبابا ثلاثة عزا اليها قوة الاسلام وقدرته علي الاستمرار والتأثير قال »إنه بعد وفاة النبي وقع أكبر غزو في تاريخ الجنس البشري في موقعة اليرموك في سنة 436 بعد وفاة النبي بسنتين وسقطت دمشق وبيت المقدس وسوريا كلها في ايديهم واتجهوا شرقا فاستولوا علي إيران وباكستان وبلغوا حدود الصين، وسقطت مصر في ايديهم دون مقاومة، وتدفقوا الي شمال افريقيا حتي بلغوا جبل طارق، واجتازوه الي اسبانيا وبلغوا جبال »بيرنيز« في سنة 027. نقرأ هذا اليوم ونحن نحتفل بعيد الهجرة، فندرك مكانتنا في الحضارة العالمية والفكر العالمي وندرك انه لولا بسالة الدعاة الأول للدين الجديد وعمق ايمانهم به وصبرهم علي المكاره وذودهم عما يعتقدون انه الخير والعدل والسلام، لما كتب الله لدينه ما كتب له من نصر وجلال وندرك ايضا- وهذا هو الاهم- أننا حملة رسالة علينا أن نكون اكفاء لحملها فنذود عن انفسنا ما يراد بنا من شر. ان هجرة محمد صلي الله عليه وسلم من مكة الي المدينة لم يكن حادثا محليا، بل هي في تقدير المفكرين الباحثين المنصفين من الغرب والشرق حادث عالمي انساني نقل الجنس البشري من حال الي حال وساوي بين الناس جميعا لا فرق بينهم بسبب الثروة أو الجنس أو اللغة او اللون. وأعلي مكانة العقل وجعل كرامة الانسان وحريته وحقه في الحياة مقدمة علي ما عداها، واطلق الفكر الانساني من الخرافات والاساطير. واني لا أنظر الي الهجرة علي أنها حادث يحتفل به المسلمون وحدهم، بل حادث غير وجه التاريخ وأرسي في العلاقات الانسانية قواعد ومبادئ كانت لخير الانسان اينما كان. وأنها من الانحناءات البارزة في تاريخ العالم التي حولت مسيرته من الظلام والظلم الي نور الحق والعدل والمساواة. فكرة للتأمل: الزوجة: غدا يمضي علي زواجنا 52 عاما.. ما رأيك في الاحتفال بهذه المناسبة؟. الزوج: نعم.. سنقف دقيقتين حدادا!!.