ساد الشارع المصري خلال الشهر الأخير قلق بالغ بسبب اعتزام دول المنابع السبع توقيع اتفاقية منفصلة لإدارة وتوزيع الموارد المائية للنهر بعيدا عن الاتفاقيات القديمة وغير مكترثين بحقوق دولتي المصب مصر والسودان. هذا القلق يحتاج إلي الطمأنة وتعريف شعبي مصر والسودان بحقيقة ما يجري بالتهديد بهذه الاتفاقية غير المجدية وغير المعترف بها لا دوليا ولا قانونا لأن توزيع حصص النهر الدولي لا يتم إلا باتفاق جميع الأطراف كمنبع ومصب فلا هم استمطروا السحاب ولا نحن شققنا مجري للنهر من المنابع وحتي نهاية مجراه في البحر المتوسط وإنما هو مورد طبيعي وهبة ربانية ربطتنا معا من أجل الاستفادة المشتركة وليس من أجل الصراع والاختلاف. ولطمأنة الرأي العام في مصر والسودان نقول أن اتفاقية حصص مياه نهر النيل الحالية لم تعترف بها دول المنابع طوال الخمسين عاما الماضية ومع ذلك لم تقل حصة مصر والسودان لترا واحدا ونؤكد أيضا علي أن الاتفاقية الجديدة لدول المنابع سيمر عليها خمسون عاما أخري ولن يجرؤ أحد علي المساس بحصتي مصر والسودان لأن أقدار الشعوب لن تكون ملهاة أو وسيلة اختبار أو نزوة بالمغامرة وسط أسود ونمور القارة الأفريقية بل ستكون حافلة بالمخاطر. ونود أن نذكر دول المنابع بأن مصر تقع في مناخ قاس ولا تزيد معدلات الهطول بها علي 15 مللي في السنة تزداد في السودان وارتريا إلي 500 مللي ثم في إثيوبيا كدولة المنبع الشرقي الرئيسية ودول منابع البحيرات الاستوائية الست إلي 1200 مللي في السنة بإجمالي كميات هطول تتراوح بين 1200 1600 مليار متر مكعب سنويا لكونها أمطارا متذبذبة وتتغير من عام لأخر. أما بالنسبة لحصص مياه النهر والثراء والوفرة المائية الكبيرة لدول المنابع والتي يعمل نهر النيل كمصرف للمياه الزائدة عن حاجتهم ومنقذ لهم من الآثار المدمرة لاجتياح مياه السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة لقراهم ومدنهم لولا اتجاه هذه المياه إلي مجري النهر كمنقذ طبيعي يتجه شمالا، فنذكر أن دولة مثل الكونغو والتي لا تشغل مساحة من حوض نهر النيل أكثر من 0.7٪ ولا تعتمد نهائيا علي مياه نهر النيل، تبلغ حصتها من مياه نهر الكونغو فقط بعيدا عن نهر النيل 1285 مليار متر مكعب سنويا يصرف منها كل عام أكثر من ألف مليار متر مكعب في مياه المحيط الأطلسي وهي كمية من المياه كفيلة بإمداد قارة أفريقيا كلها بالمياه العذبة، كما أنها لا تستهلك أكثر من 1٪ فقط مما تمتلكه من المياه العذبة وتبلغ حصة الفرد بها من المياه 23500 متر مكعب سنويا مقارنة بحصة الفرد في مصر والتي لا تتجاوز 860 م3/سنة وبنسبة استنزاف للمياه تبلغ 100٪ من مواردها المائية الحالية وفي عام 2020 ستصل نسبة الاستنزاف إلي 120٪ بعجز مقداره 20٪. أما حصص باقي دول المنابع والتي تمثل مصر والسودان وحدهما 74٪ من مساحة حوض النيل نفسه، فهي أوغندا 66 مليارا وتنزانيا 93 وبوروندي 36 وإثيوبيا 122 مليارا وارتريا 45 وكينيا 32 والسودان 65 مليارا وأخيرا رواندا 5 مليارات لا تستهلك منهما سوي 10٪ فقط. أما عن التعاون المشترك بين مصر ودول الحوض فعلي مدار أكثر من عشر سنوات ومصر تشتري كامل احتياجاتها من الشاي من كينيا ومعه البن والكاكاو أيضا ومعها أيضا أوغندا وتنزانيا، كما بدأنا منذ عام 2005 في شراء اللحوم الإثيوبية ويجب أن ينضم إليها أيضا لحوم كل من تنزانيا وأوغندا كثاني ورابع أعلي دول أفريقيا إنتاجا للحوم الحمراء بعد السودان وإثيوبيا وهي لحوم صحية وترعي علي المراعي الطبيعية الخضراء بعيدا عن الأعلاف المصنعة والممرضة. وبالمثل أيضا ينبغي استيراد الذرة وبذور الزيوت من تنزانيا وأوغندا وكينيا والسودان والاستثمار في زراعتهم هناك لسد فجوة الحبوب في مصر والتي نستورد بسببها نحو 5.5 مليون طن سنويا من الذرة فقط وكذا وفجوة الزيوت التي نستورد منها 92٪ من احتياجاتنا. أما الكونغو (ثالث أكبر مساحة دولة في أفريقيا بعد السودان والجزائر بمساحة 2.35 مليون كم2) فيكفي أنها تمتلك ثاني أكبر مساحة غابات استوائية في العالم بعد غابات الأمازون وتبلغ مساحة هذه الغابات حاليا 215 مليون فدان (وكل ما تملكه مصر 8.5 مليون فدان أرضا زراعية) بالإضافة إلي نحو 100 مليون فدان تم إزالتها خلال السنوات الست الماضية وبالتالي فإن الاستثمار هناك في صناعة الأخشاب والورق ومنتجات الغابات سوف يكون شديد الربحية بدلا من استيرادنا للأخشاب بنسبة 100٪ من احتياجاتنا من الغرب كما سيعمل هذا علي تنمية هذه الدولة والتي تصنف مع ارتريا علي أنهما الأفقر عالميا وبنسبة فقر تتجاوز 60٪ من عدد السكان بالإضافة إلي نسب الفقر المرتفعة في جميع دول الحوض بما فيها السودان والتي تتراوح بين 30 50٪ وواجبنا النهوض باقتصاديات هذه البلدان الفقيرة وربطها بالاقتصاد المصري للتحول إلي علاقات المصالح المشتركة وهو السبيل الأول لتأمين مياه النيل لتكون متاحة للجميع وفقا للاحتياجات الفعلية لشعوبها وليس لاستثمارها بالبيع أو الاتجار. علي الرغم من أن نهر النيل هو النهر الأطوال في العالم إلا أنه يعد واحدا من الأنهار الفقيرة مائيا ويأتي في مرتبة متأخرة عن الأنهار الأخري مثل نهر الكونغو ذات الإيراد الهائل ونهر الأمازون الذي يتسع لعبور السفن العابرة للمحيط ونهر المسيسبي الذي يكفي قارة بأكملها حيث لا يزيد إيرادات نهر النيل طبقا للكميات التي تصل إلي المصب علي 84 مليار متر مكعب سنويا فقط تستنزف جميعها ولا يصب منها في البحر المتوسط إلا اقل من 4 مليارات متر مكعب سنويا حتي لا يقتحم البحر مجري النهر (بينهما برزخ لا يبغيان)، ومن هذا فإن التعاون علي تنمية موارد النهر المفقودة بالبخر والمستنقعات مع التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات هي الأجدي لجميع دول النهر.