تعالوا نمارس اللعبة التي لا نخجل من تكرارها. فأنا لا أخجل من الكتابة. ومن يقرأني لا يخجل من القراءة. فلكي نكتب عن كاتب لا بد أن يموت أولاً. وكأننا نحتفل بموته. أو كأنه أخلي مكانه لنا وانسحب من الساحة. عرفت حسين عبد العليم لفترة عابرة. وارتباطي به كان جزءاً من علاقتي بالدكتور لويس عوض. خصوصاً بعد أن اشتري منزلاً في الفيوم. وكان حسين عبد العليم قريباً منه بلا حدود. كان يزورني في دار الهلال بشكل دوري. حاملاً أعماله الجديدة. وما أن أصافحه حتي أسأله عن الدكتور. وقبل أن أنطق اسمه يقول لي آخر أخباره. وعندما اشتري لويس عوض شقة في شارع الهرم. بعد أن باع منزله في الفيوم. قابلته في رحاب لويس عوض. وخرجنا معاً نحن الثلاثة أكثر من مرة. كتابة حسين عبد العليم، لا تتشابه مع أي كتابة أخري. كتابة تخصه. تشعر وأنت تقرأها أن الأحرف والنقاط وعلامات الكتابة خارجة من تحت جلده. تخصه. أنه ينحت تعبيرات لغوية لا يمكن أن تجدها إلا عنده. وكان يكتب ويعتبر أن الكتابة هي رسالته للدنيا وليس لديه ما يضيفه لها ولو حتي كلمة واحدة. قرأت له: فصول من سيرة التراب والنمل، ورائحة النعناع، والروائح المراوغة، والمواطن ويصا عبد النور، و»بازل»، و»سعدية عبد الحكم». وكتابته مقتصدة، إن كانت لديه مشاعر يمكن أن توازي عدداً من الكلمات لا يستخدم حرفاً ولا أقل كلمة زائدة عن المطلوب. عندما يجلس وبيده القلم وأمامه الورق الأبيض. فهو لا ينظر إلا إلي خياله وروحه وما يريد أن يحكيه للناس. حسين عبد العليم ارتبط بشكل سردي لا يقدر عليه سوي المبدعين الكبار. وهو كتابة النوفيللا. القصة القصيرة الطويلة. وقد عرفنا منها نماذج عند أدباء الجيل الأول. لكنها لم تعرف طريقها للكتابة عند عدد كبير من الكتاب. والنوفيللا تعبير أجنبي وهو يعني القصة القصيرة الطويلة، التي لا تعد قصة قصيرة ولا نصاً روائياً. لكنها تقع في المسافة بينهما. بعد رحيل لويس عوض عن الدنيا. وبعد تركي عملي لكي أتفرغ للقراءة والكتابة تاهت خيوط التواصل مع حسين عبد العليم. يهل علي خاطري في أحيان كثيرة. وأبحث عن رقم له ولا أجده. وأقرر البحث عنه والتواصل معه. لكن مشاغل الحياة تأخذني مثلما سبق أن أخذته ويتوه كل منا عن الآخر. إلي أن دهمني خبر رحيله. وعرفت أنه كان في أحد مستشفيات القاهرة مريضاً يعالج. وأنه مات في المستشفي. الموت هو الموت. لكن تبقي تفاصيله مختلفة من إنسان لآخر. والآن وبعد أن نفذ قضاء الله. هل أطلب من الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، إصدار أعماله الكاملة في مجلد واحد؟ وهي كلها لا يمكن أن تزيد عن مجلد واحد فقط. الكاتب الوحيد من أبناء جيلنا الذي كان يذكرني دائماً باقتصاد يحيي حقي، وقدرته الفريدة علي التعبير بأقل الكلمات الممكنة بعيداً عن الثرثرة والحشو والمط والتطويل. كان حسين عبد العليم.