في حكاياتنا القديمة كان يتعين علي الشاطر حسن أن يصل إلي مفترق طرق، ويجب عليه أن يختار بين سكة السلامة وسكة الندامة وسكة اللي يروح ما يرجعش، ونصل إلي حكايتنا المعاصرة ليتعين علي أي شاطر يريد أن يحكم جمهوريتنا أن يختار مصيره بين سكك ثلاث. إما سكة البقاء والخلود في وجدان الأمة حيا وميتا، مثل الشاطر ناصر، وإما سكة المنصة مضروبا بالرصاص، مثل كبير العائلة السادات، وإما سكة طرة وأبو زعبل مضروبا بالصرم، مثل الحاج أبو علاء! لقد استطاع هذا الشعب العبقري، الذي ليس له كتالوج تعرف به تركيبته وطريقة عمله، أن يرسم مسارات تلك السكك: السلامة والندامة والذهاب بلا عودة، ثم تراه وهو يوهم من يحكمه بأنه أدار له ظهره ولم يعد مباليًا بما يحدث، ليظن الحاكم أن الدنيا وما عليها ومن بها قد صارت ملك يمينه، وأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وقتما وكيفما شاء. بل وقد يصل به الأمر إلي أن يصبح كل أمله هو رضاء العدو الخارجي عنه، أما الشعب فهو مقدور عليه وتحت السيطرة، ثم فجأة يستدير الشعب ويضرب صاحبنا "مقصًا" يكفيه علي وجهه ثم يركله وتبدأ دورة جديدة. ولقد ذهب البعض إلي أن شعب مصر يشبه النيل؛ يفيض عندما لا تتوقع منه الفيضان ويقحط عندما لا تنتظر منه ذلك، ولذلك كان الحاكم القوي هو من يوطد علاقته بالنهر وتقوية الجسور من حوله وإقامة القناطر والخزانات والسدود والأهوسة علي مجراه وفروعه.. وهي بالضبط العلاقة بين الحاكم القوي وبين الشعب الذي أحب النيل وقدسه. وذهب آخرون إلي أنه شعب يشبه الجمل في صبره وتحمله للضني والتعب والعطش والبهدلة.. لكنه في الوقت نفسه يختزن كل ذلك في قلبه أي داخله ووجدانه وذاكرته وعند اللحظة المناسبة ينفض كل ملامح السلبية عن كاهله وينقض علي معذبه ومستغله ليفتك به فتكا لا عودة منه! وأيا كان التشبيه فإن الدرس الذي نحياه الآن موجه بالفعل لكل مشروع رئيس قادم يريد أن يجلس علي أريكة حكم المحروسة، ولن يكون لشكل الحاكم أي قيمة في المعادلة، فهو أمام السكك الثلاث سواء كان حليق الذقن والشارب، أو حليق الشارب مطلق اللحية، أو حليق اللحية مطلق الشارب، أو بلا لحية ولا شارب من أساسه، إذا جاءتنا امرأة بعد إذن الذقون الموقرة! ستكون القيمة لمنهج الحاكم وفلسفة الحكم وأهدافه وانحيازاته والأدوات التي يحقق بها المنهج والفلسفة والأهداف والانحيازات! إذ من الممكن أن يأتينا حاكم هو من أتقي خلق الله يقوم الليل ويصلي الفرائض والنوافل وطاهر اليد عفيف الذمة نظيف الذيل أي الجلباب ولكن انحيازاته للمال الحلال طبعًا حتي إن بلغ المليارات.. طالما هو حلال! وهنا تكون واقعته سوداء، لأنه لا يدرك أن أحدا لا يمكنه مراكمة الملايين، ناهيك عن المليارات، دون أن يكون مستغلا بوجه من الوجوه.. وعندئذ يصبر الشعب ثم يضرب ضربته وإن طال الزمن وإن احتدمت الفتوي بتكفير الخارج عن طاعة ولي الأمر، لقد أصبحت سكة السلامة معروفة المعالم، ومعلوم أنها سكة الاستقلال الوطني والعزة والكرامة وحرية الوطن والمواطن والعدل الاجتماعي والانحياز للقطاعات العريضة المفروشة في المليون كيلو متر مربع. إن الذي اختار سكة الندامة وهو محمول الآن علي نقالة داخل القفص الحديدي وعزوته التي ظن أنه سيورثها البلد بما ومن فيها وقوف من حوله قادمين من طرة وعائدين إليها بلا حول ولا قوة، فلو كان أدرك حقيقة الحياة وجوهر هذا الشعب لما حدث منه ثم له ما حدث! إن حمدين صباحي والبرادعي وعمرو موسي وأبو الفتوح والعوا وغيرهم أمامهم السكك الثلاث.. والشعب لن يمشي ويترك البلد وسيكرر الدرس الذي كتبه منذ وحد الملك مينا الوجهين القبلي والبحري وإلي أن مزق المملوك حسني كل الوجوه.