تعد من المفارقات الغريبة والعجيبة فى هذا العالم؛ مجيء الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وكذا مهرجانات الاحتفال بعيد المرأة الأم، فى شهر مارس من كل عام، برغم أنه من المعروف أن « مارس » هو رمز إله الحرب فى الأساطير عند الرومان ! وربما تم اختيار « مارس » شهرًا للاحتفال بالمرأة كإشارة رمزية إلى محبوبته « أفروديت » إلهة الحب والجمال التى أنجب منها«رومولوس» و «ريموس» بُناة روما،ويروى أنهما تركا عندما كانا طفلين فى العراء كى يموتا، ولكنّ ذئبة قد حنّت عليهما وأرضعتهما ، وهنا تكمن أيضًا الإشارة إلى عظمة وروعة معنى الأمومة الحقيقية التى تمثلت حتى فى أنثى الحيوان ! وتعالوا بنا نتخيل أن تلك الأساطير قد ترجمتها السينما المصرية فى أعمالها لتخليد دور المرأة عمومًا والمرأة الأم خصوصًا، وهذا يشدنا إلى معرفة تاريخ سينمانا وكيف قامت صناعتها وبداية انطلاقها فى شرقنا العربي، لنجد أن صناعتها بدأت على يد المرأة المصرية، التى تمردت على منطق عائلاتها فى بدايات القرن الماضي، التى كانت تستهجن أن تقوم المرأة بالدخول فى عالم الفن بكل أشكاله أساساً ، فمابالنا بفن السينما الذى كانوا يعدونه رجسٌ من عمل الشيطان؛ بل إخلال بشرف العائلات الارستقراطية فى مصر .. أو هكذا تخيلوا ! وكانت الأفكار السائدة فى هذه الأوساط أن الإخراج السينمائى يعد عملاً مقصورا على الرجال ، وبرغم كل هذا كان ميلاد صناعة السينما المصرية على يد امرأة متمردة على فكر عائلتها؛ وقامت بالإخراج والتأليف والإنتاج، ولتشهد الساحة الفنية أول مخرجة سينمائية فى العالم؛ وهى عزيزة أمير؛ صاحبة أول فيلم عربى صامت إنتاجًا وتمثيلاً لدور البطولة فيه؛ وقامت بعرضه بدار سينما « متروبول» فى نوفمبر 1927، ثم كانت مغامرتها الثانية الناجحة فى عام 1929 بقيامها بإخراج فيلم « بنت النيل » عن النص المسرحى «إحسان بك »للفنان القدير محمد عبد القدوس، ثم اقتحمت عالم صناعة السينما باستمرارها فى عالم الإنتاج كصاحبة شركة « ايزيس فيلم» وأنتجت للسينما خمسة وعشرين فيلمًا وهو رصيد هائل للمرأة المصرية فى هذا المضمار . ثم ظهرت بعدها الممثلة المسرحية فاطمة رشدى؛ الرائدة الثانية للسينما المصرية، وبرغم كونها ممثلة مسرحية بارعة؛ إلا أنها وقفت أمام كاميرات السينما لتقوم ببطولة فيلم « العزيمة » للمخرج كمال سليم .. فجعل منها رائدة خالدة فى تاريخ سينمانا ففيلم «العزيمة»يعد واحدا من أحسن مئة فيلم فى قائمة السينما المصرية وفتحاً لظهور السينما الواقعية ، وفور نجاحها فى هذا الفيلم؛ قررت أن تدخل حقل الانتاج السينمائي؛ علاوة على قيامها بالإخراج والتأليف والاضطلاع بالبطولة أيضًا إلى جانب الإنتاج . ثم نأتى لصاحبة تاريخ التمرد الحقيقى على فكر عائلتها الأرستقراطية؛ التى تنظر إلى فن السينما على أنه كبيرة من الكبائر ويعد عارًا على المشتغلين بها، وبرغم أنها سليلة عائلة موسيقية وذاع صيتها فى التأليف الموسيقي؛ وكانت تبيع مؤلفاتها الموسيقية إلى شركات أوديون بالقاهرة و كولومبيا بالأسكندرية ، ونشرت صورتها على غلاف مجلة« المستقبل» كأول مؤلفة موسيقية مصرية ، لتقع المجلة فى يد المخرج محمد كريم الذى تصادف بحثه عن وجه جديد ليقوم ببطولة فيلمه الصامت «زينب» 1930 ومن هنا كان الفيلم من نصيب صاحبة الغلاف «بهيجة حافظ» التى رحبت بالعمل فى السينما لتسجل اسمها كرائدة من رائدات هذا الفن فى تاريخه الصامت ، وعلاوة على هذا النجاح، فقد قامت بتأليف الموسيقا التصويرية لهذا الفيلم .. وكان هذا أول فيلم مصرى توضع له موسيقا تصويرية خاصة من أجله .. ثم قامت بعد ذلك بالتصدى لبطولة وإنتاج وتصميم الأزياء ووضع الموسيقا التصويرية والإخراج . ولا أستطيع فى استعراضى لدور المرأة أن أبخس دور صاحبة الأصل اللبنانى السيدة«آسيا داغر» فى الفضل على هذه الصناعة ، ويرى مؤرخو السينما أنها بدأت الإنتاج موازية لفترة وزمن الفنانة عزيزة أمير ، ولست هنا بصدد رصد من هى صاحبة السبق ، ولكنى أرصد وبصدق الإسهامات الفعالة للمرأة فى هذا المضمار؛ ورصد صاحبات البصمات المميزة فى تلك المسيرة العظيمة التى سبقت العالم العربى فيه، فقد قامت الفنانة « آسيا داغر » بالتأسيس لشركة « لوتس » للإنتاج والتوزيع السينمائى ، وكفى بها أنها تعد أول من قدم عملاً تاريخيًا للسينما بإنتاجها فيلم « الناصر صلاح الدين » فى فترة المد الثورى فى ستينيات القرن الماضي؛ وهو أول فيلم مصرى بالألوان والسينما سكوب ، وكان تتويجًا لحياتها الفنية الطويلة فى هذا المجال . إنها المرأة المصرية العظيمة التى اقتحمت كل المجالات، وكان لها شرف السبق والريادة فى تاريخ مصر المحروسة ، وهى صاحبة التاج والصولجان منذ تربعت على عرش مصر نفرتيتى وحتشبسوت وكليوباترا .. وحتى شجرة الدر . تحية للمرأة المصرية والأم المصرية فى احتفال العالم بها .. وليذهب « مارس» إله الحرب إلى حافة الهاوية .. فستظل المرأة هى الوردة والياسمينة التى تعطى الزخم ورائحة الجمال والحب أينما كانت ،فهى بحق ربيع دائم عطاء وفكرا وبهاء !